سلطان دار مساليت: إرادة الشعب السوداني وقوة الله نسفت مخطط إعلان دولة دارفور من باريس    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    موقف موسى هلال يجب أن يسجل في دفاتر التاريخ    الخال والسيرة الهلالية!    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    نائب البرهان يصدر توجيها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا حدث و يحدث داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟ (2)
نشر في حريات يوم 26 - 07 - 2017

يعتبر الشهيد د. جون قرنق دي مبيور اهم قائد سياسي سوداني في مرحلة ما بعد الإستقلال قدم رؤية ذات مصداقية للبناء الوطني وإعادة هيكلة الدولة الكولونيالية الموروثة عن الإستعمار. في مواجهة واقع فشل النخبة التي خلفت المستعمر في مركز السلطة في صياغة مشروع بناء دولة وطنية ديمقراطية علمانية موحدة على أساس قاعدتي المواطنة وإحترام التنوع و تحقيق العدالة لإجتماعية، و سيادة سياسات التهميش والتمييزالمنهجي ضد غالبية السكان على أسس دينية اوإثنية اوثقافية اوإقليمية و تصاعد دورة العنف والإحتراب، طور الشهيد قرنق رؤية السودان الجديد كترياق مضاد للسودان القديم و علله، خطاباته و ممارساته. لقد جعلت الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت قيادة الشهيد قرنق أهدافها واضحة لقوى المركز، منذ إنطلاقتها في 1983م، بأن كفاحها ليس من أجل القفز الى السلطة، وإنما توحيد السودان على أسس جديدة و وضع حد للمظالم الإجتماعية العديدة في كل أنحاء السودان. لذلك بالنسبة لجون قرنق، لم يكن يوجد شيء إسمه "مشكلة الجنوب" وإنما هي مشكلة السودان ككل. مشروع بهذا الطموح الوطني العريض وبهذه الرؤية الراديكالية للتغيير التي تدعو لإعادة هيكلة الدولة السودانية لجهة إنهاء التهميش والتمييز لصالح حقوق المواطنة المتساوية، هو بالضرورة مشروع عالي الكلفة كفاحيا، بسبب كثرة الأعداء في المركز الذين يدافعون عن إمتيازاتهم التاريخية. لهذا السبب اصطدم المشروع في محطات كثيرة بتيارات داخل الحركة نفسها ترى في رؤية السودان الجديد حلما عالي الكلفة إن لم يكن مستحيلا تحقيقه، و إنها لا طاقة لها بعبء حمله، لذلك تستعيض عنه بالمطالبة بالإنفصال او الحكم الذاتي للمنطقة المعينة. في رأي د. منصور خالد، لم يكن ممكنا منذ البداية؛ "توطين أجندة قرنق الوحدوية بدون حرب داخلية في صفوف الحركة بين أولئك المؤمنين بسودان جديد يقوم على أساس الوحدة من خلال التنوع و أولئك المؤمنين بفصل جنوب السودان: الذين وصفهم قرنق بالإنفصالين و الإنتهازين. بعد خروجه منتصرا في هذه الحرب الداخلية، واصل قرنق مهمة إعادة هيكلة حركته، التي نشأت في الأصل ذات إهتمام منحصر بالجنوب، لتكون حركة ذات مهام و رؤية قومية لتحويل السودان القديم الى سودان جديد و ليس تدميره." (د. منصور خالد: تناقض السودانين، ص 21& 22). لهذه الأسباب، وكما هو متوقع، لم يكن الشهيد قرنق و طرحه "مرحبا بهما وسط القيادات السياسية التقليدية معا في الجنوب و الشمال لأنهما سحبا الأراض من تحت أقدامهم." في الجنوب، يرى فرانسس دينق أن قرنق "قد ارتفع برؤية الجنوب والشمال ككل موحد الى مستوى لم يكن منظورا او يعتبر ممكنا من قبل، خاصة من قبل القيادات السياسية الجنوبية. و بدلا من أن يكون مصدر فخر للسياسين الجنوبيين، فإن صعود قرنق السياسي والفكري في قمة المشهد السياسي الوطني تم النظر اليه معا بشك و حسد… لأنه أعتبر مهددا لفصل الجنوب. في الجانب الآخر، رأى السياسيون التقلديون في الشمال في أجندة قرنق الوطنية مصدر زعزعة لما كان يفترض أنها حقائق بديهية، ليس فقط حول الهوية الوطنية، ولكن أيضا حول كيفية حكم السودان و إبقاءه موحدا"، (د. منصور خالد، نفس المصدر، ص 30). لذلك استمرت الحركة الشعبية ومنذ إنطلاقتها تحارب في جبهتين: ضد نخبة المركز و ضد التيار الإنفصالي داخلها. خلاصة، استمر تيار القوميين الجنوبيين متواجدا داخل الحركة الشعبية، خاصة بعد توحيد الحركة و عودة مجموعة الناصراليها، و ظلت هناك حالة تعايش صراعي بين التيارين: تيار السودان الجديد الذي يقف على رأسه الشهيد قرنق و تيار إنفصال جنوب السودان، وهو الصراع الذي حسم بعد رحيل الشهيد قرنق المبكر و المفاجيء لمصلحة التيار الإنفصالي وانتهي بإستقلال جنوب السودان. سقت هذه المقدمة الطويلة لحد ما لأن ما حدث ويحدث الآن داخل الحركة الشعبية – شمال يمكن النظر اليه من زاوية معينة كإمتداد لذلك الصراع الإنقسامي القديم/الجديد بين ذات التياريين.
مدى شرعية قرارات مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان
اختار نائب رئيس الحركة تقديم إستقالته الأخيرة في مارس 2017م لمجلس تحرير جبال النوبة- جنوب كردفان (المعين بواسطة المجلس القيادي)، بدلا من تقديمها للمجلس القيادي للحركة. و فسر الكثيرون تلك الخطوة بإعتبارها محاولة لضرب و تجاوز المؤسسة القيادية القائمة و التراتبية التنظيمية و محاولة لمنح صلاحيات قومية لمجلس إقليمي لا يمتلكها بطبيعته، وذلك بهدف اسباغ نوع من الشرعية على قراراته اللاحقة. من ناحية قانونية صرفة، قرارات مجلس تحرير جبال النوبة- جنوب كردفان غير دستورية، بسبب تتعارضها البائن مع نصوص دستور الحركة لعام 2013م، ومع الأعراف التنظيمية المستقرة، وذلك للأسباب الآتي توضيحها. تضمنت المادة 13 من الدستور نصا واضحا على أن البناء الهيكلي للحركة يتكون من: (أ) الأجهزة القومية (ب) الأجهزة الاقليمية (ب) أجهزة أخري متخصصة. المادة 14 من الدستور حددت الأجهزة القومية و هي: (أ) المؤتمر القومي؛ (ب) مجلس التحرير القومي؛ (ج) المجلس القيادي القومي. حسب نص المادة 14(2)(ت)، يكون لمجلس التحرير القومي المهام و الاختصاصات الآتية:
المادة 15 من الدستور حددت هياكل ومهام الأجهزة الإقليمية. حسب نص المادة 15، بنية الأجهزة الأقليمية تتطابق شكلا مع الأجهزة القومية وهي:
أما مهام الأجهزة الإقليمية – وهي موضوع النزاع هنا، فالمتعارف عليه هو أن سلطات و صلاحيات الأجهزة الإقليمية تكون مقصورة بطبيعتها على حدود دوائر إختصاصها الإقليمية؛ وهو ذات ما نصت عليه المادة 15(5) من الدستور: "مهام الاجهزة الاقليمية هى نفس مهام الاجهزة القومية فيما يلى المستوى المعني." منطوق نص المادة واضح وهو أن الأجهزة الإقليمية تمارس ذات المهام التي تمارسها الأجهزة القومية (والمنصوص عليها في المادة 14)، ولكن "فيما يلي المستوى المعني" والمقصود هنا المستوى الولائي. جرت محاولات متعسفة و مجانبة للصواب، في تقديري المتواضع (شملت للأسف بعض الزملاء القانونين)، لتفسير الدستور بطريقة تمنح مجلس تحرير إقليم جبال النوبة/جنوب كردفان سلطة إصدار القرارات التي اصدرها، و ذلك بالإستناد تحديدا لنص المادة 15(5). هذه المحاولات التفسيرية البديعة قامت على الإكتفاء بإيراد صدر المادة: (مهام الاجهزة الاقليمية هى نفس مهام الاجهزة القومية)، مع بتر و إسقاط عجزها (فيما يلي المستوى المعني)، وذلك على طريقة (لا تقربوا الصلاة)، دون ذكر أي أسباب تسوغ هذا البتر والقطع! صياغة نص المادة 15(5) قصد بها تجنب التكرار والنص على ذات المهام المنصوص عليها في المادة 14 لكل جهاز قومي على إنفراد في المادة 15، وذلك لأن البنية التنظيمية التي خلقها ذلك الدستور متطابقة من حيث الشكل على المستويين القومي والإقليمي. فيما يتعلق بإعفاء رئيس الحركة ونائبه و الأمين العام على وجه التحديد، نجد أن المواد 20(ح)، 21(ح) و 22(ح) من الدستور قد جعلت سلطة إعفاء الرئيس اونائب الرئيس او الأمين العام من إختصاصات المؤتمر القومي العام دون غيره، وذلك بأغلبية ثلاثة أرباع جميع أعضاءه، في حالة انتهاك أو فقدان أيا من شروط أهلية أي واحد منهما. نصوص هذه المواد تحسم بشكل لا لبس الجدل حول الجهة المختصة بإعفاء الضباط القوميين الثلاثة. ينعقد هذا الإختصاص على سبيل الحصر لجهة واحدة وهي المؤتمر العام، ويمارس في حالة واحدة و هي فقدان الأهلية حسب شروطه المنصوص عليها في الدستور، و يتخذ القرار بنصاب عالي جدا و هو أغلبية ثلاثة أرباع جميع الأعضاء (وليس الحاضرين) وهو تشديد مقصود من الدستور.
هناك أسئلة قانونية أخرى تثيرها بعض المخالفات التي صاحبت الإجتماع الثاني لمجلس التحرير الإقليمي بتاريخ 6 يونيو 2017م. فالدعوة لهذا الإجتماع جاءت من الأمين العام للحركة الشعبية بالإقليم الأستاذ تجاني تمة الذي لا تربطة أي صلة بالمجلس وليس عضوا فيه، و ذلك بدل أن تأتي من رئيس المجلس السيد آدم كوكو كودي – الذي إختفى تماما بعد الإجتماع الأول وحل محله القاضي عمر رمبوي. و هناك أسئلة كثيرة حول أسباب إختفاء رئيس المجلس وعدم قيامه بالدعوة للإجتماع الثاني، و مدى قانونية مجيء الدعوة من الأمين العام للحركة بالإقليم. وحسب إفادات عدد من أعضاء المجلس، جاءت الدعوة للإجتماع يوم 4 يونيو قبل يومين فقط من تاريخ الإجتماع، وهي فترة غير كافية واضعين في الإعتبار ظروف الخريف و شهر رمضان و إتساع رقعة الإقليم و وعورة طرق المواصلات و الظروف الأمنية العامة. لذلك إنعكس ضيق وقت الدعوة و طريقتها في الحضور والذي كان غالبيته من مقاطعة واحدة بالإضافة لإعضاء المجلس اللذين تصادف وجودهم في كاودا؛ والنتيجة إن الحضور لم يتجاوز 24 من أعضاء المجلس البالغ عددهم حوالي 110 عضوا. وقد اشار بيان رئيس الحركة (3 أبريل 2017م) الى أن "هنالك مجموعة تعد على أصابع اليد من أعضاء المجلس قامت بإختطاف قرار المجلس، وبعضهم ليسوا بأعضاء في المجلس …" السؤال كيف ينعقد إجتماع تمت الدعوة له بهذه الطريقة وبعدد يقل بكثير عن النصاب القانوني لأتخاذ قرارات بخطورة إعفاء رئيس الحركة و أمينها العام وتعيين رئيس جديد لها؟ يثير ذلك سؤال دستوري أساسي حول مدى قانونية الإجتماع و مخرجاته و مدى تعبيرها عن إرادة المجلس نفسه الذي اتخذت القرارات في غياب الغالبية الساحقة من عضويته. هناك مشكلة دستورية أخرى لاتقل خطورة يثيرها قرار المجلس الإقليمي القاضي بحل المجلس القيادي للحركة. و حيث أن المجلس القيادي القومي هو الجسم القومي الأعلى الوحيد الموجود في تنظيم الحركة في ظل غياب مجلس التحرير القومي، فإن القرار يكون قد إستهدف حل الهيئة القيادية العلياء الوحيدة المتبقية التي يمكن فحص او إستئناف القرارات لديها للنظر في مدى دستوريتها و التقرير بشأن تأييدها او إلغاءها. و بذلك قصد المجلس الأقليمي أن تكون قراراته نهائية و غير قابلة عمليا للفحص او الطعن او الإستئناف لعدم وجود جهة يتم رفع الإستئناف لها.
من ناحية موضوعية تتعلق بمحتوى القرارات والأسباب التي انبت عليها، نجد أن مجلس التحرير الإقليمي قد إتخذ قرارته بالإستناد فقط الى ما ورد في إستقالة نائب الرئيس، دون الإستماع لوجهة نظر الطرف الآخر الذي وضع عمليا في خانة المتهم، او القيام بأي محاولة لإستجلاء ومعرفة وجهة نظر الطرف الآخر ورده على ما احتوته إستقالة نائب الرئيس من إتهامات. التفسير الوحيد الممكن لإكتفاء مجلس التحرير الإقليمي بما ورد في إستقالة الفريق الحلو من أسباب كأرضية ومبرر وحيد لقراراته ورفضه سماع الطرف الآخر هو أن نسبة كبيرة من الحاضرين من عضوية مجلس تحرير جبال النوبة – جنوب كردفان الذين شاركوا في إصدار تلك القرارات تتوفر لديهم ثقة شخصية أكبر تجاه نائب الرئيس مقارنة بالرئيس و الأمين العام، و يعطون لذلك مصداقية شبه مطلقة لما يصدر عنه. لكن ذلك يعتبر إجراءا معيبا يفتقد للحدود الدنيا من المهنية و الحياد والموضوعية. عند قيام مؤسسة ما بالفصل والتقرير في نزاع بين مؤسسات او أفراد يفترض فيها بداهة إالتزام الحياد والموضوعية، وأن تصدر قراراتها بعد تحري و تحقيق شامل شفاف و نزيه يأخذ في الإعتبار وجهتي نظر طرفي النزاع دون تحيز وأي وقائع ذات صلة، وإلا لكانت قراراتها معيبة لإفتقادها التسبيب الموضوعي و الوزن السليم للبينات. أقوال أحد طرفي النزاع لا تصلح بطبيعة الأشياء لأن يتم الإعتماد عليها وحدها دون غيرها كأرضية لإتخاذ القرارات من قبل المؤسسات، ولا يوجد ما يبرر تجاوز الأسس الإجرائية المعروفة وهي أعطاء الفرصة الكافية لسماع وجهات نظر جميع الأطراف المعنية، قبل إصدار أي قرار. خاصة إذا تعلق الأمر بقرارات خطيرة و مصيرية تتعلق بإقالة رئيس الحركة وأمينها العام وحل مجلسها القيادي. إذا و بالإضافة الى الإعتراض الإجرائي المبدئي حول عدم إختصاص مجلس التحرير الإقليمي بإصدار القرارات التي أصدرها للأسباب المذكورة أعلاه، فإن القرارات أيضا معيبة موضوعا من ناحية المضمون لصدورها بالإستناد لوجهة نظر طرف واحد دون الآخر.
نخلص الى أن مجلس التحرير الأقليمي لجبال النوبة – جنوب كردفان لا يملك سلطة إصدار القرارات التي إصدرها ولم تستند قراراته على تحقيق شامل محايد و شفاف يستوعب وجهتي نظر الطرفين المعنين، كذلك صاحبت إنعقاد إجتماع المجلس الثاني مخالفات إجرائية تتعلق بمصدر الدعوة للإجتماع وعدم إكتمال نصابه، لذلك فإن هذه القرارات مخالفة لدستور الحركة والأعراف التنظيمية المستقرة. من هنا يكتسب التكييف الوارد في خطاب رئيس الحركة لما حدث بأنه "إنقلاب" أساسا دستوريا. و ما الإنقلاب سوى فرض أمر واقع قسريا على مؤسسة ما، من خارج الأطر الشرعية و الدستورية القائمة. حاجج و جادل البعض بإن ما حدث يستند على الشرعية الثورية التي يبررها منطق الثورة و ظروف الكفاح المسلح، ولكن فات على هولاء أن هذا النوع من التبريرات يعني بالضبط الإعتراف بأن ما حدث يمثل إنقلابا، و يحاول توفير مبررات تشرعنه!
قرارات مجلس التحرير الإقليمي انطوت أيضا على قسوة و تشدد غير مبررين بحق رئيس الحركة و أمينها العام. لم تكتف القرارات بإقالة االرئيس و الأمين العام وإنما زادت عليه منعهما من دخول المناطق المحررة؛ السؤال اين يراد لهما أن يذهبا؟ هذا التشددغير المبرر يقدح أيضا في حياد وأهلية المجلس و يعطي الإنطباع للمراقب المحايد بالرغبة في التشفي والإنتقام. كان يتوجب على المجلس حتى وهو يصدر قرارا بإعفاء رئيس الحركة وأمينها العام ان يعاملهما بالتقدير والإحترام الواجبين وبالطريقة التي تحفظ كرامتهما كأفراد أولا، و تراعى مكانة والإحترام الواجب للموقع القيادي في هرم تنظيم الحركة والجيش الشعبي الذي يشغلانه، وكذلك بالنظر لتاريخهما الطويل ومساهماتهما الكبيرة في مسيرة الثورة لما يزيد عن 30 عاما. فات على أعضاء مجلس التحرير الإقليمي إنهم بذلك يرسون سابقة مفزعة للطريقة التي تعامل بها أهم حركة تحرير في البلاد رئيسها و أمينها العام. وأن صدور قرارت بهذه الدرجة من التشدد غير المبرر يرسل أيضا رسائل سالبة لأطراف عديدة تشمل أعضاء الحركة الشعبية في بقية الإقاليم والرأي العام.
في ظل غياب اي أساس دستوري، فإن حجج الثقل العددي و عظم التضحيات والمساهمات التي قدمها الإقليم للثورة التي جرى إستخدامها كمبررات لممارسة مجلس التحرير الإقليمي سلطات قومية وهو يصدر القرارات التي اصدرها، يمكن المحاججة بأنها –وبالإضافة الى إفتقادها الى أي أساس من الدستور – تتناقض جذريا مع أساسيات رؤية السودان الجديد، التي يشكل مبدأ حقوق المواطنة المتساوية دون أدنى تمييز حجر الزاوية فيها. إذا كانت الحركة الشعبية لا تمنح حقوق عضوية متساوية داخل تنظيماتها لكل عضويتها، فإنه لا يمكنها أن تدعو الى تحقيق دولة المواطنة المتساوية التي تقوم على أساس الانتماء المجرد للتراب الوطني دون غيره، ولا تتبع الخطوط الثقافية أو الدينية أو الإثنية أو الجهوية؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. لذلك فإن من يقاتل من أجل سودان جديد يتساوى فيه الناس جميعا على قاعدة حقوق المواطنة المتساوية دون تمييز، لا يمكن أن يقوم بخلق تراتبية داخلية جديدة و درجة عضوية مميزة لأعضاء الحركة في إقليم جبال النوبة – جنوب كردفان، دون غيرهم من الأعضاء في سائر أنحاء السودان، و يمنحهم دون غيرهم الكلمة النهائية غير القابلة للطعن و الإستئناف في التقرير في شئؤون الحركة الفكرية و السياسية والتنظيمية و عزل قيادتها. و كما ورد في بيان رئيس الحركة الشعبية (17 يونيو 2017م): "لايمكن القبول بالتهميش داخل مؤسسات المهمشين والتي في الأصل نشأت لإبطال كآفة أشكال التهميش." السؤال الذي يثور: الا يشكل ذلك تكريسا لنوع من المركزية الجديدة؟
(نواصل).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.