هالني سفه وإنصرافية وسطحية الكثيرين وسماجتهم في إدانة الدكتور أحمد الشفيع ، إبن المرحومة البطلة فاطمة أحمد إبراهيم وأسرتها وقبيلتها من الشيوعيين ، لإيداعهم للسيدة الكبيرة بأحد بيوت العجزة ببريطانيا في أخريات أيامها ، أيا كان الموافق على القرار ، وكيف ولما حدث ذلك ومتى. الذي وجب توضيحه هنا فإن إسم (بيوت العجزة) تعبير غير دقيق إستعماله مبطن بالإذراء والإساءة وبعيد عن واقع الحال ولا يجوز إستعماله قانونيا في دول العالم الأول . كما أنه لا ينطبق على المكان الذي كانت به البطلة فاطمة في أخريات أيامها ، والتي كانت تعاني فيها كثيرا من علات تقدم السن والشيخوخة ، والتي تتطلب رعاية طبية وتمريضية مستمرة وعالية المهنية للتخفيف من آلامها . في كل دول العالم الراقي المتقدم لاتوجد بيوت عجزة بالمفهوم السوداني (المتقرح) بل تنتشر فيها: ال Elderly Care Homes وال Day Care Centres وهي مراكز في منتهى الرقي مخصصة لرعاية الشائخين والمسنين وهم شريحة من المواطنين في مجتمعات العالم الأول تعنيهم الدولة عناية فائقة بناء على مفهوم التقدير ورد الجميل لما بذلته تلك الأجيال من المسنين في سنوات العطاء من أعمارها ، ما أهل دولهم لما هي فيه الآن من تقدم وإذدهار وإستقرار ، ولاسيما أن كثيرا من المسنيين الذين حاربوا من أجل تلك الأوطان ودافعوا عنها وشاركوا في وضع أسس الرفاه للأجيال الشابة الحالية لايزالوا أحياء . لما كان هذا المفهوم هو السائد في تلك المجتمعات الرائدة والذي قاد لإلتزام الدولة فيها نحو المسنين ومن هذا الباب جاء تأسيس بيوت ومراكز العناية بالمسنيين والشائخين بصورتها الحديثة المتطورة الحالية . إيداع المسنين لتلك المراكز والدور يفرضه مستوى العناية المطلوبة لرفع المعاناة عن الشائخين والمسنين والرعاية الطبية التي في كثير من الأحيان قد تتجاوز إمكانات توافرها في بيوت أسرهم ، مهما بلغ رغد العيش ويسر الحياة ووسع الحال في تلك البيوت وقام الأهل والأبناء بالتفاني في خدمة مسنيهم فهي قد لاترقى للوصفات المهنية المقنعة للهيئات والدوائر الرسمية التي ترعى حقوق المسن الصحية والطبية والنفسية والتي تتمتع بصلاحيات شبه دستورية تمنحها حق ترحيل المسن وإيداعه لأحد بيوت العناية بصفة دائمة أو مؤقتة ، ودائما لا يتم ذلك إلا بعد دراسة وتقييم أوضاعه وإحتياجاته الصحية والغذائية والنفسية والعقلية بدقة وتحديد خطط تخفيف معانته من علات الشيخوخة المزمنة ووهنها . يتم الإشراف في تلك المراكز على المسنين ورعايتهم بطواقم من المهنيين و الممرضات والممرضين عاليي التدريب والمهارات ، وعادة ما يتم تعيين أولئك الممرضين ممن لهم شغف ويغمرهم حب وعاطفة للقيام بهذا النوع من المهام ويتم تأهيلهم أكاديميا وتدريبهم مهنيا بإستمرار لترقية مؤهلاتهم وإمكاناتهم لأداء تلك الخدمة بامستوى العالي المنشود . إيداع ورحيل المسنين من الآباء والأمهات في تلك المجتمعات الراقية لتلك المراكز لايعني تخلي ذويهم أو أبنائهم وبناتهم وأسرهم عن مسؤولياتها نحو مسنيها بل بالعكس تماما فهم يزورونهم بإنتظام لتلبية طلباتهم وأخذهم في برامج ترفيهية وجولات للتسوق لشراء مستلزمات شخصية تخص المسن وغالبا ما لا تناسب حالاتهم ولكنها تروي تطلع الذوي والأبناء وتشبع إحساسهم بالقرب من مسنهم وحتى لو كان بعيدا عنهم بعقله وتركيزه . ودائما مايحدث ذلك التواصل في أوقات تناسب أولئك المسنين وقدرتهم على الحركة وفي ساعات مقدرتهم الذهنية وحالتهم المعنوية وإستقرار مزاجهم في تلك الأحيان ورغبتهم . أحسب أن البطلة فاطمة جديرة بتلك العناية ألتي عجز وطنها عن توفيرها لها وعن توفيرها لكل جيل قدامى المحاربين الأبطال في بلد حاله يرثى له الآن . أتمنى أن يرى أهل السودان يوما ما في بلادهم دولة نزيهة تقدس آداب الرعاية الإجتماعية وتكابد لتوفير حقوق مواطنوها وإحترام ورعاية مسنيها.