هذا المقال معني بالدرجة الاولى بالتنبيه على ظاهرة شاذة متحكمة في النشاط السياسي السوداني يمكن تسميتها غربة البديهيات وغيابها وسيادة التناقضات وعذابها . كيف؟ من البديهيات ان الدولة التي يتوقع ان ينشا فيها جدل حول التمديد لرئيس حالي … ان جاز اصلا ان ينشا هكذا جدل .. .. هي دولة نعم مواطنوها بامن زائد ورفاهية ورخاء زائدين وتقلصت فيها معدلات البطالة والامية واختفى الفساد نهائيا وتوقفت للابد حروبها الاهلية وترسخت الحريات والحقوق وقويت وتماسكت جبهتها الداخلية وتحسن محتوى التعليم والتدريب وارتفع مستوى الرعاية الصحية ….الخ لكن هذه البديهيات لا علاقة لها .. للأسف الشديد … بمنطق حكومة البشير في الخرطوم التي تفترع هذه الايام جدلا حول التمديد لرئيس حكم البلاد زهاء ثلاثة عقود لم يذق السودانيون فيها الا صنوفا من القتل والابادة لم يشهدوها من قبل وماتوا باعداد خرافية في الحروب والنزاعات المسلحة وبلغت معدلات الهجرة واللجوء والنزوح ما جعلهم في راس قائمة الوافدين لمعظم بلدان العالم وربما شهدت اسماك المتوسط وضواري الصحراء الكبرى على ما اكلت من لحوم الفارين منهم من جحيم البشير المستطير … ومع ذلك لا تخجل عجول النظام السمينة من الخوار البذيء مطالبين بالتمديد لهذا الديكتاتور العجيب لما بعد 2020 …. فتامل لم يحدث ان زاد ثمن سلعة بنسبة تفوق المائة الف بالمائة خلال 28 سنة …. بمعنى ان ما كان سعره جنيهين اصبح الفي جنيه الا في السودان المنكوب بساسته وحكامه ايما نكبة ففي 1989 كانت السبع عيشات " قطع خبز" تباع بجنيه واحد بمعنى ان الالف جنيه كانت تكفي لشراء 700 عيشة والعيشة انذاك كانت اكبر وزنا 3 مرات من عيش سنة 2017 .. مما يعني ان الالف جنيه حينها كان يشتري الفي عيشة من النوعية التي اصبحت اليوم بسعر 500 ج للعيشة. الواحدة يعني 2 فقط بالف جنيه … والنتيجة ان نفس المبلغ الذي كان يشتري عيش عيزومة ضخمة اصبح بفضل البشير وسياساته وعبقريته ونزاهته المفرطة "ما بيحشي" سندوتش لطفل في الحضانة … وهذا الحساب "الولد" لم ياخذ بالاعتبار التدهور المريع في نوعية وصلاحية وجودة الدقيق المقدم للمواطن عبر الخبز . هذا التدهور الذي لا يحس به الا المواطنون المخضرمون ولا يعرف تفاصيله الا المتخصصون والعالمون ببواطن الامور. هذا الارتفاع الخرافي في تكلفة بقاء مواطن عادي على قيد الحياة مع اجتهاد البشير الشديد في سد كل سبل كسب هذا العيش العزيز على المواطنين يفترض فيه ان يجعل من اولويات النخب المعارضة القصوى مساعدة هذا المواطن على كسر هذا الحصار بشكل ثوري ومنهجي وليس الاكتفاء بالفرجة عليه من بعيد ومساعدة النظام على احكام الحصار اكثر واكثر بعد ان امنت هذه النخب نفسها بشكل او باخر من الانسحاق كما الشعب تحت وطاة الة التجويع والافقار هذه . هذه ….. مرة اخرى ظاهرة غربة البديهيات وغيابها وسيادة التناقضات وعذابها في المشهد السياسي السوداني … هذه الظاهرة التي تتجلى كاوضح ما يكون في الجدل الدائر هذه الايام حول جدوى واخلاقية المطالبة بعدم رفع العقوبات الامريكية عن حكومة البشير هذا الجدل …. ورغم الدفوعات المنطقية للفريقين المتعاركين … يتعامى للاسف الشديد عن السؤالين الحاسمين بشأنه … احدهما او كلاهما السؤال الحاسم الاول … ايهما يضر بالسودان والسودانيين اكثر … او على نحو اصح … ايهما يضر بالسودان والسودانيين اصلا … سريان عقوبات امريكية على نظام البشير …. ام استمرار النظام بهذه العقوبات او بدونها؟ الاجابة واضحة وضوح الشمس … وعلى المخلصين حقا الاجتهاد اكثر في رفع ضرر استمرار النظام وليس البكاء على عدم رفع العقوبات عن النظام الضار بصحة المواطنين…. ان كانوا "صادقين" السؤال الحاسم الثاني …. هل يتوقع الناس ان تساعدنا واشنطن على اسقاط النظام الذي اجتهدت هي اكثر من غيرها لبقائه واستمراره طيلة ما مضى من وقت رغم العقوبات الظاهرية المعلنة ؟ الاجابة ايضا واضحة وضوح الشمس والمحصلة تجعل النقاش حول هذا الامر اقل قيمة بكثير من الحبر الذي يراق فيه وانه يتعين علينا جميعا الاجتهاد اكثر واكثر في رفع العقوبات الكبرى المفروضة على الشعب السوداني واهمها وجود شخص في قصره الرئاسي اسمه عمر البشير وسلطة ضارة بصحته ووجوده اسمها نظام البشير [email protected]