الدكتور مضوي ابراهيم ادم – أستاذ الهندسة الميكانيكية بجامعة الخرطوم، الحائز على جائزة المدافعين الأماميين عن حقوق الإنسان (فرونت لاين ديفندرز) للمدافعين في حالة الخطر عام 2005م وجائزة حقوق الإنسان أولاً نفس العام – رجل نحيل لكن لا يمكن أن تزدريه ففي ملامحه يرتسم الصمود مثلما تقفز بسمته الهازئة بالأعاصير. شغل الساحة الإنسانية والحقوقية على مدى تسعة أشهر إلا قليلاً كانت عمر اعتقاله الأخير الذي شمل معه عديدين ، قامت منظمات حقوق الإنسان العالمية والوطنية ولم تقعد وهي تطالب بالإفراج عنه وإنهاء تجريم الدفاع عن حقوق الإنسان، ضجت قاعات كليته ووقف طلابه غير مرة مطالبين بحريته، وصار أيقونة لطلاب الحرية.. أعلن النظام عن بدء محاكمته ولكن المحكمة لم تستمر ، مثلما تنبأ رئيس هيئة الدفاع عنه، وفي النهاية خرج بعفو رئاسي هو ومن معه ، وخرجت معه رؤى وتفاصيل استنطقتها (حريات)، فإلى مضابط الحوار،، – دكتور مضوي، حدثنا عن نشأتك وكيف قادت لهذا الجمع النادر بين عالمي الهندسة الميكانيكية والدفاع عن حقوق الإنسان؟ الهندسة وحقوق الإنسان برأيي عالم واحد. فالهندسة تطور الاشياء لتعطي الحياة ونفس الحكاية حقوق الإنسان. الهندسة تطويع لحاجات الناس وافعالهم وبالتالي فيها جانبين جانب انتاج الشر والخير. والإنسان تركيبته واحدة في النهاية إما خير او شر. الهندسة قد تطوع الحياة لخير الناس، أو لشرهم، وبدون حرية سوف تنتج الهندسة الشر، بدون حرية تنتج النازية , والمنتجات العسكرية الرهيبة التي قمعت الناس كلها انتجت عبر الهندسة. غياب الحرية يجعل ابداع الهندسة يصب في الاتجاه اللاإنساني وبالحرية يصب لخير الناس، ولذلك لن يكون هناك تطور انساني في الهندسة وغيرها بدون الحرية. لذلك لا أرى فاصلاً بين عملي في الهندسة وفي حقوق الإنسان. – علاقتك بدارفور كيف بدأت حتى صارت قضية دارفور إحدى أهم مجالات عملك ؟ بشكل عام حينما بدأت العمل شمل ذلك مناطق كثيرة في السودان، في شمال السودان ودارفور وغيره لكن تم التركيز على دارفور لأنه كانت هناك قضية موجودة. مع اننا كنا منظمة وطنية تقدم مساعدات للناس وتصلهم في المعسرات وعملنا في مناطق كثيرة في النيل الأزرق وفي جنوب كرفان وفي جنوب السودان وفي الشرق وفي شمال السودان، لكن دارفور في عامي 2003 و2004 كانت قضية متفجرة مما أظهر مجهوداتنا فيها بشكل أكبر. – اعتقالاتك السابقة في 2003، و2004، و2005م، و2011م، والملابسات المرتبطة بها ؟ هناك اعتقالات قديمة لم تكن هناك وسائل اتصال اجتماعي ولذلك لا تجدينها في الرصد الحالي، اعتقلت كذلك في الأعوام 1991 و1992م و1997م. لماذا ؟ السبب في تلك الاعتقالات دائماً كان العمل العام الذي أقوم به في مجال حقوق الإنسان، والموقف المعارض للاعتقالات والرؤى المخالفة للمشروع المسيطر. وأحياناً ممكن يعتقلوك بموقفك من الأخوان المسلمين في الثانوي في اتحاد الطلبة او غيره، وقد كنت طالبا بمدرسة خور طقت الثانوية. – ماذا دار في تلك المعتقلات ؟ .. الموجودون في السلطة بيفتكروا الوطن حقهم لوحدهم والآخرون عليهم الإذعان لكلامهم، مثلاً إذا تناقشنا حول أية قضية يقولون لك هذا خط أحمر، سؤالي لهم هذا الخط الأحمر من الذي رسمه ؟ لقد جئتم بانقلاب وفرضتهم هذه الخطوط، نحن لم نمسك القلم سوياً ونحدد أية خطوط فهي خطوط وضعتها أنت، ولكن لدي رأيي وهذا الوطن وطني ولدي وجهة نظر وانا حريص على الوطن اكثر منك فلا يمكن أن تقول لي هذا خط أحمر، هذا الخط يخصك انت ولا يمكن تلزمني بوجهة نظرك فقط لأنك قمت بانقلاب عسكري ليلاً، ولا يمكن اكون واقف معاك في رؤاك السياسية ولا يمكن تجعلها لنا خطوط حمراء. ما الفائدة اننا في وطن واحد ولدينا رؤى سياسية مختلفة؟ ممكن تكون هناك ضوابط عامة ولكن هذه الضوابط نصل اليها بالاتفاق الجماعى، ينبغي أن نتشاور كلنا كسودانيين ونخرج بمتفقات، لكننا لسنا متفقين الآن ولا يمكن أن تقول لي ان ثوابتك ثوابت وطنية. الذي يقول لهم وجهة نظره المغايرة فإنهم يعتبرون ذلك فجوراً أو خيانة .هذا غير ممكن . وهذه العقلية هي المشكلة. في إحدى المعتقلات كما في الاعتقال الأخير تمت الإشارة لعلاقتك بمنظمة العفو الدولية..؟ هذه مشكلة كبيرة، فالعمل في حقوق الإنسان ليس جريمة وهذه الحكومة موقعة على مواثيق دولية تلزمها بحماية حقوق الإنسان وحماية المدافعين عن حقوق الانسان، ولكنهم يريدون وصف هذا العمل بأنه تجسس وعلاقات أجنبية، في حين أن الحكومة ملتزمة بالتوقيع على اتفاقيات لحماية حقوق الانسان والمدافعين عن حقوق الانسان. وبرغم ذلك يعتبرون الصوت الواضح حول هذه القضايا جريمة، وفي المحاكم لا تكون لديهم أدلة مادية على جريمة وهذه هي المشكلة، وموقفنا واضح وواحد ونقوله في المعتقل او المحكمة وهو أن الدفاع عن حقوق الإنسان ليس جريمة. – منظمة سودو، ماهي ملابسات اغلاقها في 5 مارس 2009م وهل من مغزى لتزامن الإغلاق مع اتهام البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية ؟ سودو انشأناها وكنا نقدم خدمات للناس وفي لحظة من اللحظات في 2001 سجلنا المنظمة رسمياً وكنا شغالين، ومن الغرائب أن مفوضية العون الإنساني كونت في 2004م لجنة لتقييم المنظمات الوطنية، هذه اللجنة أصدرت تقريراً يقول أن سودو احسن منظمة ومطلوب منها تدريب باقي المنظمات لتأخد بيدها ، وبرغم ذلك في مارس 2009م أغلقوها، نحن لم نقبل هذا القرار وقلنا إنه قرار خاطيء ومبني على حيثيات خاطئة، توجهنا للوزير ولكنه لم يفعل لنا شيئاً، فاتجهنا للمحكمة، وقد أقرت بأن إغلاق المنظمة خاطيء وقامت بإلغائه، استأنفوا للمحكمة العليا والمحكمة العليا أيدت قرار المحكمة أن الحل خاطيء. حاولوا يقولوا ان سودو وقفت مع المحكمة الجنائية الدولية وهذا الكلام ليس صحيحا ولكنهم استغلوا الظرف الذي اغلقوا به المنظمات الدولية بعد قرار المحكمة الجنائية فالحقوا بها سودو يوم 5 مارس. المحكمة العليا قالت الحل غلط وليس هناك ما يثبت ان المنظمة ارتكبت المخالفات المذكورة. ذهبنا بقرار المحكمة للمفوض وكان حينها مطرف صديق وقال لي نحن كمفوضية ليس لدينا شيء ضدكم، الموضوع عند الأمن. والسؤال كيف يكون الأمن فوق القضاء ؟ رفعت المفوضية يدها عن الموضوع وقالت إنها ليست لديها سلطة. – ما هو تفسيرك إذن لاستمرار الإغلاق برغم أن سودو كسبت الحكم القضائي لصالحها منذ أبريل 2010م ؟ هذا الوضع يقدح في القضاء، ويعني أن أية جهة يمكن ان تنقض حكم القضاء، هذه مشكلة. سألتهم هل تقولون أنكم لا تحترمون القانون؟ وقلت لهم هذا الكلام غير منطقي. ظللت أذهب لناس المفوضية وهم يسوفون أمشي وتعال ولكنهم لا يستطيعون تنفيذ القرار.. – برغم المضايقات التي جعلتك رمزاً للدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، شاركت في حوار قاعة الصداقة الأخير، ما هو تقييمك لتلك التجربة ؟ استجبنا لنداء الحوار، وخرجنا بوثيقة الهوية التي تتكلم عن ان السودان بلد تشكل نتيجة لظروف محددة وفيه ناس متباينين وتنوع ثقافي وديني ولكي يكون الناس متعايشين ينبغي الاعتراف بأن الجامع المشترك بينهم هو أنهم سودانيين، وأن تكون المواطنة هي اساس العقد بيننا، وهناك استحقاقات نتيجة للاتفاق على المواطنة ينبغي أن ندفعها، استحقاقات دستورية وسياسية وفي نواحي التعليم والصحة وغيرها. وضعنا هذه النقاط الأساسية وخلصنا الى اننا سودانيين تجمع بيننا حقوق المواطنة وواجباتها، وأن يكون الدستور هو القانون الأعلى في البلد لا يعلو عليه شيء، وأنه ينبغي الالتزام بالحريات، وأن تحدد الحريات وتوضع في الدستور لا القانون، فيحدد الدستور الحقوق كلها وحالات الطواريء التي تتأثر بها. الحريات ينبغي أن تقننها داخل الدستور وليس خارجه لا ان تقول وفقا للقانون، بل تتفق عليها في الدستور. واتفقنا أن اللغات والثقافات تعبر عن الهوية بشكل واضح. وأن اللغات مستودع الحضارة فنحن نريد أن نفك رموز اللغة في الحضارة النوبية، وفي دارفور هناك لغات عديدة كلغة البرتي وغيرها هناك لغات موجودة من حضارات قديمة في الإرث الإنساني وينبغي ان تدرس وتكون مدخلا لمعرفة الانسان السوداني، لذلك علينا أن نعترف باللغات لا أن نسميها رطانة بل هي ثقافات الناس، ولا يمكن أن تمنعها بالقانون لأنها ليست حضارية كما قال البعض، هذا كلام فارغ ينبغي ان تحترمها وتحترم الثقافات المختلفة لتكون متمازجة، واتفقنا أن السودانيين يختارون نظام حكمهم. في هذه الوثيقة وقع الجميع بمن فيهم المؤتمر الوطني لكن لم تطبق. وسيظل الصراع أن هذه المخرجات ينبغي أن تنفذ. -المخرجات ومنها الحريات ليست فقط لم تنفذ، بل اعتقلوك برغم مشاركتك في الحوار..!!؟ هم قالوا تعالوا للحوار ، ووصلنا لمخرجات واتفقنا على مباديء لتنفيذ هذه المخرجات، ممكن أن تكون حكومة من 15 نفر مثلاً يكونوا مسؤولين تجاه تنفيذ المخرجات وتكون هناك آلية من عشرين أو خمسين شخصاً يكونوا بمثابة البرلمان للحكومة الجديدة على أساس أن المرجعية تكون ما اتفقنا عليه. كانت هناك احزاب كثيرة مشاركة في لجان الحوار، اعضاء اللجان هؤلاء استيعابهم للمخرجات احسن من رؤسائهم في الأحزاب التي أتوا منها، قلنا لهم إن المنفذين ينبغي ان نتفق عليهم ولا يهم لونهم السياسي ودعهم يكونوا مؤتمر وطني كلهم هذا لا يهم، لكن المهم أن يكونوا مسؤولين امامنا لتنفيذ المخرجات. لكن القصة صارت محاصصة، والذين جاؤوا بهم لم يشاركوا في الحوار ولن ينفذوا المخرجات، لكنه صراع موجود في البلد. في 1991م كتبت مع آخرين ورقة حول الحوار أنه المخرج الوحيد للبلد وذلك لنتفق على ثوابت من الجميع وليس بالبندقية ولذلك لا بد من استشارة الجميع. نجلس سوياً ونتفق على أسس تعايشنا في البلاد وألا نمزقه . ليس هناك شمال متحد ومتفق على ثوابت. ثوابتك هي ثوابتك انت ورؤاك هي رؤاك انت ولا تلزم غيرك، نتفق على طريقة لإدارة الخلاف بيننا. – الاعتقال الأخير استمر ما يقارب الشهور التسعة، وقد سبقه اعتقال حافظ ادريس من منزلك، حدثنا عن هذا الاعتقال ورفاقك فيه.. اعتقلوني طيلة هذه الفترة ولم يحققوا معي كثيرا ولا أثاروا قضايا معينة حتى حينما ذهبت النيابة فإنه لم يتم التحري بوضوح معي حول المواد الكثيرة الموضوعة في القضية. هل كانت تلك المواد معدة كمفاجأة في المحكمة ام ماذا لا اعرف، لكن المفروض حينما توجه لك تهم تحت مواد معينة، يتم التحري معك عما فعلته، وهذا لم يحدث معي، كان التحري لمدة نصف ساعة فقط. بالنسبة للآخرين تم اعتقال الشاب الذي جاء من دارفور ونزل عندي اعتقلوه من بيتنا لماذا لا احد يعرف ولم اواجه بالسبب. وفي الحقيقة كل الذين اعتقلوا ولهم صلة بقضيتي كان اعتقالهم بغرض الحصول على دليل إدانة، فهم معتقلون أرادوا في الحقيقة أن يأتوا بهم كشهود في المحكمة . والوهم وراء ذلك أن الذين يدافعون عن حقوق الانسان لديهم اشياء مخفية. وعلى العكس المدافعون مواقفهم واضحة وأهم حاجة بالنسبة لهم حماية ضحايا الانتهاكات، هذه من اهم الاشياء، وهذه معلومات لا يمكن أن نبلغ عنها لأنها تخص الضحية لكن باقي عملنا مكشوف ومعروف، نشارك في ندوات وورش تنظمها الاممالمتحدة ومنظمات ونكون موجودين معهم ونقول وجهة نظرنا بشكل واضح ولو رجعوا للكلام الذي نقوله في المقابلات الإعلامية بالخارج فهو نفس كلامنا داخل السودان ولا نخفيه عنهم، نقول هذا انتهاك ولا ينبغي ان يحدث هذا وذاك. والمدافع عن حقوق الإنسان محايد ليس تجاه الضحايا ولكن تجاه الآخرين الذين يرتكبون الانتهاكات فنحن لا نقف ونتعاطف مع الحركة او خلافه، ولكنهم يعجزون عن إدراك أنه يهمنا السلوك العام والاداء العام لكل الفاعلين تجاه حقوق الإنسان، لا يفهمون ذلك بل يفهمون انه ينبغي ان نخفي انتهاكاتهم ونتكلم عن انتهاكات الآخرين. أنا كمدافع عن حقوق الإنسان لا أريد ان ادين اية جهة سياسيا بل أتحدث عن انتهاكات محددة، وكون حركة ارتكبت انتهاك فإني لا اتحدث عن مبادئها ولست معنيا بها بل بالانتهاك الذي قامت به. وماذا عن السبعة الذين اشارت لهم ال26 منظمة التي طالبت بالإفراج عنك ؟ كذلك لم التقهم في المعتقل ولا أعرفهم في الحقيقة، وقد تم الإفراج عنهم، وكانوا معتقلين أيضاً بغرض تحويلهم لشهود في القضية. – ماذا عما اشاعوه حول اتهامك بالاشتراك في تقرير منظمة العفو الدولية الذي فضح استخدام النظام للأسلحة الكيميائية في جبل مرة ؟ لم يواجهوني بهذا الكلام في التحري ولم أسمعه من أية جهة رسمية، سمعته من الناس. – إضرابك عن الطعام في المعتقل الأخير، متى بدأ ومحطاته المختلفة ؟ بعد اعتقالي بفترة فهمت اني سأظل معتقلاً بدون اتهام، وفي هذه الحالة لا سلاح لي سوى الاضراب عن الطعام. في اليوم ال47 من الاعتقال دخلت في اضراب. حاولوا يثنوني ويهددوني أنك ستتعرض لكذا وكذا. وفي اليوم السادس للإضراب وكان يوم خميس أتوا لي باسرتي ,اخواني وبناتي ومعهم واحد من الأمن , قال لي اخواني وكانوا قلقين على صحتي اعطينا فرصة نصل لحل مع الأمن، قلت لهم لو كان عندهم موضوع واحد نمشي للمحكمة ولو لم يكن عندهم قضية يفكوني. اخواني طلبوا مني فرصة حتى يوم الخميس التالي فقلت لهم اعطيكم فرصة حتى الأحد قالوا الأحد قريب قلت لهم إذن حتى الخميس القادم اذا لم تحل المشكلة وأحال للمحكمة سأعود للإضراب. يوم الخميس لم يأتوا فواصلت في الإضراب عن الطعام، وبعد 9 أيام زارني بعض اخواني، في اليوم العاشر جاء وكيل النيابة وقال إنه قادم من مولانا عوض الحسن وسيتم تحويلي للمحكمة وطلب أن ارفع الاضراب عن الطعام قلت لهم اسرتي كانت معي امس، ولن أرفعه إلا بعد أن أتكلم مع اخواني وأذكر الموقف الجديد، قالوا لي ستتكلم معهم بالتلفون ، سألوني في المساء عن الإضراب قلت لهم لم افكه واستمريت حتى يوم الاثنين ولم أتناول الطعام حتى يوم الثلاثاء وبعدها اكلت أي أن الاضراب استمر لمدة 13 يوماً في فترته الثانية، وبعدها حولت للنيابة لمدة 4 اشهر حتى بدأت المحكمة. – سربت معلومات عن تعرضك للتعذيب، وكذلك حافظ ورفاقك الاخرين ، حدثنا تفصيلا عما جرى. حافظ لم اره منذ اعتقاله الا بعد أن تم تحويلنا للنيابة، كان كل منا في مكان مختلف . حاولوا اثنائي عن الاضراب وعندهم طريقة محددة لفك الإضراب عن الطعام وهى كلباش وايقاف في الشمس. في البداية ما كانوا يريدوا أن يعملوا معي ذلك . وحينما حصل كلام عن الاضراب عن الطعام في نفس اليوم حاولوا يفتحوا بلاغ بالشروع في الانتحار. جاءني وكيل النيابة، فقلت له أنا لا زلت أستطيع الحركة ولست راقداً في مستشفى، وأي شخص لديه قدرة على الحركة مفروض يمشي النيابة لا أن يأتي وكيل النيابة له في المعتقل. كذلك أنا لا أريد أن انتحر، انما الأعمال بالنيات، الاعمال في الاسلام بالنية وأنا لم انو الانتحار، فاضطروا يكتبوا اني شخص اعتقل لمدة 47 يوماً ومحروم من حقوقي الدستورية وقد أضربتُ عن الطعام للمطالبة بحقوقي الدستورية، كتب وكيل النيابة هذا الكلام وقرأته ووقعت عليه. كان الضغط بطريقة الاتهام أنه شروع في الانتحار ويحاكموك بستة شهور سجن. لكنهم ايضا نفذوا الكلباش والشمس ؟ نعم، حينما لم تجدى تلك الطريقة اتجهوا للكلباش والايقاف تحت الشمس. ولم تجدى في إثنائي كذلك. ماذ ا عن حرمانك من العلاج وأنت تعاني من علة قلبية..؟ هم كانوا خايفين ان الاضراب عن الطعام يشيع، والذهاب للمستشفى كان حوله تقييد شديد، كانوا خايفين من تجربتي في الاضراب عن الطعام وقد حدثت مرتين في السابق، فحينما يكون الإضراب معلناً يختلف عن ان يكون غير معلن.. الإضراب غير المعروف يعتمد على صمودك وقد دخلت فيه عام 2005م وصمدت حتى تدهورت حالتي وفي النهاية اضطروا أن يأتوا بأهلي ويطلقوا سراحي بعدها. لكن اذا كان الإضراب معلنا فالعالم كله يتابع حالة انسان معرض للموت وهذا حدث لدى اعتقالي في 2004م وكان إضرابي معروفا. في المرة الأخيرة كانوا يخشون من أن يعرف إضرابي عن الطعام ولذلك منعوا ذهابي للمستشفى. – المحكمة التي تأخرت ثم أجلت كثيراً، ماذا كان انطباعك ؟ أخروا المحكمة كثيراً وحتى حينما أحلت للنيابة أكملت الشهر الخامس وبدأت الشهر السادس وهذه كانت مشكلة بالنسبة لهم فهناك مدد معينة للاعتقال بدون محاكمة حسب القانون، وليس هناك طريق غير تقديمي للمحكمة وهي لا يمكن أن تبدا لأنك اذا بدأتها عايز ادلة، لذلك الموضوع كله كان محتاج لمخرج يحل بطريقة غير المحكمة. – ومع مسيرة الاعتقالات والمحاكمات الممتدة التي عايشتها، ما هو تقييمك للنظام العدلي من سجون، نيابة، ومحاكم في السودان ؟ طبعا النظام العدلي طاله الخراب الموجود في البلد كلها، والخطوة الأولى هي إصلاح القوانين. لا يمكن أن تأتي بقانون لينفذ مثل قانون امن الدولة، فالقاضي سوف ينفذه باعتباره الجهة التي تنفذ القانون. المشكلة ليست القضاء ولا المحاكم في المقام الأول بل القانون الذي يتعارض مع المواثيق الدولية ومع التزامات البلاد الديمقراطية ومع مخرجات الحوار الوطني نفسه واذا لم تعدل هذه القوانين فلن يصلح القضاء لأنه ينفذ القانون. كلنا لدينا رأي في القانون الجنائي منذ زمن. ولكن لن يستطيع القاضي الا ان ينفذ هذا القانون، هذه القوانين لازم تعدل.. القانون الذي يعتقل اشخاص بدون محاكمة وسلطة قضائية ينبغي ان يلغى. تحاورنا مع المؤتمر الوطني ولا يمكن تقول لي تعال صارعني وفي يدك عصا. لا يمكن ان يكون في يدك قانون امن اذا اختلفت معي تحيلني للسجن. هذه هي معركتنا الرئيسية : القوانين المقيدة للحريات ينبغي ان تلغى ونكون نحن والمؤتمر الوطني واقفين في مصطبة واحدة، ويصير الموضوع صراعا متساويا يصل فيه الناس لنتائج، لا يمكن في ظروف غير متكافئة تطالب ان اصارعك. التحول الديمقراطي شرطه الحريات وذلك بالغاء القوانين المقيدة للحريات. تغيير هذه القوانين أولاً وقبل كل شيء. – كان اعتقالك الأخير حلقة في سلسلة اعتقالات لقادة مجتمع مدني وساسة تكثفت منذ التعديلات الدستورية في 2014م، ما هو هدف النظام من كل ذلك ؟ هي تعديلات في اتجاه تقوية القبضة الأمنية للنظام والاعتقال يتم لتعويق المقاومة ومطالبها بالحريات أو أن يترك الناس مواقفهم أو يعطلوهم عن أعمالهم، هذا هو الهدف، وفيها كذلك استشعار بان الوتيرة متصاعدة، فالحريات لا تتجزأ، والمطالب تتصاعد بأنه يجب أن تكون هناك شفافية وحرية وألا يوجد فساد، والبعض لديهم مصالح حقيقية لا تتماشى مع الحريات ولا الشفافية ولا محاربة الفساد، فالتعديلات مستهدف منها الحقوق في دستور 2005 والكلام عن الحريات. – ما هي الأسباب الحقيقية برأيك التي أدت لإطلاق سراحك عبر (عفو رئاسي) ؟ اعتقد ان ذلك كان المخرج بالنسبة لوضعهم فالمسالة ما بتمشي لقدام، المحكمة كانت حتكون مصيبة، كيف احاكمك على أنك مستمر شغال رغم اننا حلينا منظمتك وسأقول لك عندي حكم محكمة عليا، أنا أصلاً عندي ترخيص وحينما قمت بحلي المحكمة قالت هذا القرار باطل. فهل ممكن يمشوا في محكمة ضد زول يرفع لهم قرار محكمة عليا؟ هل الحكومة عندها استعداد تواصل في محكمة زي دي؟ المحكمة دايرة شهود وناس، ومجريات المحكمة نفسها عندها أثر تاني في الرأي العام ، مثلاً مجريات الاحداث في محكمة عاصم عمر أن الراي العام أخذ موقفاً مخالفاً لقرار المحكمة. – سبق واعتقلوك مراراً وأطلقوا سراحك، فهل انتهت المعركة ؟ لا أدري ما الذي سيحدث ولكن سيظل رأيي هو رأيي وموقفي هو موقفي، لم يتغير فيه شئ. رسالة للمشير عمر البشير ؟ طرحت الحوار وله مخرجات ينبغي ان تنفذ، ينبغي أن تكوّن آلية واضحة لتنفيذ مخرجات الحوار بلا مجاملات فالبلد تمر بمرحلة حرجة جدا في تاريخها ولا تحتمل، وهي بين الانحدار في الفوضى أو أن تستمر كدولة، اذا كنت لا تريد للبلد أن ينحدر للفوضى فعليك أن تنفذ المخرجات وتتيح الحريات ونظام حكم يستوعب جميع السودانيين. نظام الحكم المركزي الحالي ليس فيه فيدرالية حقيقية، الفيدرالية المطلوبة أنه كل الناس تكون لديهم حكومات محلية وبلديات وأن يبنى نظام الحكم على هذا، وإلا فنحن لسنا أحسن من الدول التي تفرتقت مثل ليبيا ومالي، والمخرج أمامنا أن الذين كانوا غير مشاركين في الحوار يشاركوا ونتفق على ثوابت تنفذ بصورة واضحة. السودان فيه ازمة , والحرب والعداء الكبير ليس مخرجا للبلاد بل المخرج حل للأزمة التي عقدها المؤتمر الوطني وأن نتفاوض حول المخرج، ويستنار بالناس الذين لم يشاركوا وتنفذ مخرجات الحوار، هذه مسؤولية الرئيس , اذا الناس دايرين يجنبوا البلد الاجراءات الحادة. رسالة لإدارات السجون ؟ السجون احسن من معتقلات الشرطة ومن معتقلات الأمن، والمعتقلون السياسيون يكونوا في وضع افضل فيها ولكن بالنسبة لبقية المساجين فهم يعيشون في ظروف سيئة جدا ليست مهيئة للإصلاح المعلن. بيئة السجون تحتاج لإصلاح حقيقي وان يدير هذا أشخاص يدركون أهداف السجن. لمنظمات المجتمع المدني ؟ المنظمات محتاجة لأن تتوحد في اهداف واضحة في اتجاه التغيير الاجتماعي هذه المنظمات لها مواقف عظيمة في الدفاع عن حقوق المظلومين والحريات والناس المحتاجين والمستضعفين، لكن لا زلنا محتاجين لآلية تجمعهم، ليست بالشكل الحكومي في شبكة تحت القانون، بل أن يكون تجمع يدخلوا فيه ويتفقوا مع بعض للمشاركة في معركة الحريات، نتلاقى ونشتغل مع بعض، هذه المنظمات لديها مواقف عظيمة جدا وقد وضعوا على كتفى حملا ضخما بوقوفهم ونضالهم ورفضهم لما يحدث. لكن لو تجمعوا فأثر ذلك يكون أقوى، ولا ينبغي أن تكون هناك حساسية من أن هؤلاء سياسيين أو غيرهم فإذا كان هدفنا تغيير القوانين المقيدة للحريات فهو هدف واضح لأي شخص سواء كان شيوعي او امة او بعثي او اتحادي ديمقراطي أو غيره، الحريات ينبغي ألا تنتهك وهذا لا خلاف عليه ويجب أن نعمل فيه مع بعض ونتوحد واذا لم نتوحد سيظل كل منا يؤذن في مكان، وكل مرة يقبضوا منا واحد، (مقاطعة): هناك أصلاً مبادرات لتجميع المنظمات العاملة في الحريات مثل كونفيدرالية المجتمع المدني ومبادرة المجتمع المدني؟ المطلوب أن كل هذه المبادرات وغيرها تجتمع مع بعض.. رسالة لزملائك وطلابك بكلية الهندسة جامعة الخرطوم ؟ طلبتي في كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة الخرطوم اثبتوا انهم أوفياء ولا اعرف كيف ارد لهم الجميل، كل ما استطيع قوله هو المطالبة بان يكملوا الموقف ويستمروا ليس معي بل مع كل الذين يحملون هذه القيم التي ادافع عنها. وهذا الموقف الذي وقفوه لو انطبق على كل الفئات والطلبة في كليات السودان سيقود للتغيير والتحول الديمقراطي.. رسالة للنشطاء الحقوقيين داخل وخارج السودان ؟ الشكر لهم هو الشيء الطبيعي، إن الموقف العام في الداخل أو الخارج إزاء الدفاع عن حقوق الانسان والمدافعين عن حقوق الإنسان هو الذي يجعل الناس أقوياء بإحساسهم أنهم ليسوا معزولين وليسوا وحدهم، وأن خلفهم كم كبير من الناس، ناس ليس بالضرورة تعرفهم أو عملت معهم، لكنهم مشتركون في هم واحد، وهو العمل من أجل مجتمع إنساني خالٍ من انتهاكات حقوق الانسان، احيانا داخل المعتقلات تجد الدافع والقوة من هؤلاء الناس ومن الاحساس انهم واقفين معك يطالبونك بان تصمد، تراهم في أحلامك وفي تخيلاتك. اخيرا وليس آخرا، رسالة للشعب السوداني ؟ ربنا يقدرنا ان نوفي له وان نكون عند حسن ظنه وكل الأمل أن نقدم له ما نرى أنه يمكن أن يقدم.