قبل أيام قلائل تابعت على إحدى القنوات فيلم هندي يحكي قصة أب فّرقت السبل بينه وبين ابنه حتى كبر الولد وهو لا يحمل شيئًا من الحب لوالده. مع مرور الوقت تطورت قدرات الابن القتالية وصار أحد أبطال العالم في فنون المصارعة. وفي إحدى المباريات الحاسمة والمثيرة كان الأب متواجدًا كأحد الجمهور, لكنه لا يستطيع الاقتراب من ابنه أو احتضانه أو التباهي ببطولته لأن الأخير لا يعترف به. تذكرتُ اليوم قصة ذلك الأب الذي يجني ثمار تخليه عن ابنه صغيرًا وقد ضجت الصحف ووسائل الإعلام بخبر تتويج البطل العّداء معتز برشم ببطولة العالم لألعاب القوى لكن ( لحساب دولة قطر ) معتز عيسى برشم شاب سوداني الأصل, وُلد لأسرة كانت تقيم في دولة قطر نسبةً للظروف الاقتصادية التي أجبرت كل من استطاع على مغادرة البلاد والانتقال إلى بلدٍ آخر بحثًا عن كسب الرزق الحلال. وكحال جيلٍ من الشباب نشأ وترعرع في تلك الدولة التي تنّبهت باكرًا لقدراته الرياضية الفائقة, فلم تتردد وهي الدولة التي درجت على شراء المجد بالمال, في منحه الجنسية القطرية, وشراء ذذلك الاسم السوداني ( برشم) ليصبح اسمًا قطريًا آسيويًا حتى وإن قالت الطبيعة غير ذلك. واليوم تحتفل دولة قطر بحيازتها بطولة العالم لألعاب القوى, بينما يقف السودانيون من أهل معتز وأقاربه بعيدًا, فأمر البطولة لا يعنيهم؛ وإن كان هذا البطل هو ابنهم؛ وخطيئتهم أنهم يعيشون في ظل دولةٍ يهرب منها أبناؤها بحثًا عن الحياة. ليس من حقنا بطبيعة الحال أن نوجه صوتًا لللوم نحو شاب سوداني اختار استبدال هويته بهويةٍ أخرى, ومنح اسمه ومجده إلى غير أهله فأسلافنا يقولون: ( البيدوه القلم ما بيكتب نفسه شقي) ولو أن معتز برشم كان اختار هويته الحقيقية السودانية لكان أحد أنصاف الأحياء الذين يرزحون في جحيم الفقر والحياة القاسية, والأحلام التي لن ترى النور, أو لربما كان أحد الذين يتجرعون مرارة الحروب التي أحرق لظاها مساحاتٍ واسعة من بلادنا. ولو كنتُ في مثل مكانه لربما سرت في ذات الطريق. وليس من الحكمة أيضًا أن نلقي باللائمة على لصوص المجد في دولة قطر, الذين يستنكفون حتى من اصطحاب اسم الموطن الأصلي لبطلهم, فالمجد لا يليق بنا ونحن في عيونهم لسنا سوى عبيد. نحن فقط علينا أن نقف بعيدًا. خارج صالات الاحتفال, وخارج ميادين المباريات, علينا أن نسترق النظر فقط عبر شاشات التلفاز. فنحن من وطنٍ لا يحفظ لأبنائنا مجدهم, ومن حقهم أن يصنعوه بعيدًا عنا. هنيئًا لمعتز بميداليات الذهب والبرونز والفضة, وهنيئًا لوطنه الجديد بابننا الذي منحهم فرحةً واحتفال.