الرأى اليوم نهوض روح رجال كررى صلاح جلال *من أروع المكاسب فى الحياة أن يتحرى الإنسان نفحات دهره، ويتعرض لها ، بمعرفة سِير أهل المكارم والقيم ، من تاريخ الصفوة، الذى يحدثنا عن أقوام ، ما ناموا عن المكارم منذ أن سلكوا طريقها، فترقوا من مقام لمقام، حتى كادوا أن يبلغو الكمال الإنسانى، فى بهائه وعطائه وتمدده،هذه من مآثر دراسة التاريخ ، والتعرف على شُخوصه ، ومعرفة معادنهم ، والإقتداء بها لإستمرار مسيرة العطاء والتدفق، العبقرية ليست خيال، فنصفها نقل وتأسي بمظان الخير. *معركة كررى كانت تمثل آخر يوم فى غروب شمس الدولة المهدية ، وتجلى بدر الفكرة فى تمامه ، لم يحتفل السودانيون بمعارك الإنتصارات ،مثل إحتفالهم بيوم الهزيمة فى كررى، لماذا؟!!!! كررى كانت هزيمة بطعم النصر ، أُفنيت فيها الأجساد ، وتكسرت المعدات ، ولكن تجلت فيها الإرادة وصلابة الروح ، التى لم تعرف الهزيمة والإنكسار، فكانت هزيمة كررى ميلاد الوطنية الباذخة، عبر الأجيال إلى اليوم ، فقد قال عنها العدو (لقد كان جيشنا فى كماله من معدات وتدريب، ولكن المهدويين فاقوا الكمال فى الصمود والإرادة ، لقد حصدناهم بالتفوق التكنلوجى ، ولكننا لم نهزم إرادتهم للمقاومة والدفاع عن بلادهم ). *كان شعار يوم كررى (المنية ولا الدنيئة ) ،وهيهات منا الذلة ، كما رددها شهيد كربلاء ، حتى فكرة الإختلاف حول الهجوم الليلى أو النهارى على العدو ، كان الصراع فى تقديرى يستبطن البطولة ، كما قال الأمير يعقوب أمير الجيش( نقابلهم نهار عينه فى عينهم ) ،راقت الفكرة للفارس البدوى فقال على بركة الله ، دقو النحاس من ضى ، فكانت كررى ملحمة للإرادة الوطنية ، وهذا سر خلودها وعظمتها ، إفتدى أهل السودان بلادهم ، بأن قدموا فى نهار ذلك اليوم إثنتى عشر ألف شهيد ، فقد كانت صفوف تختفى لتحل محلها صفوف طالبة الإستشهاد ، من هُنا ورث أهل السودان العزة وسمة الفرسان ، والركزة وقت الشدة ، مما ألهم الشعراء والمغنين فى تعبئة المشاعر الوطنية جيلا بعد جيل . *فأصبح إستدعاء التاريخ، مهمة لمواجهة الكروب ، وعبور التحديات ، فى كل المنعطفات ، حتى أطل علينا إنقلاب الإنقاذ الكالح ،الذى لم يترك صنيعة للإستعمار إلا وطبقها على شعبنا الكريم ، من قهر وإذلال ، وكبت للحريات وفرض للجبايات ، ونهب للموارد ، فقد تعاملوا مع الوطن كغنيمة كسبوها فى مقامرة ، فصاروا وأفعال الإستعمار سواء ، جاءت مقاومتنا طويلة مستلهمة كل التاريخ ومستشرفة كل البطولات ، من جولة لجولة ، حتى وصلنا لموكب القوى الوطنية يوم الثلاثاء17\01 ، فقد إستعاد فيها الأبطال الأسطورة من تاريخ الأجداد ، فى الركزة والسمتة ، والثبات على المبدأ، فقد تحلقنا حول عدد من المشاهد ، التى أعتقدنا أنها قد إنقطعت عن الحياة، فعادت مشاهد الأسطورة ، حية تمشى بيننا . *رجل البمبان ،السيد يعقوب أحمد المصطفى ، عضو المكتب السياسي لحزب الأمة ، ورئيس محلية السلام ، الذى رموه بالمقذوف الحارق ، تقدم و إلتقطه بيده ، ووضعه فى جيبه ، وهو يقدل ، معبئى الهتاف ،هذا المشهد إستدعيت له من كررى ، روح الأمير يعقوب إبن السيد محمد شقيق الخليفة ، فقد كان أمير الجيش ، وقائد الراية الزرقاء التى تكاد تكون قدمت نصف شهداء كررى ، فقد كان الأمير يعقوب، يوم كررى يجوب الحشود على ظهر جواده يحارب فى المقدمة ، ثم يعود للخلف للتعبئة والتحريض ، فعندما استشهد نصف قواته ، وقف فى الصف الأمامى ، يقاتل حتى سقط شهيداً مضرجاً فى دمائه ، عندنا مثل بيقول (البركة والمكارم ما بترقد قبور )، فقد حلت روح الأمير يعقوب ومكارمه ، فى البطل يعقوب أحمد المصطفى ، الذى سألته صحفية ، عن عدم تردده وخوفه من المقذوف الحارق ، قال لها ( يا بتى أنا ما بخاف من الرصاص ، يخوفونى بالبمبان )، ليك يا الامير نقول (يا يعقوب إنت ما بته يوم والجار مُهان ، ثبته وقدلت يا فرس الرهان). *المشهد الثانى، الطفل محمد الواثق ، نسنتنهض له من رجال كررى السيد محمد راجل الجبل، أولاد حاج شريف أهل الجزيرة الدرة ، أرباب العقول أهل الإرادة الحرة ، أول شهيد للراية الحمراء ،هذا الطفل خرج ملبياً نداء الوطن ، إلتف حوله الكجر ، وضربوه ضربا مبرحا، لإمتحان صبره، وقادوه إلى مخفرهم ، حيث صام عن الطعام والكلام حتى خرج ، منطبقاً عليه قول الشاعر ،لو بلغ لنا فى الفطام صبياً ، تخر له الجبابرة ساجدينا ، نُقل الخبر لوالدته السيدة زينب الصادق ، كتبت على صفحتها ، (الأمر أمر الوطن فى سبيله النفس والمال والجنا) ، نستنهض لها من أهل كررى ، السيد مقبولة حفيدة سلاطين الفور ، أم السيد عبدالرحمن ، حين أعدم الإنجليز رمياً بالرصاص الخليفة الشريف ،وأبناء المهدى الفاضل والبشري ، غضبت سليلة الأمراء ،وغلبت عزتها على غريزة الأمومة ، فحملت طفلها السيد عبدالرحمن ، وأخرجته للإنجليز ، عندما دخل الإمتحان ملعبها المفضل ، المنية ولا الدنيئة خاطبتهم قائلة ( دا ود المهدى برضوا هاكم أكتلو)، لم يخيبوا ظنها فى ندالتهم، فرموا الطفل برصاصة أصابته ولم تقتله ، إنكسرت الدولة، ولكن روح كررى لا تموت ،عبر الحقب والأجيال *مشهد أم هزاع نستنهض له زوجة الأمير عثمان أزرق ، التى وجدها القائد الإنجليزى فى ساحة كررى اليوم الثانى للمعركة ، تبحث عن جثته لتواريها الثرى ، هذه المرأة الصامدة بعد أن قدمت إبنها شهيدا وهى تحمله للمقابر لدفنه ضربوهم بالبمبان ، قالت أم هزاع مستنكرة ( عايزنى أجدع ولدى ميت و أجرى يعنى ) ، تحولت إلى مناضلة شرسة ، من أجل الكرامة والحقوق ، تجدها أمامك فى كل الملمات الوطنية آخرها موكب الثلاثاء والإربعاء الماضى ، هناك تحول عميق فى الشارع السودانى ، متحفز لمعارك إستعادة العزة والكرامة ، التى أذلتها حكومة ما يسمى بالحركة الإسلامية ، مستلهمة الروح والعزة التى غرستها تضحيات كررى . *الحبيب محمد صالح المجذوب ، نستنهض له من كررى، روح الأمير أبراهيم الخليل ، قائد سلاح الكارا ( السيف الأكل بيتا )، الأمير أبراهيم أول أمير إستشهد فى كررى ، حيث هجم على رأس قواته نحوالمربع الإنجليزى على الشاطئ ، فى ظل تدافع الخيل سقط من جواده المدرب، الذى توقف مجرد سقوطه ، فأعاد إمتطاءه، وأصيب بأربعة رصاصات فى الصدر والرأس ، وهو الأمير الوحيد الذى أعيد لمؤخرة القوات ، وتم دفنه أثناء المعركة، محمد صالح المجذوب قال الرواه، الذين حضرو المشهد ، أن الكجر إلتفوا حوله بالخراطيم السوداء، ضربا فى كل الجسم ، لم يتحرك إطلاقاً ، حنى أقلق صبرهم ، فرفعوه فى العربة إلى المعتقل إلى اليوم، كتب صديقه زروق العوض قائلاً ( صالح والثبات والله ما بنفرقوا إتحدى الكجر البعصيهم يُضربوا أعزل من سلاح إلا اليقين فى قلبوا ). *ختامة البطولة والاسطورة لاتنقضى ، ولولا الإطالة لكتبت ، عن سارا السارة ، ود.إبراهيم الأمين ، والاستاذ محمد عبدالله الدومة ، وعمنا المقبول رئيس حزب الأمة بشرق دارفور ، البركة والمكارم ما بترقد قبور ، كررى أخلد ذكرى فى اليكون والكان ، السودان الفكرة والسلاح إيمان ، شعبنا مصصم على اكمال المواجهة ، وإسقاط حكم الطاغية ، وإستعادة الحرية والعزة والكرامة الموروثة ، من وقفة كررى ، كما قال الشاعر حميد رحمه الله ( ما بنفعكم إلا ضُراعكم حكم العسكر ما بتشكر كلو بهادل كلو درادر ).