قالت العرب: شر البلية ما يضحك، وكان يوم الأحد الماضي يوما مفتوحًا للضحك، وقد استمتعت ولا أزال استمتع بردود الأفعال من قرار عمر البشير بإعادة مدير أمنه السابق "صلاح قوش" إلى منصبه، نفس الشخص الذي سجنه ونكل به قبل خمس أعوام واتهمه بالتآمر ومحاولة الإنقلاب عليه، فبدا المشهد عبثيًا وساخرًا: من البشير ومن "قوش"، ومن النائحات المستأجرات، فالأول يعيد إكتشاف العجلة، والعجلة المهترئة تهتز، والنائحات المستأجرات يرددن صفاتها وميزاتها، فجاء الأداء برمته مثيرًا للضحك والشفقة في آن، وكأننا أمام حلقة "زار" أو جلسة لتحضير الأرواح! تابعت ردود الأفعال على القرار، بمواقع التواصل الاجتماعي، ومن واجبي أن أشارككم أفراحهم المحزنة، إذ إنه ليس هناك أسوأ من أن تصل الخيانة في أوساطهم إلى هذه الحدود الدنيئة، حد إنعدام الثقة فيما بينهم إلى درجة أن رئيسهم لا يجد من يثق به إلا خائن الأمس، وبدوره يقوم "خائن الأمس" بالتنازل طوعاً عن كرامته ويفرح بثقة من أذله ونكّل به ومنعه من أبسط حقوقه، ولا نملك سوى الأسى على حال هذه الكائنات المشوهة المجردة من أي فضيلة، حتى فضيلة الستر، فمن إبتلى يستتر! ومن ضمن ما قرأت وشاهدت في رصدي لردود الأفعال، فيديو أرسله لي صديق، يبدو فيه مدير الأمن "الجديد القديم" وهو يرقص على نسق رئيسه، ومن حوله نائحات ونائحين مستأجرين يصرخون بلا هدي، بينما يأتي نواح نساء ورجال في خلفية المشهد، كان الأداء خليطا من المشاعر العاطفية الفوضوية، لدرجة أن تلبستني هذه الحالة أنا المشاهد الباحث، فظننت لوهلة أن الرجل فقد عزيز لديه، لكن سرعان ما زال هذا الظن حين سمعت أصوات زغاريد تصم الآذان، فقلت لنفسي: لابد أن الرجل يحتفل بختان أحد أنجاله، قبل أن تنتقل الكاميرا في جولة بالمنزل الفخيم، لنغادر الحديقة الواسعة وتدخلنا إلى الصالون الفسيح، والذي يبدو أنه ذات الصالون الذي استضاف فيه "قوش" ضيفه الصحفي المنتفخ، فجلسا وحدهما "لا ثالث لهما"، أو كما كتب، على نحو جعل من نفسه أضحوكة على "فيسبوك" وباقي المواقع المسموحة منها والمحجوبة! في الواقع لست مشغولًا بقرار عزل "عطا" وتعيين "قوش"، فليس أسوأ من ذاك إلا هذا، والعكس، وإذا كان السلف قتل المئات في هبة سبتمبر، فان الخلف قتل مئات الآلاف في دارفور، ومن الأساس فأن البشير لم يدير البلاد بمؤسسية في أي يوم من الأيام حتى يمكننا أن نصف قرار تعيين "قوش" بالنكوص، فالبشير الذي حول البلاد بطولها وعرضها إلى ثكنة عسكرية يتنافس فيها الجيش النظامي مع المليشيات، أصبح يخشى ثكنته التي بناها بنفسه، يريد تحريك القوة الثالثة الموازية للأخرتين، والتي جمدها السالف "عطا" بتقربه من الجيش عن طريق "بكري"، فأتى ب"قوش" لتفعيلها، فالرجل في مرحلة يأس بالغ، لا يهمه فيها الثقة وإنما قوة الجرعة، لقد صار كمدمن الكوكايين لا يهدأ باله إلا بزيادة الجرعة، وغالباً ما تأتي نهايته بجرعة زائدة، يحقنها له أحد رفقاء السوء .. وليس هناك أسوأ من "قوش"!