أعتقد -ليس جازماً- أن الخلاف الذي نشب داخل البرلمان حول ثلاثة قروض ربوية حصلت عليها الحكومة لتمويل إنشاء بعض المشروعات وانقسم بسببها النواب إلى فريقين، فريق ينادي بقبولها على علاتها للضرورة، وفريق يتشدد في رفضها، اعتقد أن حسم هذا الخلاف يحتاج إلى حكمة و«بصارة» بورشيا النصرانية في الرواية الشهيرة «تاجر البندقية» للكاتب الانجليزي الاشهر وليام شكسبير الذي يصر البعض جادين وليس هازلين أنه عربي واسمه الحقيقي «شيخ الزبير» ومن هؤلاء مفكر ليبي يدعي خشيم، وتقول الحبكة المسرحية التي أبرزت حنكة الحسناء بورشيا أن تاجراً شاباً كان يحتاج لبعض المال من أجل مساعدة صديقه الحميم جداً بسانيو الذي كان يتأهب للزواج من حبيبته وخطيبته بورشيا الجميلة الذكية، كان انطونيو يأمل في عائد مادي تعود به عليه إحدى قوافله التجارية قبل أن يأزف موعد زفاف صديقه الحميم، ولكن خاب أمله فالموعد قد أزف والقافلة لم تعد فاضطر تحت ضغط الحاجة والحاح المناسبة أن يقترض حاجته من المال من شيلوك التاجر اليهودي المرابي رغم الشرط الجزائي المفزع وهو أخذ رطل من لحم أنطونيو إذا تأخر عن السداد في الموعد المتفق عليه، وكان أن تأخر انطونيو عن السداد وكادت المحكمة أن تقضي للمرابي اليهودي برطل اللحم لولا دخول بورشيا المفاجئ إلى قاعة المحكمة وهي متنكرة في روب محامي والقت مرافعة رفيعة خلاصتها أن من حق اليهودي أن يأخذ رطل اللحم ولكن ليس من حقه أبداً أن يريق نقطة واحدة من دم انطونيو وإلا سيكون قد إرتكب جريمة، وهنا أُسقط في يد اليهودي فتراجع عن شرطه الجزائي وسلم فخذ انطونيو من القطع… يبدو لي والله أعلم ومن قال الله أعلم فقد أفتى، أن المالية والبرلمان يحتاجان لمثل هذه «الدبارة والبصارة» التي أنقذت فخذ انطونيو من القطع، فهم كذلك يحتاجون إلى حل لا ينتقص من دين أحد وفي الوقت نفسه لا ينقض إتفاقية القروض، ولن يعدم الفقهاء الذين أباحوا صيغة المرابحة في البنوك السودانية وقالوا عنها أنها لا شرقية ولا غربية اسلامية مية المية رغم أن نسبة المرابحة تفوق كثيراً نسبة فوائد القروض الربوية لن يعدموا ما يحلل و«يؤسلم» هذه القروض ويجعلها حلالاً بلالاً بلا أدنى شبهة، ومن كرامات صيغة المرابحة الاسلامية وسرها الباتع أن كثيراً من البنوك غير الاسلامية في آسيا وغيرها قد ركلت «الربا» وتكالبت على «المرابحة»… ولكن رغم الحساسية الدينية التي تكتنف مثل هذا الجدل الذي يتصل بما أحلّه الله وما حرّمه، إلا أن الذي أهمني أكثر هو ليس هذه القروض المختلف على جواز قبولها أو رفضها، وإنما هو تلك القروض السابقة التي ما انفكت حكوماتنا الوطنية منذ فجر الاستقلال وإلى ما قبل هذا الجدال تدخلها إلى خزانتها، ما حكمها وهل يعني ذلك أن الشعب السوداني قد «تربّى بالربا» فما من مشروع تنمية قائم بالبلاد من لدن أول حكومة وطنية وحتى سد مروي إلا ودخل في بنيانه قرض ربوي، ثم ما هي حكاية مؤسسات التمويل الاسلامية التي تتعامل معنا بالربا هل تريد أن «تقرضنا» بقروضها هذه ام أننا إسلاميون أكثر من غيرنا أم أن الاسلام «خشم بيوت»، لا نقول بهذا ولا نفتي بذاك فقط اتقوا الله في دينه وفي هذا الشعب…