مسرحية تاجر البندقية هي إحدى المسرحيات الأشهر للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير المحايد تماما في أعماله المسرحية وهذا سبب عظمته ، ومعاداة من قبل التوجه الرسمي لليهود بسبب شخصية شايلوك اليهودي التاجر المرابي ، وقد قمت بتدريسها لطلاب مختارين بعناية فائقة من جامعة الخرطوم وجامعة القاهرة فرع الخرطوم و بمعهد الموسيقى والمسرح في سبعينات القرن الماضي ، كما قام أستاذي الشاعر الكبير مبارك حسن خليفة بإعدادها مسرحيا بعنوان " شايلوك " وأخرجها الراحل المقيم عوض محمد عوض للمسرح القومي بأم درمان أيضا في سبعينات القرن الماضي ، وقام صديقي الممثل البارع الهادي الصديق بدور شايلوك وإن نسيت فلن أنسى تفاعل الجمهور السوداني ال " ذكي " جدا مع أنطونيو . تقوم حبكة هذه المسرحية حول تاجر شاب من إيطاليا يدعى أنطونيو، ينتظر مراكبه لتأتي إليه بمال، لكنه يحتاج للمال من أجل صديقه بسانيو الذي يحبه كثيراً لأن بسانيو يريد أن يتزوج من بورشيا بنت دوق (بالمونت)الذكية، فيضطر أنطونيو للاقتراض من التاجر المرابي شايلوك الذي يشترط عليه أخذ رطل من لحمه إذا تأخر عن سداد القرض ، لاحظوا هنا علاقة الصداقة بين أنطونيو وبسانيو ، حيث الصداقة اليوم أصبحت " نشاز " وإن قمت بفعل يشبه ما فعله أنطونيو فأنت غبي! وصديقي قالها لي صراحة " البلد دي قروش " سامحك الله يا صديقي وسامح الآخرين . بورشيا كانت قد رأت بسانيو الذي زار أباها عندما كان حيا ، ويتأخر أنطونيو في تسديد القرض ، فيطالب شايلوك برطل من اللحم، ويجره إلى المحكمة، ويكاد ينجح في قطع رطل من لحمه لولا مرافعة بورشيا التي تنكرت في شكل محامٍ واشترطت على اليهودي أن يأخذ رطلا من اللحم دون أن يهدر نقطة واحدة من دماء انطونيو والا يسجن ، فعجز اليهودي وتراجع وحكم القاضي ببراءة أنطونيو . الخيط الرئيسي في المسرحية هي نزعة الشرلدى شايلوك ، ولكن هناك بعض الخيوط الهامة مثل كيفية مكافحة الشروهزيمة " الثعلب المكار " والحب والثروة، والعزلة، والرغبة في الانتقام ، ومن الواضح جدا لي ولكثير من النقاد الصادقين أنها مسرحية رمزية تصلح لكل ألأمكنة ولكل ألأزمنة . أنتجت هذه المسرحية مرات كثيرة، بل كان للسينما منها نصيب عندما شاهدت الفيلم الرائع تاجر البندقية من بطولة آل باتشينو ، وهو الفيلم الذي سيظل عالقا بذهني أبد الدهر ، وأقول لكم صراحة أن ثقافتي نابعة أساسا من المسرح والسينما ، وهي ثقافة " فاهمة " ولكنها ساخرة ولاذعة جدا . المسرح رسالة إنسانية أذكر جيدا أنني طلبت من طلابي أن يكتبوا قصة درامية مستوحاة من فكرة المسرحية وامهلتهم أسبوعا لذلك ، لفتت إنتباهي قصة كتبها الراحل المقيم عبد العزيز العميري – ليست معي نسخة منها الآن – ولكني أتذكر مضمونها : وعلى ما أذكر يبدأ العميري قصته بالقول : كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان مزارع فلسطيني اسمه محمد ، إنسان بسيط يعيش في القدسالمحتلة ، إقترض مبلغا كبيرا من المال من رجل اسمه كوهين ثري في السبعين من عمره وقبيح جدا ، ولكن العجوز الثري قبيح الشكل أراد أن يتزوج زينب بنت المزارع الفلسطيني محمد ذات ال 20 عاما ، وقال للمزارع البسيط أنه سيعفيه من القرض إذا زوجه بنته ، كان الطلب قاسيا على المزارع وعلى الفتاة أيضا ، فرفض المزارع العرض بإباء وشموخ ، ولكن الثعلب العجوز المكار تقدم بإقتراح آخر ، أن يضع حصاتين واحدة سوداء واخرى بيضاء في كيس النقود ، وعلى زينب إلتقاط أحد الحصاتين وفق شروط : · إذا إلتقطت زينب الحصاة السوداء تصبح زوجته ويتنازل هو عن القرض . · إذا إلتقطت زينب الحصاة البيضاء لا يكون هناك زواج و أيضا يتنازل عن القرض . · أما إذا رفضت إلتقاط أي حصاة ستكون العقوبة سجن محمد الفلسطيني سجنا مؤبدا . وما حدث أن الثعلب العجوز المكار وضع حصاتين سوداوين في الكيس ولكن زينب شاهدت ذلك . زينب كانت ذكية جدا لم تفضح الثعلب العجوز المكار ، بل أدخلت يدها والتقطت الحصاة وطبعا بالضرورة ستكون سوداء ، ولكنها رمت بنفسها في كمية من الحصى الذي كان موجودا بالقرب منهم وأسقطت الحصاة من يدها وبذلك لا يمكن الجزم بلون الحصاة التي إلتقطتها ، ولكنها قالت لهم : ما مشكلة دعونا نرى الحصاة المتبقية فإذا كانت سوداء معنى ذلك أني إلتقطت الحصاة البيضاء ، وبالطبع الثعلب العجوز المكار لن يفضح نفسه . وهكذا خسر كوهين وأنقذت زينب والدها وأنقذت نفسها من الثعلب العجوز المكار . تذكرت مسرحية تاجر البندقية وتذكرت قصة العميري بينما كنت أشاهد لقطات من الفيلم البذيء المسيء للرسول " صلعم " خاتم أولي العزم من الرسل ، والمسمى " براءة المسلمين " وهي أتفه لقطات أشاهدها في حياتي ، ولا علاقة لها إطلاقا بفن السينما ، فتعجبت هل هذه سينما ؟ بالطبع المخرج اليهودي أراد أن يخرج فيلما سينمائيا فأخرج شيئا من قفاه .. وهذه هي مصيبة السينما عندما تكون تافهة وقذرة .