دعا الدكتور محمد مورو – مفكر مصري إسلامي معروف ورئيس تحرير مجلة المختار الإسلامي ومرشح لرئاسة الجمهورية المصرية – في برنامجه الانتخابي المنشور بمجلة المختار العدد (346) بتاريخ 13 مايو ، دعا إلى (توحيد مصر والسودان ، باعتبار ان ذلك واجب ، وان مصر بدون السودان دولة ناقصة المقومات والسودان بدون مصر دولة بلا مقومات) . ولم يتضمن برنامج مورو عن الوحدة مع السودان التي يرى بأنها ( دولة بلا مقومات !!) ، أي حديث عن مجرد سؤال الشعب السوداني عن رأيه في هذه الوحدة ، مما يشير الى ان ( الوحدة) المعنية وحدة لا تشترط ولا تتطلب موافقة الشعب السوداني ، وهي وحدة معروفة في التاريخ المصري السوداني ، كاستعادة (حقوق الفتح ) في السودان ! ولا يزال ذلك التاريخ الذي كلف السودان نهب (الذهب ) و(الرجال) ، أو بالدقة كلف استرقاق ما لا يقل عن أربعة مليون سوداني في حملة محمد علي باشا للبحث عن (الرجال) في السودان . وسبق ونشر محمد مورو مقالاً في صحيفة الشعب بتاريخ 29 ابريل 2010م ، يدعو فيه الى ذات دعواه مقدماً المبررات والدفوع التي تجعل أمريكا تقبل بإعادة استعمار السودان (.. المحصلة أن القوى التقليدية في السودان قد باتت ضعيفة جدًّا (الأمة والاتحادي)، وأن شمال السودان أصبح يسيطر عليه بالفعل رسميًّا وشعبيًّا البشير وحزبه، وهو أمر لا نغضب منه أو نرضى به، المهم أن ذلك يحقق استقرار السودان. ولكن المشكلة أن هذا الأمر مرتبط بشخص البشير، ومن ثم فإذا سقط البشير لسبب أو آخر، أو ضعف حزب المؤتمر الوطني المعتمد على إقناع الجماهير، وليس على علاقة تقليدية مستمرة مهما كان الأمر، لكان معنى ذلك سقوط السودان في الفراغ، وهو أمر خطر على مصر وخطر على أمريكا أيضًا. وهكذا فيجب على مصر أن تسعى لعرض وتنفيذ الوحدة مع السودان؛ لأن ذلك ضمان لاستقرار السودان ومصلحة لأمن مصر القومي، وهو أمر طبيعي تاريخي وجغرافي وثقافي، ولن تعترض عليه أمريكا الآن؛ حفاظًا على مصالحها، وخوفًا من اندلاع الفوضى في السودان واليمن والصومال وغيرهم، فتصبح مرتعًا للإرهاب. إذا لم تستغل كل من مصر والسودان هذه الفرصة السانحة، فإن البدائل مرعبة للجميع، فكروا في الأمر مليًّا أيها السادة، ولا تكونوا عاجزين عن الخيال المبدع والخطوات التاريخية ) . ومحمد مورو ليس إسلاميا ساذجاً ، وإنما إسلامي جاد ، له حوالي( 100) كتاب في مختلف القضايا الإسلامية ، وكتب في عدد كبير من الصحف المصرية والعربية والدولية ما بين عمود يومي ومقال أسبوعي ودراسات وأبحاث ، و ترجمت بعض كتبه إلى عدد من اللغات مثل التركية ، الإنجليزية ، الفرنسية و الأردية . وتعبر دعوة مورو عن تيار رئيسي في النخبة والمؤسسات المصرية ، خصوصاً وسط التيار الإسلامي ، وربما يتفاوت أسلوب التعبير والنبرة ولكن تظل الدعوة في جوهرها كما هي . وكمثال ، الشيخ محمد الزغبي – أشهر وأهم دعاة السلفية في مصر ، له محاضرة مشهورة ومنتشرة وسط التيار السلفي ، يقول فيها انه سافر إلى السودان ووجد ( … من يدخل المسيحية كل يوم في السودان أكثر من مائة شخص والسودان موقع استراتيجي بالنسبة لمصر … وأخاف إذا استمر هذا الوضع في السودان خلال عامين فقط لن يكون هناك مسلم واحد ) !! – روز اليوسف 14 مايو 2011م – . إذن فالحل الوحيد للدفاع عن الإسلام في السودان (!) بموقعه (الاستراتيجي) ! هو وصاية الأشقاء الأكابر من سلفيي مصر القادرين وحدهم على صد الموجة الصليبية !! وأما لدى مرشد الأخوان المسلمين محمد بديع ، فالسودان حالياً ( كرت انتخابي) ، يمني الشعب المصري بانه يضمن لهم أراضي السودان التي تؤمن لهم القمح ، بحكم وجود (الأخوان) في السلطة في السودان ، فإذا انتصر الاخوان في الانتخابات ببطاقة الوعد ب ( أرض الميعاد) ، فان الخلافة الإسلامية المتوقعة بين الاخوان المصريين والسودانيين ، مثلها مثل التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ، هي في النهاية خلافة مصرية تحت لافتة اسلامية ! وفي هذا السياق قال محمد بديع في خطابه بمسجد عصر الإسلام بالاسكندرية 29 مارس ( … إن البشير رئيس السودان اخبره انه طلب من مبارك زراعة القمح في السودان فرفض وقاله له أمريكا تزعل مني ، وأضاف بديع إن البشير طلب زراعة القمح حتى لا تستورد مصر القمح من أمريكا وأيضا لفتح مجال استثمار في السودان إلا انه رفض…) . وتلقى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين دعوةً من عمر حسن البشير لزيارة الخرطوم، وهي الدعوة التي سلَّمها له الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني في زيارته يوم 21 مايو للمركز العام للإخوان المسلمين مع الفريق أول ركن عبد الرحمن سر الختم سفير السودان بالقاهرة. ومما يشير إلى خطورة مثل هذه الدعوات ، خصوصاً حين تصدر من التيار الاسلاموي المصري ، ارتباطها بفكرة الغزو الجهادوي – أي فرض تصوراتهم بالعنف – . حيث دعا الشيخ أبو اسحق الجويني في تسجيل صوتي متداول على صفحات الفيسبوك إلى عودة نظام الغزو واتخاذ الرقيق والجواري والسبايا !! وقال( أظلنا زمان الجهاد، والجهاد فى سبيل الله متعة، متسائلا: “هو الفقر اللى إحنا فيه ده مش بسبب تركنا للجهاد؟ مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة ولا اتنين ولا تلاتة مش كان هيسلم ناس كتير فى الأرض” معتبرا أن الجهاد وما يعقبه من حصول المجاهدين على المغانم والسبايا هو الحل للخروج من الأزمة”، وعدد الشيخ مزايا الجهاد الاقتصادية قائلا: “كل واحد كان هيرجع من الغزوة جايب معاه “يقصد أسرى” تلات أربع أشحطة وتلات أربع “نسوان” وتلات أربع ولاد، اضرب كل رأس فى ستميت درهم ولا ستميت دينار يطلع بمالية كويسة”. وفضل الشيخ الجويني طريقة الغزو والغنائم المالية والبشرية على التجارة والصناعة وعقد الصفقات ، مضيفا : ( واللى يرفض هذه الدعوة نقاتله ونخدوا أسير وناخد أموالهم ونساءهم وكل دى عبارة عن فلوس)!!! . وغض النظر عن الصورة الكاريكاتورية البائسة التي يقدمها الشيخ الجويني ، إلا ان فكرة إعادة ( استعمار) السودان، فكرة حية لدى النخبة والمؤسسات المصرية ، ولا يزال الكثير من المثقفين والسياسيين المصريين يتبنون ويروجون الفكرة الصهيونية عن السودان كأرض بلا شعب ! وعلى كل ، فان عصر الغزوات الاستعمارية انتهى ، وأكبر مؤامرة على الشعب المصري زجه في مغامرة بالسودان ، تستنزف دماءه وموارده ، وفي المقابل فان من مصلحة الشعبين السوداني والمصري تأسيس علاقة تكامل تنبني على النزاهة والندية وعلى تحقيق المصالح المشتركة للشعبين معاً . وفي غياب مثل هذه العلاقة فان الشعب السوداني قادر على مقاومة المخططات الاستعمارية مهما اتخذت من أغطية وشعارات .