…… 19 يونيو 2011م ……قبل أسبوعين احتلت القوات المسلحة السودانية مدينة أبيى . وفى نفس اليوم، أمر الرئيس البشير بحل الإدارة المحلية لأبيى وعزل رئيسها .وبهذه الإجراءات انتهك نظام البشير مرة أخرى اتفاقاته مع المجتمع الدولي واتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية . وقادت هذه الاتفاقية إلى استفتاء تقرير المصير في يناير ، الذي صوت فيه الجنوبيون بالإجماع تقريباً لانفصال الجنوب . وبحسب الاتفاقية فان ابيى يجب أن تمنح استفتاءها الخاص بها ، حيث يقرر السكان في المنطقة ، الانضمام للجنوب أو الشمال. وسكان ابيى من قبائل تعتبر من الجنوبيين. وكانت تعيش على الخط الامامى للجبهة أثناء الحرب بين الشمال والجنوب . وتتعرض المنطقة لهجمات المليشيات العربية التي كانت تحرق المنازل والناس بداخلها . وتسرق المواشي وتختطف الأطفال لاستخدامهم كرقيق . واحتلت المنطقة لفترة طويلة بالقوات المسلحة السودانية التي عرضت المواطنين لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان . وحكى لي احد مواطني أبيى ، ان احد الضباط تضايق من أصوات الضفادع في أمسية من الأمسيات ، فأمر السكان بقتل جميع الضفادع . واخذ المواطنين إلى النهر للبحث عن الضفادع وكل من لم يجد ضفادع كافيه تم قتله . وفى عام 2005 وقع الطرفان اتفاقية السلام التي منحت أبيى وضعا خاصا .وبدا المواطنون فى الرجوع للمنطقة لإعادة بناء حياتهم . وتم تعيين لجنة من الخبراء لتحدد حدود منطقة ابيى ، ولكن الرئيس البشير رفض تقرير اللجنة رغم ان اتفاقية السلام تنص بوضوح على ضرورة ان يلتزم الطرفان بتوصية اللجنة . وفى عام 2008 وقعت اشتباكات في أبيى ورفعت القضية إلى محكمة التحكيم الدائمة ، والتي قررت حول حدود المنطقة . ولكن مليشيات محلية مدعومة من نظام البشير منعت الفريق المرسل من المحكمة لتحديد الحدود على الأرض . وهكذا تجاهل الرئيس حكم المحكمة ، رغم قبوله علنا . وكان من المفترض قيام استفتاء ابيى في يناير 2011 ، بالتزامن مع استفتاء الجنوب . وبينما كانت تجرى الاستعدادات لتنظيم استفتاء الجنوب ، خرب نظام البشير مفاوضات التحضير لاستفتاء ابيى وكانت نتيجة الاستفتاء واضحة ، فمع غالبية السكان من الجنوبيين كانت ابيى ستختار الانضمام للجنوب . وبالمماطلة في تشكيل لجنة الاستفتاء والاتفاق على قوائم المصوتين أجهض النظام تنظيم الاستفتاء في مواعيده فى ابيى . وفى ذات الوقت ،حشدت القوات المسلحة قواتها شمال ابيى ،الأمر الذي تفرج عليه المجتمع الدولي فى صمت . ومنع المراقبون من الأممالمتحدة الذين يسمح تفويضهم بمراقبة تحرك القوات منعوا من دخول المناطق التي يجرى فيها حشد القوات المسلحة . وفى عدة مرات تم تهديد المراقبين الدوليين بواسطة المليشيات المحلية . وتحتل حكومة البشير أبيى الآن ، وأخطرت قوات حفظ السلام الدولية بعدم تجديد تفويضها بعد نهاية اتفاقية السلام في يوليو . وسبق للبشير فى عام 2006 ان أساء وأذل المجتمع الدولي بطرده ممثل الأمين العام للأمم المتحدة فى السودان السيد / يان برونك لانتقاداته المستمرة لانتهاكات حقوق الإنسان في دارفور . وكان من المفترض ان تراقب الأممالمتحدة تنفيذ اتفاقية السلام، ولكن البشير بطرده الممثل الأعلى للأمم المتحدة ، أوضح انه لا يهتم بالاتفاقيات الدولية. ومنذ 2006 لم يكتفى البشير بانتهاك اتفاقية ابيى ، وإنما قصف القرى في دارفور ، وقتل المدنيين . وتسلم السلطة لدورة جديدة بتزوير الانتخابات . وتجاهل مذكرة اعتقال المحكمة الجنائية الدولية . وعذب الصحفيين والنشطاء والمعارضين. وبينما ظلت الولاياتالمتحدة تنتقد النظام في العلن ، لم تقرن ذلك باية عواقب فعلية لما يرتكب النظام من انتهاكات للاتفاقيات الدولية .والضغوط الأوربية الدبلوماسية ضعيفة وغير منسقة. وفى الأثناء أعطى غياب ردود الفعل الدولية البشير الإحساس بان لديه حصانة ،ومرة أخرى ،فان احتلال ابيى لم يرتب أي مشاكل للبشير . وليس من توقيت أفضل من الآن لزيادة الضغوط الدولية عليه ، فلم يعد يتمتع بتأييد الشعب السوداني بسبب تقسيمه للبلاد ، وضعفت مواقعه داخل الحزب الحاكم . وإذ رأى انهيار النظم الشبيه بنظامه في العالم العربي ، فقد بدا الهجوم على المعارضة . واجتياح أبيى يعبر عن بدء تشغيله لماكينة الحرب ، وعلى المجتمع الدولي إيقافه قبل أن تتحرك .