ماذا قالت قيادة "الفرقة ال3 مشاة" – شندي بعد حادثة المسيرات؟    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار (الرأي العام) مع الأستاذ ياسر عرمان : لن اتراجع خوفاً من الاغتيال
نشر في حريات يوم 11 - 07 - 2011

مع عرمان.. حصاد الحركة الشعبية (1) لم نستغفل أحداً في إتفاق أديس ود. نافع ما كان سيوقع لولا هذا الأمر ……
حاوره: فتح الرحمن شبارقة تصوير: إبراهيم حامد
………
* إبتداءً.. سيكون غريباً نوعاً ما للبعض إذا عرفوا أننى أٌجرى معك هذا الحوار في مكتبك هنا بالخرطوم، ألست مطلوباً للعدالة على خلفية الأحداث بجنوب كردفان؟
- أعتبر الحديث عن أنني مطلوب للعدالة جزء من المماحكات السياسية، ولكن ما نقوله إن شمال السودان يجب أن يبدأ بداية جديدة، وشمال السودان لديه تاريخ من عدم الاستقرار السياسي، ويجب أن نأخذ انفصال الجنوب كفرصة جديدة لترتيب أوراق البيت الشمالي، وأن يكون فرصة لإعادة ترتيب الكثير من القضايا التي تهم الشمال، وأن تكون بداية صحية، وأن نؤسس لبناء دولة وأن نغادر الطريق القديم الذي كلف الشمال كثيراً، وأن نحول كل كارثة إلى منفعة، وأن نقيم علاقات صحية مع الجنوب، والكثير من أبناء الحركة الشعبية في الشمال يمكن أن يكونوا نافعين في علاقات الشمال والجنوب.
* ألم يتم التحقيق معك؟
- أنا لست مطلوباً من أية جهة، ولم يتم التحقيق معي في أية قضية، وهذه مجرد مماحكات من قوى معروفة، قوى ذات دوافع ضيقة ولا تنظر بروية وبعقلانية لما يحتاجه الشمال، وهي قوى ذات أجندة ضيقة لم تخدم الشمال ولا تستطيع حتى خدمة أجندة المؤتمر الوطني، وهذه قوى موتورة تستثمر في الكراهية والفتن.
* دخولك إلى الخرطوم هل كان عبر صالة كبار الزوار بالمطار هذه المرة كذلك؟
- لا يهمني أن آتي عبر صالة كبار الزوار أو غيرها، صحيح أنني أتيت عبرها لكن لا أرى فرقاً بين وصولي عبر الصالة العادية أو من صالة كبار الزوار، فأنا شخص عادي انتمي للطبقات العادية في هذه البلاد.
* هناك من يرى أنكم نجحتم عبر اتفاق أديس الأخير في الضغط لجعل الحركة الشعبية في الشمال حزباً قانونياً ومعترفاً به؟
- أنا استغرب لهذا الحديث، والذين تفاوضنا معهم في أديس أناساً ذوي باع طويل في التفاوض، وهم الذين كانوا في الصفوف الأولى في المؤتمر الوطني حرباً وسلماً، وكانوا في الحركة الإسلامية حرباً وسلماً، ولا يستطيع أي أحد حتى بمقاييس الحركة الإسلامية نفسها أن يشكك في ولائهم، وهذه محاولة لنسف الاتفاق من قوى ضيقة الأفق وضيقة المصالح، ولا بديل لهذا الاتفاق لأن بدائل هذا الاتفاق هي حرب تمتد من النيل الأزرق إلى دارفور، وهذا لن يتيح للشمال أن يبني جمهورية جديدة ولا حتى أن يحافظ على أوضاعه الحالية، ونحن نريد أن نجنب بلادنا هذا الوضع وإرادتنا السياسية التقت مع الذين وقعوا هذا الاتفاق لتجنب الحرب والبحث عن فرص السلام وأن نستثمر في السلام، وهم أناس مجربون، ولهم تجربة طويلة، ولم يكن هناك أحد استغفل أحداً في هذا الاتفاق لكننا حاولنا صناعة فرصة جديدة للسلام والاستقرار وأن نأخذ كارثة جنوب كردفان إلى منفعة لكل الشمال، والشمال يحتاج إلى أجندة جديدة وهذه الأجندة لا يستطيع أن يرسمها المؤتمر الوطني وحده، أو الحركة الشعبية وحدها، ويجب أن تأتي من الجميع.
* هناك من يرى أنكم افتعلتم الأزمة في جنوب كردفان من أجل استدراج المؤتمر الوطني كي يوافق على ترتيبات سياسية جديدة للمنطقتين كان عقار يدعو إليها؟
- أنت تعلم الرسالة التي بعث بها رئيس هيئة الأركان الفريق عصمت إلى الفريق جيمس هوث، وطالب فيها بتجريد أسلحة الجيش الشعبي، وأنا أصدرت بياناً وقلت دعونا نلعن شرور أنفسنا ونحاول الاتفاق على ترتيبات جديدة، وأن الترتيبات القديمة مهما كانت سيئة لكنها ليست أسوأ من الحرب، واللواء بشير مكي بعث رسالة مباشرة للقوات المشتركة بجنوب كردفان وأمهلهم أسبوعاً لتسليم اسلحة الجيش الشعبي، ومن لا يسلم اسلحته يسافر للجنوب، فكيف يمكن إرسال ما يزيد عن أربعين ألفاً من أبناء الشمال إلى الجنوب؟، وعبد العزيز آدم الحلو إنسان رفيع ونعرفه معرفة جيدة، وتخرج في جامعة الخرطوم، وعمره الآن أكثر من خمسين عاماً وهو مهذب غاية التهذيب، وبدأ حياته موظفاً في الإدارة المركزية بعد أن تخرج، والحرب هي التي تقاطعت معه في الطريق، لكننا نترك من فعل ماذا، والموضوع الآن أننا نريد وقف الحرب وتحقيق السلام في جنوب كردفان، ونحن لا نستطيع إحياء القتلى لكننا نستطيع أن نمنع موت الأحياء، وهذا هو الهدف الذي يجب أن نستمر فيه، وهذه هي القضية الرئيسية، لكننا لم نكن سبباً في هذه الحرب، والحرب كانت نتيجة لمحاولة نزع سلاح الجيش الشعبي.
* ولكنكم بادرتم باطلاق الطلقة الأولى؟
- لا لم نبادر باطلاق الطلقة الأولى، وما يهمنا الآن ألا تكون الحركة الشعبية جزءاً من حرب في الشمال، وأن تكون صانعة للسلام وصانعة للعلاقات بين الجنوب والشمال وهذه هي الرسالة التي بحثناها مع الدكتور نافع.
* كيف تنظر إلى ردة الفعل على الاتفاق الذي وقعتموه مع د. نافع؟
- انا استغرب من الذين كانوا في مقدمة الصفوف للدفاع عن المؤتمر الوطني، هم الذين لم يفعلوا عُشر ما قدمه الذين تفاوضوا حتى بمقاييس المؤتمر الوطني. عمرو بن معد يكرب قال: (يا بني، إذا رأيت حرباً جبانها يتشجع، فأذهب خلف طابية وترقب فإن في الأمر خيانة)، وأنا استغرب لهؤلاء الناس، وهم أصحاب موقف معروف درجوا معه على الاستثمار في الكراهية، وعلى رغبة مريضة أن يصبحوا ذات يوم ولا تكون هناك حركة شعبية في الشمال، والانتماء للأحزاب حق دستوري لا يستطيع أي شخص أن يعطله، والشمال يستطيع أن يسع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي إن تطايبت النفوس، فالشمال أوسع من أن تحتكره مجموعة، ونحن نقول لهؤلاء الناس افسحوا بيننا وبين الشعب السوداني، ودعوا الشعب يحكم علينا، والأحزاب مثل السلع في الأسواق إذا لم تجد من يشتريها تموت، وإذا لم نجد أعضاء يدخلون في الحركة الشعبية ستموت الحركة موتاً طبيعياً، وليس بهذه (اللهوجة) والعبارات التي هي أقرب للفاشية.
* ما هو البديل لأن تكون الحركة الشعبية حزباً سياسياً؟
- لا يوجد بديل، هي ستكون حزباً سياسياً لأن هذه رغبة قوى ضخمة في المجتمع أن تكون هناك حركة شعبية، وقبل اليوم منعت الأحزاب وتم حلها لكن الأحزاب الآن موجودة، والصحيح ان تكون الحركة مثل كل القوى السياسية قوى وطنية تعمل لخير الشمال، ولا أعتقد أن أياً كان يستطيع أن يتجرأ أن يقول أننا عملاء لأية جهة كانت، ونحن سنسعى لتوحيد السودان من جديد شاء من شاء وأبى من أبى، وهناك من يشاركنا الرأي في المؤتمر الوطني على إمكانية توحيد السودان على أسس مختلفة من الأسس الحالية.
* إن كنتم قد فشلتم في الإبقاء على الوحدة وهي موجودة، فأنتم بالضروة أفشل على تحقيق وحدة أصعب بعد الإنفصال؟
- نحن لم نكن السبب، وأنت تعلم تاريخ السودان والملابسات التي دارت فيه، وهذا ليس الوقت المناسب كي نؤشر إلى أن السبب في الانفصال هذه الجهة أو تلك، هذا وقت للمصالحة والسلام وفتح صفحة جديدة، وأقول ان هتلر والمانيا احتلوا فرنسا، والآن أقوى العلاقات في أوروبا بين فرنسا وألمانيا، وهتلر قتل خمسين مليوناً من الأوروبيين والآن أوروبا دخلت في اتحاد بين دول مختلفة، وانا سعيد بان تسمى دولة الجنوب جمهورية السودان الجنوبي، والجنوبيون سودانيون ونحن في الشمال سودانين، وقد طُرِحت أسماء كثيرة لكننا ناضلنا -أنا ومعى آخرون- في سبيل أن يكون اسم السودان موجوداً، والجمهورية التي توجد جنوباً سودانية والجمهورية التي توجد شمالاً سودانية ولابد أن تأتي الجهة التي توحد ليس الجمهوريتين فقط بل الإقليم وأفريقيا.
* كيف ستكون علاقتكم مع دولة جنوب السودان؟
- الجنوبيون أهلنا ونحن أهلهم، ومهما حدث وما سيحدث سنتجاوز هذه الصفحة من التاريخ، وما حدث بين الجنوب والشمال أخطاء في مائتي عام مقابل سبعة آلاف سنة من التاريخ، وهناك (6800) عام من التاريخ الجيد، ويجب ألا تحكمنا المائتا عام الماضية في تاريخ العلاقات، ولابد أن نتجاوز هذا.
* وماذا بشأن علاقتكم مع الحركة الشعبية في الجنوب تحديداً؟
- علاقتنا ستكون مثل علاقة الإخوان المسلمين في مصر والسودان، ومثل علاقة أحزاب الخضر في أوروبا، فنحن قوة وطنية مستقلة، ورؤية د. جون قرنق رؤية جيدة للشمال والجنوب، والجنوب نفسه لن ينصلح أمره إلا بها، ود. جون قرنق كان نائباً للرئيس الحالي، ولذلك لا يمكن أن يُقذف به خارج التاريخ، والذين يحملون رؤية حسن البنا وميشيل عفلق يجب أن يحترموا رؤية د. جون قرنق.
* الآن إذا دخلت لمكتب أي من القيادات الإسلامية فلن أجد صورة حسن البنا، والآن أرى مكتبك ممتلئاً بصور قرنق وسلفا وغيره من الجنوبيين، هل ستزيل هذه الصور بعد التاسع من يوليو؟
- هناك ما سيزال ومنها ما لن يزول، هناك صور لقيادات حالية ستكون جزءاً من حكومة الجنوب وستزول، أما صور د. جون قرنق فستبقى في الشمال والجنوب وهو نقطة إلتقاء نادرة ونعتز بعلاقتنا مع قرنق اليوم وغداً.
* صورة سلفا كير هل ستكون موجودة؟
- لا، لأنه سيكون رئيس حكومة الجنوب.
* من الواضح أن العلاقة بين الإسلاميين في مصر والسودان أصبحت شبه منبتة الجذور، هل يمكن أن تصلوا لذات النهايات؟
- للشمال خصوصيته وللجنوب خصوصيته، وستكون هناك تطورات وأحداث متلاحقة، ستوسم الحركة الشعبية في الجنوب والشمال بطرق مختلفة، لكن رؤيتنا هي رؤية السودان الجديد ولن نتنازل عن ذلك ولن نخجل ولن نعتذر عن إنتمائنا لرؤية السودان الجديد فهي رؤية صحيحة الأمس واليوم، ولكن سنكون حركة مستقلة سياسياً وتنظيمياً ومالياً من الحركة السياسية في الجنوب ولن نقبل أي إملاءات ولن تكون هناك فرصة لأن نملي على الحركة الشعبية في الجنوب شيئاً أو أن تملي هي علينا، لكن لدينا رؤية مشتركة.
* هل تستطيعون تطبيق ما تتحدث عنه وأن تكونوا كما تقول؟
- نستطيع، واستطعنا أمس واليوم وحتى عندما كنا داخل الحركة الشعبية كنا أناساً مستقلين ذوي إرادة واضحة، وكلمة فاعلة ونافذة.
* من أين تأتون بالأموال؟
- ومن أين يأتي المؤتمر الوطني بالأموال؟
* الوطني حزب قديم وله إستثماراته وشركاته فيما يبدو؟
- والحركة الشعبية لها ثمانية وعشرون سنة في الغابة، وحينما كنا في الغابة كنا موجودين وخضنا تجربة معلومة، والقروش ليست هي المهمة والناس هم الأهم طالما، لديك مؤيدون وناس مستعدون أن يضحوا بأنفسهم وبمالهم.
* هل يمكن أن نعتبر ما تم في أديس بمثابة نيفاشا تو؟
- لا تهمني التسميات وما تم في أديس هو محاولة لصنع السلام في شمال السودان والبدائل ستكون حرباً شاملة، ويجب أن نبتعد عن داء الجنوب الجديد في الشمال، ويجب أن نبتعد عن داء الشمال الجديد في الجنوب، الجنوب إن لم يحسن تدبير أمره سينتقل إليه داء الحكومات القديمة في الشمال وعدم الإستقرار، وأقول لمن يتحدث عن الجمهورية الثانية كثيراً إن هذا هو إقتراح من د. جون قرنق عند توقيع اتفاقية السلام وهو الذي تكلم عن بناء جمهورية ثانية، ونحن نرحب ببناء الجمهورية الثانية ولكن أن تكون جمهورية جديدة نشارك فيها كلنا، ويسهم فيها المؤتمر الوطني وتسهم فيها كل القوى السياسية، لذلك لا يجب أن نبحث عن المصالحة والسلام وترتيبات جديدة يرضى عنها السودانيون.
* ما هي المكاسب التي حققتها الحركة الشعبية من الاتفاق إجمالاً؟
- المكسب الذي حققه السودان من الاتفاق وليس الحركة الشعبية، اقول ان المكسب الذي حققته الحركة هو أن تكون حركة تعمل في إطار الدستور، وتعمل عملاً سياسياً سلمياً، وهذا هو الخيار الاول والثاني والثالث، وإن لم نجد الخيارات الثلاثة فإن الخيار الرابع سيكون اضطرارنا لإستخدام وسائل أخرى ولا نريد ان نستخدم هذه الوسائل، وستكون هناك حرب، أسمعني جيداً ستكون هناك حرب من النيل الأزرق إلى دارفور، وهذه الحرب ستستهلك موارد دولة الشمال، وستكرر التجربة الماضية، ولا نريد ذلك ويجب أن نوقف هذه الحرب، وأن نعمل على حل قضية دارفور حتى يكون العمل في الشمال كله عملاً سلمياً ديمقراطياً، وهذا هو الذي ادى لتوقيع اتفاقية أديس أبابا لمنع الحرب والاتجاه نحو السلم.
* الإتفاق حتى الآن على إطار للحل وليس حلاً، ألا تخشى أن ينفض مفاوضو المؤتمر الوطني أيديهم من هذا الاتفاق تحت الضغط المتواصل عليهم؟
- اذا نفض المؤتمر الوطني يده من هذا الاتفاق فإن من يضطرون المؤتمر الوطني لهذا الأمر لن يخوضوا الحرب نيابة عنه. وهم مجموعة نعرفها واحداً واحداً وما كان لأي واحد منهم أن يكون في موقعه في هذه البلد إذا كانت هناك ديمقراطية.
* هناك معادلة صعبة التحقق في الاتفاق، فهو ينص على أن لا يقتلع السلاح بالقوة، في نفس الوقت ينص على أن يكون السلاح عند الجيش فقط؟
- هناك مكسب واضح من هذا الاتفاق، وشخص مثل الدكتور نافع ما كان ليوقع على هذا الاتفاق إلا بوصولنا إلى وجود جيش وطني واحد، وهذا الجيش الوطني عبر ترتيبات محددة سيكون الجيش الشعبي جزءاً منه، وهذا مكسب للسودان وأقول إن هذه الحملة ذات غرض، وحملة ذات بضاعة بائرة جربناها من قبل، وما تم في أديس أبابا كان صناعة للسلام وليس الحرب، والذين يريدون صناعة الحرب لن يذهبوا إلى الحرب بأنفسهم.
* بينما يقول البعض إن ياسر حصل على أكثر ما يتمناه في هذا الاتفاق، يقول آخرون إن لدى عرمان تحفظاً على الاتفاق؟
- الاتفاق هو تقاطع إرادات، وفيه جوانب تروق لنا، لكن حينما تصل للاتفاق فإنه ملك لك بما لم يرق لك، ومحاولات التبخيس ودق طبول الحرب هي محاولات سيخسر منها الشمال.
* هناك من يقول إن الحركة الشعبية ضمنت الجنوب وتركتكم أنتم الشماليون الذي ناضلتم فيها لحلحلة قضاياكم وحدكم؟
- نحن لم نذهب لاننا كنا هواة، أحياناً يقولون لنا إن الحركة استلمت الجنوب وتريد أن تستلم الشمال، وهذا غير صحيح، وأحياناً يقولون تركتنا لمصيرنا، ونحن أقدر على مصيرنا، ونحن إنضممنا للحركة كي نقرر مصيرنا ولا نطلب أن يقرر أحد مصيرنا نيابة عنا، وإن أصبحت الحركة في الشمال ضعيفة ولا تستحق الاحترام فإن الشعب السوداني سيهجرها، وإذا كانت حركة محترمة فإن الشعب السوداني سيدخل في صفوفها.
* إلى أي مدى يمكن أن تلتقوا مع الحكومة في قضية أبيي؟
- نحن الآن حركة شعبية في شمال السودان، إذهب إلى الحركة الشعبية في الجنوب واسألها عن موضوع أبيي.
* كأنك قطعت بجنوبيتها؟
- الذي يتفاوض الآن حول أبيي هو حكومة الجنوب والحركة في الجنوب، وهي التي تقدم لك الإجابات وأنا لم أكن جزءاً من التفاوض في أبيي وكنت جزءاً من التفاوض في الاتفاق الإطاري.
* كأنكم تريدون تقسيم السودان بالقطاعي سيد عرمان، فالجنوب إنفصل، والآن جنوب كردفان بها توترات والنيل الأزرق ربما..؟
- جمهورية السودان الجنوبي لن تكون موجودة دون الشمال، وفي الجنوب هناك شماليون وجنوبيون، وفي الشمال تقول الجغرافيا إن هناك جنوباً جديداً، والرزيقات والحمر والمسيرية هم جنوبيون الآن، والحوازمة والسليم وكنانة ورفاعة، وهم من القبائل العربية، وما نريد أن نقوله باختصار، في أديس أبابا قلت إنني في 14 أغسطس 1989م حضرت لقاءً مع محمد الأمين خليفة رئيس الوفد، وكان هناك المرحوم كمال علي مختار، وكانوا يقولون لا توجد مشكلة في السودان والمشكلة هي مشكلة الجنوب، وتم الآن بتر الجنوب، والآن يقولون لا توجد مشكلة في الخرطوم والمشكلة في المنطقتين، وهذا المنطق هو الذي يقسم السودان، والسودان الآن مثل (كيمان المرارة)، هذه جنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق ودارفور والسدود، لا نريد ذلك، ونريد أن نصنع صورة كبيرة، والمؤتمر الوطني يمكن أن يسهم في ذلك، كيف يتكون شمال السودان ككل دون أن نركز على دارفور لوحدها أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق، ويجب أن نأتي بتصور شامل، وهذا لا يخالف القرآن ولا السنة أو القياس أو الإجماع.
مع عرمان.. حصاد الحركة الشعبية (2) أنا مظلوم .. ولن أحمل إلا جنسية الشمال
* ألا تشعر بشيء من الندم، وأنك بحراكك الكثيف قد سهلت اختيار الجنوبيين للانفصال؟
- لو ولدتني أمي من جديد لوقفت مع قضايا الجنوبيين، وكل قوميات السودان في أن نبني دولة جديدة، وهذا الاتفاق الإطارى يتجاذبه تياران، تيار السلام وتيار الحرب، ومن أراد الحرب فليدعو لتمزيق هذا الاتفاق، ومن أراد السلام فليؤيد هذا الاتفاق لأن لا بديل له، هذا الاتفاق أتى بعد جهد مضنٍ ومن مصلحة كل القوى السياسية أن نمضي إلى صفحة جديدة، ولقد مرت (22) عاماً من حكم المؤتمر الوطني، وأمامه الآن طريقان، إما أن يقود التغيير، أو أن يصطدم مع قوى التغيير.
* اسم الحركة الشعبية، هل ستحتفظون به في الفترة القادمة؟
- لنكن واضحين، هناك تيارات داخل الحركة الشعبية تدعو لتغيير اسمها، وهناك تيارات تدعو للاحتفاظ بالاسم القديم، ونحن لا نريد أن نعمل تحت الضغط، وأن نقول تخلينا عن اسمنا أو لن نتخلي عنه ونكون ارتكبنا حماقة بعدم التخلى عنه نتيجة للضغط، نحن نريد ان نعطي جواً ديمقراطياً، وأن نعقد مؤتمرنا، وأن نختار بطريقة ديمقراطية الابقاء على الاسم أو تغييره.. فهل الذي يخدم الحركة تغيير اسمها؟، أم عدم تغييره؟، ونحن نحتاج لنقاش عقلاني، لذلك اقول ان محاولات القضاء على الحركة الشعبية لا تخدم شمال السودان.
* هل هناك سقف زمني لحسم هذه المسألة؟
- لولا نشوب الأحداث الأخيرة لكنا الآن على وشك عقد المؤتمر العام، وإذا وصلنا لاتفاق نهائي يوقف الحرب في جنوب كردفان فيمكن أن نعمل كحزب، ولدينا الآن فرص للعمل مثل المؤتمر الوطني وكافة القوى السياسية من أجل السودان، والشماليون يحتاجون ليجلسوا ويجاوبوا على سؤال كيفية حكم السودان، والمؤتمر الوطني لديه رؤية والآخرون لديهم رؤية ويجب أن نصل لمنصة انطلاق مشتركة حتى ينطلق السودان من جديد.
* قلت إن هناك تياراً مع تغيير اسم الحركة وهناك تيار مع الابقاء عليه، أين يقف ياسر عرمان من التيارين؟
- منذ زمن كان لدينا حوار مع د.جون قرنق أن الحركة يجب أن تخرج خارج إطارها المعتاد، وما زلت أدير هذه الحوارات مع قوى متعددة، وأنا لست سجيناً للمصطلحات، وأركز على المحتوى أكثر من الاسم، وكأمين عام للحركة لا أريد أن أطرح قضية قبل أن تطرح بطريقة رسمية في أجهزة الحركة الشعبية، واسهم تجاهها بطريقة ديمقراطية دون انفعالات أو ضغط، ولا أريد أن أقول لك انني مع تغيير الاسم حتى يرضى عني الراغبون في تغييره، ولا أن يكون هذا نتاجاً لرضى كذوب، فالبلدان العظيمة تبنى على الحقائق، وانا أريد أن اقول ما أؤمن به وأن اعتز ببلادي لانها تتيح لي حرية أن أقول ما أريده، وليس ان تبتزني لاقول ما لا أريده.
* يفهم من حديثك أنك غير متمسك بالاسم القديم؟
- لا يمكن أن أعمل تحت الضغط، ولا أريد أن أحصل على رضا لا يفيدني ولا يفيد السودان.
* عندما تتمسكون باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى بعد الإنفصال، سيكون من المهم سؤالك عن تحريره ممن؟
- ليس تحرير السودان (من منو)، بل تحرير السودان (من شنو)؟، فنحن نريد تحرير السودان من الفقر والمركزية القابضة وإيجاد علاقات متوازنة مع الأقاليم، والاعتراف بحق الآخرين في أن يكونوا آخرين، وأن نرجع لتراثنا وثقافاتنا.
صمت برهة ثم واصل:
- في أديس أبابا كنت أصحو واستمع لبرامج مختلفة، وأكثر برنامجين اثارا شجوني برنامج عند الفجر بثته الجزيرة عن ناجي العلي رسام الكاريكاتير الفسلطيني عالي الكعب، وبرنامج آخر في سير وأخبار للعالم ابن أهلنا عبد الله الطيب، وهو في لمحاته الذكية كان يتحدث عن حضارات السودان القديمة، وأن اللغة العربية توجد في الوسط ولا توجد في بلاد النوبة أو الغرب أو الجنوب أو الشرق، وتكلم أن هناك من يريد أن يحرم السودان من تاريخه الطويل، وتكلم كيف رأي الأهرامات في العشرينيات، وكيف ذهب إليها في الأربعينيات، ولله دره هذا العالم الكبير في هذه اللمحات الذكية التي تربط بين تاريخ السودان ومستقبله، فالسودان يحتاج إلى مصالحة بين مكوناته المختلفة.
* أية جنسية ستحملها بناتك؟
- هذا لا يهم. حسن ادريس، وهو عضو قيادي في اتحاد شباب المؤتمر الوطني وكثيرا ما يحاورنا، مرة كانت معي ابنتي وجعلتها تتحدث معه، وسألها هل أنت شمالية أم جنوبية؟ فقالت له: أنا سودانية. فقال لها: لكن هناك انفصالاً. فقالت له: هذا انفصال سياسي لكننا شعب واحد، لذلك هناك سودانيون يحملون وثائق سفر كندية وإنجليزية ولم ينقطع حبهم للسودان، وهناك من عاش كل عمره في انجلترا، وأنا نفسي حملت وثائق كثيرة لكن ظل قلبي وعقلي في هذه البلاد على الدوام.
* رغم الإطار الجميل الذي وضعت فيه الإجابة لكنه يعكس مأزق الجنسية لك ولبناتك؟
- لا يوجد أي مأزق، وأتمني أن يوجد أربعة ملايين من الجنوبيين في الشمال ومثلهم من الشماليين في الجنوب، وهذا الرابط عضوي بين الشمال والجنوب، وبناتي يشكلن ترابطاً عضوياً، بناتي تجري فيهن دماء الدينكا والجعليين والشايقية والحلاوين، والهويات في هذا العالم يمكن أن تتعدد، مثل أن يتزوج أبوك أكثر من امرأة، ويمكن أن يتحول هذا إلى كارثة ويمكن أن يتحول إلى منفعة، بأن تحولهم كسند إلى اسرتك.
* هل ستحمل الجنسية الجنوبية إذا كان بالإمكان أصلاً أن تحملها؟
- من حقي أن أحمل الجنسية الجنوبية لسببين، الأول أن لجنة الدستور في الجنوب ذكرت أن كل الذين كانوا أعضاء في الجيش الشعبي ستعطى لهم الجنسية، والسبب الثاني أن زوجتي من جنوب السودان لكن لن أحمل إلا جنسية شمال السودان، فأنا ولدت في شمال السودان وأعتز بعلاقاتي في الجنوب، لكنني سأحمل جنسية شمال السودان، وبالمناسبة أنا لا تهمني هذه الأسئلة ولا أحفل بها، وما هو الجواز، وأقول لك إن جون قرنق نفسه وأنا وآخرون اثناء الحرب حملنا جوازات غانا وناميبيا وغيرهما، والمبدع الكبير الطيب صالح قضى سنوات طويلة في بريطانيا لكنه رفض أن يحمل الجواز البريطاني مع أنه كان يستحقه من ثلاث زوايا مختلفة، وهذا ليس بجريمة، وأنا يمكن أن أحمل جواز جنوب السودان فما هي جريمتي في ذلك؟
* هل تحمل الآن جوازات سفر أخرى في جيوبك الخلفية؟
- لا يوجد لدى جواز أمريكي أو أوروبي ولم أحمل جوازاً من هذه البلدان، وقضية الجواز بالنسبة لي لا تمثل هاجساً، مجرد ورقة تعطي لأي شخص والانتماء الحقيقي لهذه البلد لا تشكله الجوازات، كم سنة أمضاها عثمان دقنة في سجون حلفا دون أن يعطى جوازاً، وعلي عبد اللطيف قبره الآن في مصر لكن انتماءه للسودان ولا يحتاج إلى وثيقة يمكن أن يحملها اي شخص حتى بالتزوير، كي يقول إنه منتمٍ للسودان.
* هل صحيح أن عرمان ظل يزرع بينما يجنى ثماره على الدوام آخرون في الجنوب وفي جبال النوبة وربما غداً النيل الأزرق؟
- تربيت أسرياً وسياسياً على ألا أهتم بالحصاد، وعندما جئنا بعد اتفاقية السلام عرضت على الوزارة خمس مرات، بما فيها أن أكون وزيراً للخارجية ووزيراً لمجلس الوزراء، ورفضت ذلك لأنني داعية من دعاة التغيير ولم تكن المكاسب الشخصية واحدة من مطالبي، واقول لك بصدق إنني سعيت بكل ما استطعت لمصلحة السودان، وحتى إن لم ننجح أو ارتكبنا أخطاء فإن نوايانا كانت طيبة تجاه هذا البلد، ونحن أتينا في زمن صعب وهناك قضايا لم نزرعها كلها، ووجدنا مزارع قديمة، وكانت هناك زراعة غير مستقرة في تواريخ بعيدة، وحاولنا أن نعمل من أجل توحيد بلادنا، ولم ننجح فيها الآن، لكن سنحاول من جديد أن يتوحد السودان، بل أن تتوحد إفريقيا وأن تقوم علاقات بينها والعالم العربي.
* هذا لا يتفق مع مجريات الأحداث التي تشير بأن العلاقة بين الشمال والجنوب مرشحة لأن تكون علاقة احتراب وتوتر؟
- سيمون بوليفار أراد أن يوحد وسط أمريكا اللاتينية، واستطاع أن يوحد بعض البلدان، والآن دعوته مطروحة بقوة في أمريكا اللاتينية، ونحن ننظر لهذا التاريخ الطويل والممتد ونحن لم نعش لنأكل فقط، لكننا ننظر إلى المستقبل، وهذه البلاد قامت فيها ممالك وحضارات، عمارة دنقس وعبد الله جماع زرعا وتم حصاد زراعتهما في دولة الفونج، وحسن البنا هو الذي أسس حركة الإخوان المسلمين ثم اغتيل، والآن وصل بعض الإسلاميين للسلطة وبعضهم لم يصل، ولا أعتقد أن حسن البنا كان يهتم بأن يحصد.
* بعد نضال طويل في الحركة الشعبية ما الذي حققه عرمان؟
- التصالح مع الذات، ومن خلال هذا العمل تعرفت على السودان وشعوبه وخلقت علاقات، والناس يحترمونني، واثبتنا عملياً أن الحرب ليست دينية وإنما قامت لتناقضات في المجتمع السوداني وكانت حرباً بين المركز والأقاليم.
* في المقابل ما الذي فشل فيه عرمان؟
- الفشل ملازم للحياة، ومن المؤكد أنني فشلت في أشياء كثيرة ونجحت في بعضها، وأنا غير مستعجل والتاريخ سينصفني، والتاريخ أنصف أناساً من قبلي.
* أن تعوّل على انصاف التاريخ، فكأنك تريد أن تقول إنك الآن مظلوم؟
- من فئات بعينها مظلوم، وتشن حملة جائرة من جهات عديدة، وأنا أتمنى أن يكون انفصال الجنوب فرصة للحوار مع هذه الجهات، وأدعوهم للحوار جميعاً.
* هل يمكن أن تلتقي مع منبر السلام العادل؟
- يمكن أن التقي مع منبر السلام العادل للحوار على كل القضايا المختلف عليها، وليس لدىَّ عداء شخصي رغم كل الإساءات، لكن أنا ضد طريقة المنبر ورؤيته، وبامكانهم أن يأتوا إلى مكاتبنا كي نتحاور.
* ألديك إستعداد لمناظرتهم؟
- أنا على استعداد لحوار حقيقي لردم الهوة لكي يفهم الآخرون، هناك مواقف مسبقة، وهناك أناس لديهم مصالح ضيقة، وهناك أناس لديهم سوء فهم لبعض القضايا، والحوار يجب أن يكون العملة الوحيدة التي تسود بيننا خاصة وأننا مقبلون على مرحلة لم يجربها شمال السودان من قبل، وهو خرج من تجربة قاسية ويريد أن يؤسس لتجربة جديدة تحتاج للحوار، وأقول هذا ليس خوفاً أو رهبة أو رغبة بل لمصلحة المستقبل.
* من الواضح أن عرمان واعٍ لضرورة تكييف وضعه بعد انفصال الجنوب؟
- ليس أنا فقط، لكن الدولة السودانية كلها تحتاج أن تتكيف، والمؤتمر الوطني يحتاج أن يتكيف، وكل القوى السياسية تحتاج أن تتكيف، وحتى أنت يا أستاذ شبارقة عندما خرجت من منزل أهلك وتزوجت حديثاً يجب أن تتكيف مع وضعك الجديد.
* يبدو أنك لم تستفق بعد من حلم تحقيق السودان الجديد؟
- يا سيدى أنا أصلاً لا تشدني إلا زراعة الأحلام، وإن تركت حلماً سألجأ إلى حلم آخر، والحياة دون حلم غير جميلة، والحياة دون قضية لعنة.
* بعد كل ما حدث، ما إمكانية تحقيق السودان الجديد؟
- أراها طالت لكنها ممكنة، ويجب أن يتم اتحاد بين دولتين مستقلتين أو كونفدرالية بين عدة دول في المنطقة ولا يمكن أن يتخلى الجنوب والشمال عن بعضهما.
* لماذا يكرهك الكثيرون؟
- ويحبني كثيرون أيضاً.
* هل فكرت في اعتزال العمل السياسي بعد الانفصال؟
- دائما فكرت في اعتزال العمل السياسي، ليس بالضرورة للانفصال، والانسان يجب أن يعلم متى يبدأ وأين ينتهي، والمعارك والظروف الصعبة التي يعيش فيها زملائي تجعلني افكر في عدم الهروب في الوقت الذي يحتاجونني فيه، لكن إذا أتت أية فرصة للحصاد فيمكن أن أعتزل العمل السياسي، لكن في وقت الزراعة لا أعتزل.
* والوقت المقبل برأيك هل هو وقت زراعة أم حصاد؟
- وقت زراعة.
* أيوجد سقف زمني لموسم زراعتك السياسية؟
- يوجد سقف، وأتمنى أن تكون لدىَّ إرادة أن أعلم النقطة التي أرى فيها جيلاً جديداً، وإذا جاء مؤتمر للحركة الشعبية واصبحت الظروف عادية ولو تم هذا غدا، فأنا واحد ممن يسعدهم أن يفسحوا مكانهم لآخرين.
* تقصد أن تترجل؟
- ليس بالضرورة أن أترجل ويمكن أن اقوم بأشياء عديدة مفيدة ولكن ليس بالضرورة العمل السياسي التنفيذي، ولي الآن (33) عاماً في العمل السياسي، ثمانية أعوام في اليسار السوداني و(25) عاماً في الحركة الشعبية.
* وهل تتوقع أن يسمح لك بالإنصراف؟
- يوجد قادة كثر ويوجد من يأتي بعدنا، وإذا تم المؤتمر في ظروف عادية فإن افساح المجال لآخرين واحد من أحلامي.
* هل يراودك الحنين للعمل في اليسار؟
- أنا لم أغادر صفوف اليسار.
* أقصد الحزب الشيوعي تحديداً؟
- اليسار ليس حكراً لحزب محدد، وأنا طوال (33) عاماً في صفوف اليسار بمعنى التقدم، ومعنى الانحياز للفقراء، والدين نفسه لا يكون ديناً إلا بالانحياز للفقراء.
* لكن يقال إنك أصبحت ثرياً فيما يبدو رغم حديثك المتكرر عن الفقر؟
- لا أريد أن أتحدث في هذا، ومن يعرفني يمكن أن يتحدث عني، ولا أحتاج لأعرض نفسي.
* ألا تعتقد أن نضالك لسودان موحد، انتهى إلى نتائج عكسية؟
- الله يجازي اللي كان السبب.
مع عرمان.. حصاد الحركة الشعبية (الحلقة الأخيرة) لن اتراجع خوفاً من الإغتيال
* ياسر عرمان في يوم التاسع من يوليو..؟
- التاسع من يوليو مكان للحزن ومكان للفرح، حزن لأن السودان كان يمكن أن يكون أفضل لو حافظ على وحدته، ومكان للفرح لان الجنوبيين حققوا أمنيتهم عبر مسيرة سلمية، وللمؤتمر الوطني نفسه أن يعتز بأن إنفصال الجنوب لم يأت عن طريق الحرب، إنما أتى عن طريق عملية سلمية ديمقراطية، وبدلاً عن البكاء على اللبن المسكوب يجب أن نتخذ من هذه المناسبة فرصة جديدة لبناء علاقات الجنوب والشمال.
* أنت كثير الحديث عن سلبيات المؤتمر الوطني، لكن دعنى أسألك هذه المرة عن إيجابياته برأيك؟
عدل من جلسته ثم قال بعد أن صمت بُرهة:
- المؤتمر الوطني طبعاً يضم عقولاً كثيرة من السودانيين المتعلمين الأذكياء، ولاشك في ذلك. أنا أختلف مع سياساته، ولكن المؤتمر الوطني في ظل الإنقسامات الحالية، وفي ظل تصدره لحكم السلطة لمدة (22) عاماً، وفي ظل الصراع المحتدم، يصعب أن تصدر أحكاماً عليه دون أن تكون متأثرة بهذه القضية أو تلك. لكن أنا دائماً ما يثير حيرتي ودهشتى إن ما يصنعه المؤتمر الوطني إيجاباً بهذه اليد، يأخذه سلباً بتلك اليد، وأنه يبنى المبانى الشامخة بالنهار ويهدمها بالليل، وهذه قضية قد تحتاج إلى حوار عميق. المؤتمر الوطني يحتاج الآن إلى تجديد في الأجندة، وفي رؤيته لقضايا كثيرة، فكثير مما فعله في الماضي إستنفد أغراضه…
= مقاطعة=
*سؤالي كان عن إيجابيات الوطني كما تراها، وأنت تتفادى الإجابة عنه بإسداء نصح لن يقبله منك المؤتمر الوطني؟
إرتفعت نبرة صوته قليلاً وهو يقول:
-(أنا ما كلمتك، وقلت ليك في ظل الصراع المحتدم الحالي صعب أن تتكلم بتجرد).
*عقب رفض الوطني المشاركة في مؤتمر جوبا قلت لى نحن شاركنا الوطني في مؤتمر كنانة، ولكنه تعامل معنا بفسالة، والآن، في إجابتك عن هذا السؤال، أو بالأحرى عدم إجابتك، أراك تتعامل بالفسالة ذاتها؟
- والله أولاً لأن السؤال بالنسبة لي كان مفاجئاً، وأنا دائماً تعلمت أن لا أقول أشياء أندم عليها غداً، سواء أكان ذلك سلباً أو إيجاباً، وهذا السؤال يحتاج إلى شىء من التفكير، والأسئلة التي تحتاج إلى شىء من التفكير، يجب أن تتعامل معها بشىء من (الفسالة) في الإجابة عنها. فأنا أريد أن أفكر وأقول كلاماً منصفاً للمؤتمر الوطني ولرؤيتي ولشخصي وإلى الذين أمثلهم.
* ألا تعتقد أن انسحابك من السباق الرئاسي كان خاطئاً، وربما كان بالإمكان سحب الرئيس البشير لجولة أخرى؟
- التقديرات السياسية بنت الظروف التي أُخذت فيها، وتقديرنا كان إن الإستمرار في إنتخابات مزورة لن يعقبه إلا الدعوة لإنتفاضة أو أن يؤدى ذلك لحرب. هذا من مجمل قضايا أخرى معقدة. وحينما يتباعد هذا الحدث، الذين سيدرسونه بإنصاف سيقررون ما إذا كانت هذه التقديرات صحيحة، أو غير صحيحة. ما يهمني، أنني آخر الذين أعطى الجنوبيون له أصواتهم.
* هل يمكن أن يترشح عرمان للرئاسة مرة أخرى؟
- أولاً، أنا لم أسع للترشح للرئاسة في المرة الأولى، وكل حياتي مليئة بالتقاطعات، حتى في داخل اجتماع المكتب السياسي الذي رشحني، رُشِح آخرون من قبلي، لذلك هذه قضايا لا تهمني ولا أفكر فيها، ومنذ أن انتهت معركة الرئاسة لم أفكر في أنني يجب أن أترشح لرئاسة جديدة، أو أن أكون أميناً عاماً، وزملائي يعلمون أنني أعتذرت أكثر من مرة عن أشياء كثيرة.
* أستاذ عرمان.. ألا تشعر بأنك مشروع قتيل ربما، خاصة وأن مواقفك الحادة قد تجعلك هدفاً لرصاصة قاصدة تنهى حياتك بالإغتيال؟
- الأعمار بيد الله، وطبعاً لا يزعجني ذلك كثيراً، وأنا لا أسعى لذلك، ولكن إن كان الثمن هو أن أزوَّر عن أرائي وأن أترك ما أؤمن به خوفاً من ذلك، فهذا لن يتم. وأنا من تجاربي وقراءاتي في التاريخ أن الإغتيال يعطيك حياة أكثر، وبالنسبة لي الحياة في الأساس هى محطة وفسحة قصيرة من الوقت وستنتهى تم إغتيالك أو لم يتم، بمرض أم بحادث، أم بموت طبيعي. وشخص كبير مثل خالد بن الوليد تأسف حينما جاءه الموت وقال لقد حضرت مائة معركة أو زهاءها، وها أنذا أموت كما يموت البعير. وعلمني إن الحياة كانت ستكون أجمل لو كانت غير ذلك.
* عندما تتحدث عن البروفيسور عبد الله الطيب في سير وأخبار، وعن سيدنا خالد بن الوليد، أجد نفسي أمام أكثر من نسخة من عرمان؟
- لا.. هذا غير صحيح، فأنا شخص واحد. ولو قلت هذا ربما لا يعجب بعض الناس، فأنا مُولع بالتصوف وبالأدب الصوفي وبالنفس اللوامة. ولو قرأت بعض ما كتبت وهو قليل ستجده مليئاً بالنماذج القيمة والخيّرة من عمر بن الخطاب إلى على بن أبي طالب إلى أبي ذر الغفاري إلى الذين سعوا لإنصاف الناس. والزهد الذي روى به الصوفية هذه الأرض، أرض السودان. ولذلك هذا ليس ملكي، هذا من صنع هذا البلد ونحن جئنا من هذه الأرض وهذا الشعب الذي ندين له بكثير من القيم الخيّرة والفاضلة، وما أقوله يمكن أن يقوله أى شخص في شوارع الخرطوم. فهذه قيم الشعب السوداني التي تربينا عليها كابرٍ عن كابر وجدٍ عن جد ونحاول أن نطورها إلى الأفضل.
* عرمان العلماني، أصبح في الفترة الأخيرة يتحدث عن النفس اللوامة ويدعو لإتقاء شرور النفس ويستشهد بالآيات والأحاديث حتى أصبح مصدر تندر وإستغراب البعض؟
- الإستغراب، نتاج لعقلية الإحتكار والوصاية والإقصاء ومصادرة آراء وأفكار الآخرين التي تشمل حتى الدين.. نحن أتينا من صلب هذا الشعب، ننتمي لديانات الشعب السوداني مسلمين ومسيحيين ومعتقدات كريمة، وتربينا على قيم الشعب ومحاسبتنا على أفكارنا وضمائرنا، يجب أن تترك للإله الواحد القهار.
* ما قصة الشعر الذي تنزّل عليك فجأة، وأصبحت تنشره في وسائل الإعلام المختلفة؟
- لم يتنزل علي، أنا منذ وقت مبكر أكتب الشعر ولا أهتم به، وحينما كتبت قصيدة اسمها (نهر الديانات القديمة)، وهى كانت تتحدث عن الدكتور جون قرنق دي مبيور، قرأتها لعدد من الناس المقربين مني، وفي البداية وقعت في يد أحد أفراد أسرتي وطالبني عدد من الأصدقاء بنشرها، فوجدت إستقبالاً واسعاً وتشجيعاً من الأصدقاء والمعارف. ولذلك بعد نشرها، نشرت عدداً من القصائد من (2009- 2011م) في الثلاث سنوات الأخيرة. ما يستغربني ليس هو نشر الشعر، فهناك شعراء كُثيرون. والشعر إما خلد أو مات موتاً طبيعياً إذا لم يستأثر بإهتمام القراء، ومعظم الذين إنتقدوني كانوا يكيلون لى هجوماً شخصياً وليس نقداً أدبياً. ومعركتهم ليست للأدب والمعرفة والجماليات، وإنما شخصية، ولا تهمني في كثير أو قليل.
* أى سنى عمرك كانت أخصب، هل كانت تلك الثماني الأولى التي قضيتها في الحزب الشيوعي، أم الخمسة والعشرين الأخرى التي قضيتها في الحركة الشعبية؟
- والله كلها متصلة مع بعضها. لكن عملنا مع الدكتور جون قرنق كانت سنوات جيدة لكن لم نكن نصل إلى ذلك دون التجارب الأولى. يعنى لا توجد فواصل، وكلما أزددت نضجاً، كلما تبينت لك الحياة ودروبها أكثر. لكنني أعتز أيما إعتزاز بتجربة العمل بشكل لصيق مع الدكتور جون قرنق دي مبيور، وأعتبره إنساناً رفيعاً وذا قيمة ومعنى ومبنى.
* إلى أى مدى يزعجك الهتاف ذائع الصيت.. (ياسر عرمان شيوعى جبان)؟
- يزعجنى هذا المناخ الذي يعيشه الشعب السوداني، وهذا الإنقسام الحاد في صفوف السودانيين مزعج، وهذا ليس لأنني إستهدفتني هذه المجموعة أو تلك، لكن لكى ينهض هذا البلد يحتاج إلى منصة مشتركة وإلى أكبر قدر من إتساع الصدر والعمل والمفاهيم المشتركة.
* هل كتبت شعر الغزل؟
- إهتمامي الرئيسي منصب حول القضايا التي تشغل جيلنا في هموم الإنسان والمجتمع والدولة والأرض والتاريخ، وتنصرف عواطفي الرئيسية إلى العلاقات بين أقوام وقوميات وقبائل السودان.. كذلك أنا مهتم بشكل رئيسي بتاريخ السودان لأن الإنتقاص من تاريخ السودان ينتقص من جغرافيته، وهذا ما حدث بخروج الجنوب الآن، كذلك تستوقفني الشخصيات ذات الأبعاد الإنسانية. وإهتمامي بالشعر والأدب وقضايا الثقافة جزء من إهتمام جيلنا إتصل في أيام الدراسة وخروجنا للحياة العامة، وبعض الشعراء المهمومين بعذابات الإنسان مثل محمود درويش، هم أبطال شخصيون بالنسبة لى.
*هل تسمح لبناتك بممارسة السياسة؟
- لا أود مطلقاً أن أتدخل في تحديد ورسم مستقبلهن، كل ما هو مطلوب منى التربية الجيدة والتعليم الجيد، وهم بعد التعليم الجيد والتربية الجيدة يحققن مستقبلاً أجّود.
* الدراسة عندك أمر احتجاجي تلجأ إليه عندما لا يعجبك الوضع فيما يبدو، هل يمكن أن تتواطأ ظروف جديدة تجعلك تذهب مجدداً لجامعة (أيوا)؟
- الحديث عن الدراسة سأكتب عنه في يوم من الأيام، ولم يكن بصدد الدراسة، بل كان لقراءات سياسية في صفوف الحركة الشعبية.
* بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من الإخفاق والنجاح.. ماذا تبقى لياسر عرمان؟
- أنا غير مهم، المهم ماذا تبقى للسودان، وللسودان نحتاج أن نستثمر كلنا تجاربنا السابقة بالإخفاقات والإيجابيات لنرسم صورة جديدة وهذا ممكن. ما تبقى لي.. أولاً: أن أسهم مساهمة متواضعة في أن يكون شمال السودان دولة فاعلة.. ثانياً: أن نصحح الأخطاء ونجعل علاقة إستراتيجية بين الشمال والجنوب، وأنا لدى بعض الأسهم يمكن أن أدفع بها في هذا الإتجاه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.