من طرائف القراء الأعزاء معي ومن صفعاتهم أيضاً نحكي بهذه المناسبة اثنتين، واحدة من هذي وواحدة من تلك، فمن الطرائف أن أحدهم كتب مداعباً «الأخ حيدر مشغول بالحدود اليومين ديل، مرة مع مذيع الجزيرة أحمد منصور صاحب بلا حدود وحيدر يريد له حدود، ومرة أخرى ينشغل حيدر ب«قوات حرس الحدود» التي هي بلا حدود ولكن حيدر أيضاً يريد لها حدود… في الأولى الأمر صعب أما في الثانية فمستحيل، ولم تبعد إلا حدود الجنوب وأبيي، وقد طالعنا قديماً في كتب المطالعة رد أب على ابنه المتطلع الذي رأى نجماً في الأفق يتلألأ فقال يا أبتي هاته لكي به ألعب، ولكنه سرعان ما غيّر رأيه عندما رأى سيارةً للأرض تنهب، فقال له الأب يا بني النجم كان أقرب… وليس بعيداً لا عن موضوع الحدود ولا عن ذكاء الاشارة الأولى وطرافتها، إذا بقارئٍ آخر يصفعني قائلاً «أنا دينق مجوك، أعيش في عطبرة التي ولدت فيها أنا وأخواني بل ووالدنا أيضاً ولد فيها ومازلنا نعيش هناك حيث تملكنا «بيوت ملك حر» ولم نعرف بلداً غير عطبرة بلدنا، قاعدين راضين ومقتنعين ومتعايشين في أمان الله، ولكن فجأة قامت أقلية «الجبهة الاسلامية» بالاستيلاء على الحكم عبر إنقلاب لتوقع اتفاقا مع أقلية أخرى من الجنوب هي الحركة الشعبية ثم يعمل الاثنان عمل أهل الانفصال حتى تصبح له الغلبة، طيب يا جماعة نحنا ذنبنا شنو، ما يدونا حقنة ويرجعونا الجنوب… هسع «فلان داك» ذكره بالاسم ممكن يرجعوه تركيا، ولا «علان داك» ذكره أيضاً بالاسم ممكن يقولوا ليهو يلا أرجع نيجيريا بلد جدودك… «قالوا ليهو بكرة السبت ولا الأحد قال لا بكرة الاثنين، بالله هم لموهم مع بعض متين»…. لهذا وحتى لا يكون لفصل الجغرافيا وبتر الحدود الذي قسم البلاد إلى دولتين وقع النصل الحاد على الحشا حين يغرسه مجرم محترف في غفلة من الضحية، ولشق طريق ثالث يمكن الدولتين والشعبين من مواجهة تحديات الانفصال ومثالبه الكثيرة ويبقى على سلامة الوجدان ومد حبل الاخاء والتواصل على طول ألفي كيلو متر هي الأطول بطول افريقيا وعرضها ويتركز فيها ثلثا سكان السودان شمالاً وجنوباً باستدامة علاقة ممتدة تقوم على أسس اختيارية تراعي وتلبي طموحات الشعبين في السلام والاستقرار والرفعة والتقدم بالنهوض أولاً من تحت الرماد، لهذا الذي ذكرناه والذي لم نذكره من أوجه الخير التي تنطوي عليها النفوس الخيّرة، أثلج صدرنا جداً أن تنبري جماعة مستنيرة وراشدة، مهمومة بهموم الوطن ومهتمة بسلامه وسلامته ورخائه شمالاً وجنوباً لتكوين منظمة تحت مسمى «سودانيون بلا حدود»، فما أبهى الاسم وأجمله، وما أحكم المسعى ومقصده للم شمل الوجدان بتجاوز الحدود السياسية والجغرافية والاستثمار في صلات الرحم والمصالح والمنافع المشتركة، وهنا لابد من الاشارة إلى حسن صنيع الطرفين بالابقاء على كلمة «السودان» كمفردة مشتركة بين الدولتين كما هذه المبادرة التي انطلقت من فكرة مشتركة جمعت بين شخصيات عامة من الشمال والجنوب، وكل ما نرجوه أن تسارع هذه الثلة الكريمة من العقلاء إلى استكمال مطلوبات الانشاء والتأسيس ومن ثم الانطلاق بقوة إعلاءً لصوت الحكمة الذي تحتاجه البلاد في هذا الظرف العصيب بدلاً من هذا «العواء» المنطلق من منابر الجهل النشط الذي ملأ الأرض عجيجاً والفضاء ضجيجاً….