أحمد للزميل عادل الباز، رئيس تحرير صحيفة “الأحداث”، أنه فتح خزانة أسراره، وخزانات أخرى، ليخرج منها بتفاصيل واحدة من أشهر العمليات الاستخبارية في العالم، المعروفة باسم “كارلوس في السودان” والتي دارت فصولها في سنوات التسعينات، حين اكتشفت المخابرات الغربية وجود المطلوب الدولي الأشهر، رامريز سانشيز كارلوس، المعروف بلقب ابن آوى، في الخرطوم. ونهاية القصة معروفة، إذ تم تسليم كارلوس للمخابرات الفرنسية في صفقة عقدتها حكومة الإنقاذ مع باريس، وخضع الرجل لمحاكمة أودع على إثرها السجن، ولا يزال. وتذكرت ان القصة استرعت انتباه زميلنا الصحفي إبراهيم علي إبراهيم الذي كان مقيما في القاهرة في تلك الفترة، وأصدر هو ايضا كتابا حوى كل المعلومات التي كانت متوفرة آنذاك، عن هذه العملية. وأتمنى ان يكون عادل الباز قد استكمل الحلقات الناقصة وجمع كل المعلومات حول هذه القضية. هذه واحدة من الأحداث الهامة في تاريخ الحياة السياسية المعاصرة في السودان، لخطورتها وتعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين فيها، لكنها مجرد واقعة واحدة من عدد من الوقائع الهامة التي لا يزال يكتنفها غموض كبير، ولم يحدث فيها أي عمليات بحث وتقصّ جادة، بطريقة الصحافة الاستقصائية في بقية دول العالم، ولا تزال كثير من خفاياها غائبة. أذكر أن الصحفية هويدا سر الختم قد فتحت في صحيفة “السوداني” ملف مقتل الصحفي السوداني الشهير محمد مكي “صاحب جريدة الناس” في بيروت في بداية عهد حكم مايو، وجمعت قدرا من المعلومات، لكن، ولأسباب معروفة، أحجم كثيرون عن تقديم شهاداتهم، مما جعل الملف مفتوحا وفي حالة انتظار استكمال المعلومات. هناك محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا، وما صحبها من ردود افعال ونتائج، ولا تزال كثير من تفاصيلها غائبة، وهناك مذبحة بيت الضيافة التي تتضارب فيها الشهادات والأقاويل، وتفاصيل انقلاب 19 يوليو 1971، ومقتل الدكتور جون قرنق في حادثة الطائرة اليوغندية، وعملية دخول قوات العدل والمساواة إلى امدرمان….الخ في كل تلك الأحداث والقصص هناك زوايا ومعلومات غائبة، مع وجود رواية رسمية في كل حالة، لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا مناص من استخدام تقنيات ووسائل الصحافة الاستقصائية لتكملة الجزئيات الناقصة. نعلم ان هناك معوقات كثيرة امام انتشار وازدهار الصحافة الاستقصائية في بلادنا، منها ما يتعلق بالجو السياسي العام بالبلاد ونوع وطبيعة القوانين الموجودة، ومنها ما يتعلق بالعوائق والتقاليد الاجتماعية القائمة التي تلجم ألسنة الكثيرين عن الإدلاء بشهاداتهم، وتمنع خروج كثير من المسكوت عنه. وكثيرا ما نسمع من بعض ذوي النفوذ والمسؤولين السابقين قصصا شفاهية يمكن أن تسقط حكومات ، لكن ما أن يعلموا أن المادة للنشر، حتى يتراجعوا ويطلبوا مراجعة بعض النقاط لتوضيحها، و”تغطيس” حجر الحقيقة، واحيانا يطلبون عدم النشر، بشكل مباشر. ومنها ما يتعلق بضعف وضع الصحف وفقر مواردها المالية بما يجعل جهد الصحفي جهدا فرديا لا تعينه فيه المؤسسة بأي شيء. لكن كل هذا لا يمنع ان يحاول الصحفيون جمع المعلومات وكشف الحقائق، بما وسعتهم موازين القوى وصدور الصحف، وحتى لو لم يمكن نشر المادة نتاج التحقيق الآن، فليحتفظ بها لوقت في المستقبل، نأمل أن تكون فيها درجات الشفافية أكبر ومساحات الحرية أوسع شكرا عادل، وسنتابع المسلسل.