أرسلت جماعة الإخوان المسلمين رسالة إلى الجماعات السلفية تدعوها إلى الابتعاد عمَّا أسمته ب”غرور القوة”، وقد جاءت هذه الرسالة في أعقاب أحداث الجمعة الماضية التي شهدت مليونية الإسلاميين في قلب ميدان التحرير والتي أقصت من خلال شعاراتها الدينية باقي القوى الوطنية في مصر حيث اعتبروها شعارات طائفية تدعو إلى دولة إسلامية لا مدنية وأنها جاءت بالمخالفة لما تم الاتفاق عليه مسبقًا. وقد حملت رسالة الإخوان المسلمين التي وجهت لفصائل من قلب تيارها الإسلامي تحذيرًا قويًّا مما أطلقت عليه “غرور كثرة العدد ووفره الأتباع”، وطالبتهم ب”إقرار الحقوق المادية والمعنوية الكاملة للجميع”، وتوافقت الرسالة مع ما صرَّح به القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي من اكتشافه لوجود نظرات ضيقة فيما بين عدد من قيادات التيار الإسلامي والتي جعلت الإخوان المسلمين يعانوا – على حد قوله – للسماح للمسيحيين بإقامة القداس يوم الجمعة الماضية، وأن يبقوا على الشيخ مظهر شاهين – إمام مسجد عمر مكرم – خطيبًا للميدان، وأنهم – أي تلك العناصر الإسلامية المتشددة – قد رفضت وبشدة إذاعة الأغاني الوطنية وسمحوا بصعوبة بالغة للأنبا بولس بإلقاء كلمته وسط مقاطعات عديدة، ودعا البلتاجي تلك القيادات أن تبحث موقفها من القضايا الخلافية وتحسم أمرها بقبولها للمساحات المشتركة من عدمه وأن من حق الجميع طرح آرائه الخاصة، كما وصف البلتاجي تلك الأمور التي صدرت من تلك القيادات السلفية ب”ضعف الخبرة في العمل السياسي والجماهيري متعدد الانتماءات”. تصريحات صبحي صالح التي أثارت استياء المصريين قالت جماعة الإخوان في رسالتها إلى الجماعات السلفية: “إننا دعاة وأصحاب رسالة قوامها الحب والرفق وسعة العقل والقلب، وأننا دعاة توحد ووفاق وأصحاب معروف وأخلاق، ولا يغرنكم كما لا يغرنا كثرة العدد ووفرة الأتباع، فأولى بنا جميعًا أن نتواضع لله أولاً ثم لإخواننا في الوطن وأن نحترم المبادئ والقواعد التي تجمعنا جميعًا في توافق وطني”، وفي ذات الوقت فقد برر الإخوان ما فعله السلفيون وأرجعوه إلى ما أسموه ب”الكبت الشديد” الذي دفعهم إلى اعتزال السياسة لمدة ثلاثين عامًا وأكثر بالإضافة إلى ما فعله “غلاة العلمانيين” – على حد وصفهم – من أفعال الاستفزاز وذلك من خلال إبراز سخريتهم من بعض المظاهر الإسلامية، فقالت الجماعة: “إذا كانت الثورة قد نجحت بفضل الله بالتوحد والحب وإنكار الذات، فإن الوطن الآن أحوج إلى هذه الوحدة لاستكمال عمليات التطهير والوصول إلى حالة الاستقرار، تمهيدًا للانطلاق نحو البناء والتعمير والنهضة والتقدم يدًا واحدة كما كنا”، وتفضلت الجماعة على الجميع قائلة: “لقد جعلنا من منصة الإخوان بميدان التحرير منبرًا لكل القوى والأحزاب والتيارات”، متناسية أن منصات القوى المدنية تمت السيطرة عليها من قبل السلفيين في وجود الإخوان ودون اعتراض منهم، وأنهم من قاموا بالاستيلاء على المكان المعد لمنصة الاستشاري الهندسي ممدوح حمزة مستغلين كثرة عددهم الذي يدعون غيرهم إلى عدم الاغترار به. حملت رسائل الإخوان المسلمين التباسًا لدى البعض حيث يرونها متناقضة مع أفعال الجماعة وتصريحاتها الأخرى، فلم ينسَ أحد الزوبعة التي أثارتها تصريحات القيادي الإخواني صبحي صالح والذي كان عضوًا بلجنة التعديلات الدستورية ولقّب بسبب تصريحاته بال”الفلوطة” عندما قال: "ومايجيش أخ فلوطة يقول لك في أخت كويسة ومتدينة وبنت ناس بس مش من الأخوات.. بس إن شاء الله هتبقى من الأخوات بمجرد ما أخطبها.. أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير”، كذلك فلم ينسَ أحد تصريحات الدكتور محمد بديع – المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين – بأنهم سيسعون بكل قوة لإزالة ما أسموه ب”نجاسات المجتمع” مشيرًا إلى أن الجماعة تمتلك ماء السماء الطهور الذي سيطهر تلك النجاسات، كما أن جماعة الإخوان المسلمين التي تحاول مد يدها اليوم للقوى المدنية هي من قالت قبل ذلك إن الأحزاب السياسية كالأطفال وإن الإخوان سيعلمونهم كما سيقومون بتربية الشعب. ويذكر أن الخلاف الذي تحاول الجماعة إظهاره اليوم مع باقي فصائل التيار الإسلامي من جماعات سلفية لا يتلاءم مع الوفاق الذي جمعهم من قبل ثورة 25 يناير حيث اتفقوا جميعًا على عدم المشاركة وهو ما أعلنه الدكتور عصام العريان صراحة بقوله: “لا نشارك في تظاهرات مجهولة الجهات التي تنظمها”، ولم تشارك الجماعة بشكل تنظيمي إلا بعد أن رأت بشائر النصر، كما لم يشارك السلفيون إلا بعد عزل مبارك، واتفق الاثنان في الاستفتاء على التعديلات الدستورية وقولهم “نعم” وتصدير الغنيمة بدخول الجنة لمن يوافقهم الرأي، وتركوا ميدان التحرير بعد ذلك للقوى المدنية ولم يعودوا إليه إلا مع الجماعات السلفية يوم الجمعة الماضية. الإخوان المسلمون سمحوا لمصطفى بكري باعتلاء منصتهم فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين شريكًا أصيلاً مع باقي القوى السلفية في مليونية جمعة “لم الشمل” وانسحبت مع باقي تيارها الإسلامي من الجلسة التوافقية الثانية التي كانت ستجمع بينهم وباقي القوى المدنية لإنجاح المليونية الأخيرة، وعلى الرغم من اتصال الدكتور عصام العريان هاتفيًّا بأحد حاضري الاجتماع وإبلاغهم بأن الجماعة ستلتزم بما يقومون بإقراره، فقد جاءت ممارستها في قلب الميدان لتؤكد خروجها عن أية اتفاقات إلا تلك التي أبرمتها مع السلفيين، فقد تركتهم في قلب الميدان يرفعون شعارات مرفوضة مجتمعيًّا، وسمحوا بإقصاء القوى المدنية، ولم يفعلوا شيئًا إلا السماح للبعض بالصعود على منصتهم للحديث وهم يعلمون مدى الرفض الذي سيواجههم من قبل الإسلاميين بقلب الميدان، وكأنهم يلعبون دور المغلوب على أمره، يتركون السلفيين يفعلون ما يرغبون هم به دون تدخل واضح، ومد الأيدي لغيرهم على استحياء، كمن يمسك العصا من المنتصف ليرسل رسالة مفادها “آرأيتم غيرنا الأكثر تشددًا.. نحن الأكثر اعتدالاً.. كونوا معنا”. يبدو أن تلك الرسالة التي يرغب “الإخوان المسلمون” بإرسالها لا يستهدفون بها القوى السياسية فقط وإنما ترسل أيضًا إلى “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” الذي صرح منذ أسابيع قليله أنه ينظر إلى التجربة التركية ولكنه في الوقت ذاته “لا يثق في التنظيمات الإسلامية بمصر”، وهو ما اعتبره البعض حينها ضربة قاضية لتيار الإسلام السياسي المصري، ولكن يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين قد التقطت الرسالة وسعت ليكون اسمها هو المرتبط بحل المعادلة، فتكون القادر على تلبيه رغبة “المجلس العسكري”، خاصة وأن الدكتور محمد بديع المرشد العام للجماعة قد التقى مؤخرًا بالرئيس التركي عبد الله جول الذي أظهر سعادته لتأسيس “الحرية والعدالة” أول حزب للإخوان في مصر، كما بعث الدكتور محمد مرسي – رئيس حزب الإخوان المصري – برقيه تهنئة لرئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان” بمناسبة فوز حزب الإخوان التركي “العدالة والتنمية” بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، كما يسعى الحزب المصري لإقامة العديد من الندوات بمقراته المختلفة لتتحدث عن التحربة التركية، وهو ما يراه البعض تحركات وفاعليات متتالية مفادها أن إخوان مصر يسيرون عبر نهج إخوانهم بتركيا. السفير التركي يتحدث عن تجربتهم وهي رسالة أيضًا للخارج حيث ترى دول أوروبا وأميركا في النموذج الإسلامي بتركيا “تجربة توافقية” بعيدًا عن “التجربة التصادمية” بأفغانستان، لذا فإن رسالة “الإخوان المسلمين” الأخيرة حملت في طياتها أكثر من معنى، وفي العديد من الاتجاهات داخليًّا وخارجيًّا، اتفقوا جميعهم على أن الإخوان يلعبون بكل الأوراق وعلى كافة الحبال، يحاولون الجمع بين فرض الوصاية والتحالف بين قوى الإسلام السياسي والقوى المدنية، وتغازل في ذات الوقت الخارج و”المجلس العسكري” لتصل في نهاية المطاف لتكون الحل الأوحد للجميع وتعتلي عرش مصر. للمزيد “الإخوان المسلمون” تروِّج للنموذج التركي وتمارس الوصاية: تتهم الأحزاب المصرية بالطفولة وتحذِّر السلفيين من غرور القوة.. ورسالة للغرب مفادها “نحن الأكثر اعتدالاً” img src=”http://www.alazma.com/site/images/stories/icons/videoicon.png” نقلاً عن الازمة