ما زال الناس في حيرة من امرهم.. منذ ان استيقظوا ذات يوم من عام 2002م ووجدوا اسعار الخبز تلهث ونفسها قائم.. اصحاب الوجعة حاولوا معرفة من الذي يطاردها ولم يجدوه حتى الآن.. اصحاب المخابز يقولون انها اسعار الدقيق وجهات اخرى تقول ليست هناك زيادة في اسعار الخبز من اصله وانما الذي جد هو ان تعدلت الاوزان فهناك زنة 07 جراما بمائة جنيه وزنة 001 جرام بمائة وخمسين جنيها.. اما الدولة فقالت لن تتدخل وانها سياسة العرض والطلب.. ومن يومها ظلت كل الاسعار تلهث وتلهث حتى اصبحت رهاب رهاب في نظر المواطن المغلوب على امره. قالت لي في غضب صاخب.. انها لم تعد تثق في التجار فكلهم يغلب عليهم حب المكسب حد الجشع.. لانها وقعت ضحية لتاجر يثق فيه الناس ويصفونه بالتقوى والامانة بينما هو يجلب السلع الفاسدة واللبن المنتهية مدة صلاحيته والمعلبات والاجبان والحلويات حتى العدس. قلت لها لا تدعي الثقة تذهب منك مرة واحدة فمع كثرة النماذج السالبة وظلام السوق واختلاط الامور وسياسة التحرير العرجاء واتخاذ الدين الاسلامي شعاراً لممارسات يحاربها الدين ولا يقرها بالرغم من هذا هناك بؤر الضوء وان قلت.. هناك التجار الامناء الاتقياء الانقياء الوطنيون الذين لا يعرفون الغش ولا اللهث وراء المكسب اللا مشروع، الذين يتدثرون بأردية الدين الحق ويخدمونه ويخدمون الدنيا بالامانة والنزاهة.. بل هم الذين يستصحبون قيم التراث عند التجار المسلمين. يروي الامام الغزالي عن محمد بن المنكدر وكان تاجر اقمشة انه كانت له قطع بعضها بخمسة دراهم وبعضها بعشرة، فباع غلامه وهو غائب عن الدكان قطعة بعشرة وهي من ذات الخمسة فلما عاد ابن المنكدر وعرف ذلك لم يزل يبحث عن المشتري طوال النهار حتى وجده فقال له ان الغلام قد باع لك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال المشتري يا هذا قد رضيت فقال ابن المنكدر وان رضيت فإننا لا نرضى لك الا ما نرضاه لانفسنا، فرد عليه ابن المنكدر خمسة دراهم. ورواية اخرى عن يونس بن عبيد اذ كان عنده حلل مختلفة الاثمان بعضها باربعمائة درهم وبعضها بمائتين، فذهب الى الصلاة وترك ابن اخيه في الدكان فجاء اعرابي وطلب حلة باربعمائة فعرض عليه الغلام من ذات المائتين فاستحسنها الاعرابي واشتراها باربعمائة فمشى بها وهي على يديه فاستقبله يونس بن عبيد فعرف حلته فقال للاعرابي بكم اشتريت؟ قال الاعرابي بأربعمائة. قال يونس انها لا تساوي اكثر من مائتين فارجع حتى نردها. قال الاعرابي هذه تساوي في بلادنا خمسمائة وانا ارتضيتها فقال له يونس انصرف معي فإن النصح في الدين خير من الدنيا وما فيها، فعاد الى الدكان واعطاه يونس مائتي درهم وخاصم ابن اخيه. اما تتقي الله تربح مثل الثمن وتترك النصح للمسلمين؟ فقال الغلام والله يا عم ما اخذها الا وهو بها راضٍ، فقال يونس فهلا رضيت له ما لا ترضاه لنفسك. قالت انك تفلقين وتداوين كما يقول المثل. الم توافقيني بأن امر الاسعار والسوق اصبح لا يطاق؟ والم تؤكدي ان الاسعار لاهثة والناس يبحثون عن من يطاردها؟.. قلت لها هذا صحيح، الاسعار تلهث وترتفع كل يوم والذي يطاردها ويلسع ظهرها بالسياط هي السياسات وجشع البعض، ولكن مهما تنكبت السياسات واستبد النظام وزاد عدد الجشعين.. هناك يرقد الامل.. هناك يكون الضوء ولذا خفت عليك من تعميم الحكم.. التعميم يغطي على بؤر الضوء ويعم الظلام. هناك دائماً امل.. وهذا ما يجعلنا نضرب على ذات الموضوع وان طالت المدة. هذا مع تحياتي وشكري