الأستاذ حيدر المكاشفي طاب يومك.. رمضان كريم.. هذه مساهمة تربوية يشارك بها قلمي في قضية هامة تشغل بال الجميع.. آمل أن تجد لها مكاناً بزاويتك المقروءة بشفافية. مع شكري حسين الخليفة الحسن في ليلة موحشة، غمرها ظلام قاتم، امتدت يدي الحائرة لتدير قرص جاهز مذياعي الموغل في القدم، فاخترق أذني خبر أفرحني… قرار من الأستاذ علي عثمان محمد طه نائب الرئيس، بانعقاد المؤتمر القومي لقضايا التعليم في مطلع ديسمبر المقبل، تحت شعار “التعليم يصنع المستقبل”. فرحة امتزجت بالريبة والتوجس. أمضيت بالامس ليلة مؤرقة وقلقة، داعبتني خلالها أفكار ورؤى وأسئلة حائرة كلها تدور حول همنا وهاجسنا الأول: مستقبل التعليم بالسودان! التعليم الذي أصبح كبستان تساقطت أوراق أشجاره، ويبست سيقانها، وذبلت ازهاره اليانعة وأصيبت خميلته النضرة بالضمور والانزواء، وأرضه الظمأ صارت كالصحراء الجرداء المقفرة! فكيف نبعث الروح والحياة في بستان المعرفة؟ وكيف نعيد البسمة العذبة لثغور الآباء والأبناء؟ حظيَّ السودان في عهد الحكم الثنائي “البريطاني والمصري” ببدء انطلاقة التعليم النظامي، وكانت من ثمرات هذا النظام الذي أعقب نظام الخلاوى، أن توجت بخت الرضا لتصبح منهلاً عذباً لتأهيل وتدريب المعلم (1934) كما تولت بخت الرضا وضع فلسفة وأهداف التعليم النظامي بالسودان، كما وضعت كذلك سياسة ومبادئ تربوية محكمة تتناسب والبيئات السودانية المتباينة. وكان يومها قد شهدنا مولد العهد الذهبي للتعليم، الذي نعمنا به حتى مطلع السبعينات، ثم أعقبه الجمود والضمور والعد التنازلي لمسيرة التعليم! ان مؤتمر التعليم المرتقب والمزمع عقده في خاتمة هذا العام، قد شُرع في الاعداد له منذ العام الماضي: أولاً: قدمت كل الولايات توصياتها بعد دراسة علمية لقضاياها. ثانياً: كما عقدت وزارة التربية عدة مؤتمرات وورش عمل “workshops” تناولت فيها بالبحث والتحليل قضايا التعليم القومية: السلم التعليمي، المناهج المدرسية، الكتاب المدرسي، نأهيل وتدريب المعلم، الرسوم المدرسية، البيئة المدرسية، تمويل التعليم، المدارس الخاصة والنموذجية، محو الأمية، الزي المدرسي، العقوبة البدنية. ودعني أقول وصادقاً لسنا كحملة للقلم متفائلون بنجاح هذا المؤتمر القومي الهام الذي سيسعى كما نتوقع لتشخيص وازالة العلل التي أصابت التعليم، إلا بتحقيق الآتي: أولاً: أن نحسن اختيار المشاركين في المؤتمر، ومن ذوي الشأن، ومن الفئات التربوية المتعددة، ومن كل الولايات وبشتى انتماءاتهم المختلفة، ومن ذوي الخبرة وقدامى المعلمين بالأقاليم والمنتدى التربوي السوداني. ثانياً: بالتفاتة الدولة Concern وابداء الاهتمام البالغ بقضية التعليم وتمويله ستأتي الثمار أكلها. والتعليم لا يقل أهمية وضرورة عن الماء والهواء للانسان وهو صانعه الأول. ثالثاً: أن تتعهد الدولة وتلتزم بتنفيذ توصيات ومقترحات المؤتمر، ونأمل ألا تطويها الملفات المكدسة لتقبع في أضابير الوزارة كمثيلاتها التي انزوت بدهاليز وادي الصمت!!! رابعاً: لا نريد حشد الكم من المشاركين، وعلينا بحشد النوع “Quality and not quantity” الذين هم من أصحاب الاختصاص والدراية والبصيرة والمكتوين بنار القضية. خامساً: أن يأخذ المؤتمر الصبغة القومية الكاملة، وأن ننأى به عن انفرادية الرأي، والجهوية والحزبية والقبلية. التعليم قضية قومية تهم الجميع. سادساً: أن تكون مقومات الحوار والتفاكر: الرأي الصائب المحايد والمستقل، الذهن الحاضر والبديهة الحاضرة، والتحليل المفيد والنقد الباني المثمر، وألا تشغلنا الخطب المطولة الرنانة، فارغة المحتوى ذات العبارات المنمقة المموسقة فكلها مضيعة للزمن، واهدار للجهد. دعنا نتفاءل بتحقيق الأمل الأخضر. ونكرر ونأمل أن يكون الحضور خيار الخيار، وبه يتحقق الحوار الجاد والنقاش المثمر، والتوصيات الواقعية والبناءة. يا حبذا أن يكون المؤتمر تحت رعاية وتبني رئاسة الجمهورية. والتوفيق من عند الله. شكراً لك الصديق “حيدر” لسعة صدرك واهتمامك بقضايا الانسان. حسين الخليفة الحسن خبير تربوي