لم يكن من المستغرب البتة أن تكشف الخرطوم غضبها وعدم رضاءها تجاه ا للقاء الذي تم بين الزعيم سلفا كيرميارديت و رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو علي هامش إجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. كنا نتوقع من إعلام المؤتمر الوطني وساستهم الولولة والوعيد والسب بأغلظ مفردات أدبياتهم السياسية مثل عمالة و إرتماء الدولة الوليدة في أحضان الصهيونية و الإمبريالية الكونيتين.لم نفاجأ أن يظهر علي شاشاتهم البلورية جيشها الأحمر المدجج و المدخر أصلاَ لمثل هذه المنعطفات , يسمونهم تمويحا بمحلليين سياسيين و هم حقيقتهم يتكلمون بلغة غير لغتهم بل الكل يحمل في فيه لسان الحكومة التي هي المؤتمر الوطني .,ينذرون الأمة العربية والاسلامية جمعاء بالخطر المحدق والكارثة التي ستقع لا محالة علي الامة من البوابة الجديدة( دولة جنوب) . لا غرابة إن فعلت الخرطوم ذلك وهل من العجب أن تري بغلا يجتر ما تناوله فمه من حشائش , فهذا من دأبته وبعض من خلقه.ولكن الغريب بالطبع سادتي أن تكون الأنظمة المتعاقبة علي الحكم في الخرطوم أكثر فلسطينية من فلسطين, من ضفيين وغزيين ,والأغرب أن تكلف جمهوريه جنوب السودان القيام بمهمة لا طاقة لها بها تلك التي لم يطلبوها قط ولن يطلبوها ابدا من شقيقاتها العربيات. ففي قاهرة المعز أم عواصم الأمة العربية وفي مصر أم الامة العربية يرفرف العلم الاسرائيلي في سمائها عالياً بنجمة داؤوده منذ أكثر من ثلاثة عقود, منذ ان وقعت مصربقيادة محمد انور السادات واسرائيل بقيادة مناحيم بيغان علي ميثاق سلام في منتجع كامب ديفيد اواخر سبعينات القرن الماضي. ومنذ ذلك التاريخ زأر جعفر النميري القاهرة مراراًوتكراراً ورأي النجمة مراراً وتكراراً ولم يسال ,جاء سوار الذهب الي السلطة ولم يسأل المصريين ما هذا,أتي الضادق المهدي ولم يستفسر لماذا النجمة هناك وحتي البشير بجلالة قدره لم يسأل بعد (وأتمني لو سأل يسألهم عن مصير حلايب ايضا). الأن يسألوننا لماذا تشرع جوبا في بناء جسر علاقة بينها وبين تل ابيب ؟ لماذا ستكون النجمة مستقبلا مرفرفة في سماء جوبا؟ يسالون حتي قبل ان يرفع!!!؟ وصدقوني لوقلت ان الأنظمة المتعاقبة علي الخرطوم منذ الأستقلال, الشمولية منها او المسماة بالديمقراطية جميعها تدعي تبني المسألة الفلسطينية والوقوف الي جانب الفلسطينيين علناً ولكن في الخفاء يضحكون علي ذقون إخوتهم الفلسطينين وألا فكيف وصل اليهود الفلاشا الي تل ابيب عام 1985 ؟الم ينقلهم نميري الي هناك؟ نفس نميري الذي أستقبل استقبال الابطال الفاتحين في عهد الانقاذ عندما عاد من منفاه في القاهرة الي الخرطوم. ولمن لا يعلم فإن قصة الفلاشا ونقلهم الي اسرائيل ربما كانت سراً للشعوب العربية ولكنها لم تكن سراً لبعض الانظمة العربية,حتي السعودية نفسها كانت تعلم والدليل ما اورده ضابط إستخبارات سوداني سابق في مذكراته- عزت السنهوري-كيف أن الامير تركي الفيصل المسؤول الامني الاول في السعودية كيف أعاد ضابط أمن سوداني الرائد عبد الله عبد القيوم من السعودية الي الخرطوم ايفاءا لطلب صديقه عمر محمد الطيب رئيس جهاز امن الدولة في عهد جعفر نميري. والي جانب رفضه-اي الضابط المذكور- الاشتراك في جريمة نقل الفلاشا الي إسرائيل اراد ايضا فضح نظام نميري امام اجتماع الجامعة العربية التي كانت مقرها لا تزال في تونس حينذاك اذ اخذ بمعيته ملفات خطيرة ذات صلة بترحيل الفلاشا وللأسف ألقي القبض عليه في السعودية وهو في طريقه الي تونس.بعد أشهر قليلة جدا سقط نظام نميري وتولي المجلس العسكري الانتقالي حكم البلاد بقيادة المشير محمد عبد الرحمن سوارالذهب وبدا سوار الذهب في محاكمة رموز وقادة امن الدولة المتورطين في العملية وكان علي رأسهم ,علي ما أذكر عمر الطيب,الفاتح عروة و عقيد امني من ابناء الجنوب يدعي دينق ليك(لقب فيما بعد بدينق فلاشا) و كنا نشاهد اجراءات محاكمتهم علي التلفاز اما شهادة الرائد عبد الله عبد القيوم فلم تبث علنا كيلا تتحرج السعودية امام الامة العربية والاسلامية . هذا بعض ما ظهر من تصرفات العرب السرية حيالة القضية الفلسطينية وما خفي اكبر واعظم!!!!. نعود لنرد لبعض مزاعم هؤلاء وبالتحديد إدعاءهم بأن خطر الولة الغبرية سيأتي من بوابتنا . اولاً:طبعا ليس هذا هو المقصود بل المراد تكبيل دولة الجنوب وتقييدها حتي لا تكون حرة في اختياراصدقاءها من دول العالم وكأن هؤلاء يريدون منا ان نقدم لهم كشفا باسماء الدول التي تنوي جمهورية جنوب السودان بناء علاقات سياسية,اقتصادية ,دبلوماسية معها..ويكون حق اختيار من يصلح وترك من لا يصلح حكرا علي الخرطوم!!!والا فمتي احتجت جمهورية جنوب السودان لدي الخرطوم بسبب اختيارها صديقا يراه الجنوب عدوا محتملا له!! فها هو احمد نجاد يزور الخرطوم ونعلم جيدا انه كان الممول الأكبر إن لم يكن الأوحد للعملية العسكرية التي سميتموها صيف العبور ونحن الأن نسميها صيف الهبوط. ثانياً:يقول الحديث النبوي الشريف:(لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) ولكن حكومة المؤتمر لدغت مرتين: ألم تضرب اسرائيل السودان مرتين في بحر زمن يقل عن ثلاثة اعوام؟ بالله عليكم اجبوني من أين أتت الطائرات الاسرائيلية المغيرة؟ أخشي ان تقولوا لي أنها قدمت من مطار مابان و قيقير الدوليين!!!أكيد لاسرائيل القدرة الهائلة و الكافية لضرب من تراه عدوا لها من تل ابيب مباشرة ولا اراها تحتاج الي هذا الذي يقال هنا او هناك ثالثاً:ربما قال قائل بان المقصود ليس الخطر العسكري المباشر بل الهيمنة علي الموارد الحيوية مثل مياه النيل وغير ذلك…وهذا ايضا مردود عليه فدولة الجنوب بوجود اسرائيل علي الكرة الارضية اوبدونها فان جمهورية جنوب السودان ستطالب بحصتها من مياه النيل وهذا يستلزم اعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة والتي لم يكن جنوب السودان طرفا فيها. رابعا:اطلبوا من اشقاءكم العرب قطع علاقاتها مع اسرائيل(مصر,الاردن, المغرب,قطر,موريتانيا) قبل أن تطلبوا من اخوانكم الجنوبيين!!! بعدم الشروع في بناء علاقة مع الدولة العبرية…يا جماعة عينكم في الفيل وتطعنوا في ضلو!!!!