كان مطار الخرطوم مزدحما في ذلك الوقت المتأخر من مساء الجمعة الماضية، عدد من الطائرات تغادر المطار في وقت متقارب، كنت استقل الإثيوبية إلى أديس أبابا ومنها إلى جوهانسبيرج، على مقربة كان يقف الفنان حمد الريح، رئيس اتحاد الفنانين ليستقل الطائرة المصرية إلى القاهرة. تحلق حوله الناس، وكان يعرفون سبب سفره، كان يبتسم وهو يطمئنهم على صحة الفنان زيدان إبراهيم، ويقول إنه مسافر خصيصا ليطمئن على صحته ويقف بجانبه. حين وصل حمد الريح إلى القاهرة كانت روح العندليب قد سافرت مودعة هذه الدنيا تاركة وراءها الأسى والحسرة عند محبيه ومعجبيه، وأكاد أتخيل مشاعر الفنان الكبير حمد الريح وهو يصل ويجد زميله وصديقه قد عبر بوابات الرحيل. لم يكن زيدان إبراهيم فنانا عاديا، ولعله الفنان الثاني بعد إبراهيم عوض الذي يتحول إلى نجم وظاهرة فنية واجتماعية، قبل إبراهيم عوض لم يعرف الفنانون ظاهرة النجومية بمعناها ومحتواها الأجنبي، إذ لا يستمع الناس لغناء الفنان فقط، لكنه يتحول لرمز اجتماعي وثقافي، يقلدونه في لبسه وطريقة تصفيف شعره ومشيته وكلامه. تنقل زيدان كالنحلة بين الشعراء والملحنين في مراحله الفنية العديدة، لكن أهم مراحله كانت ثنائيته مع عمر الشاعر التي شكلت فتحا غنائيا جديدا صعد به إلى أعالي النجومية، ومعظم أغانيه المعروفة والمشهورة هي من إنتاج تلك المرحلة. برحيل زيدان تغيب مرحلة جميلة وآسرة من مراحل الغناء السوداني، وتنطوي واحدة من أروع الصفحات الرومانسية التي شكلتها آهات العشاق ونجواهم و بللتها دموع المحبين الحزانى، وهم يتفاعلون مع صوت زيدان إبراهيم المعجون من طينة الحزن، حتى عندما يغني للفرح.