أفق بعيد فيصل محمد صالح [email protected] في وداع العندليب كان مطار الخرطوم مزدحما في ذلك الوقت المتأخر من مساء الجمعة الماضية، عدد من الطائرات تغادر المطار في وقت متقارب، كنت استقل الإثيوبية إلى أديس أبابا ومنها إلى جوهانسبيرج، على مقربة كان يقف الفنان حمد الريح، رئيس اتحاد الفنانين ليستقل الطائرة المصرية إلى القاهرة. تحلق حوله الناس، وكان يعرفون سبب سفره، كان يبتسم وهو يطمئنهم على صحة الفنان زيدان إبراهيم، ويقول إنه مسافر خصيصا ليطمئن على صحته ويقف بجانبه. حين وصل حمد الريح إلى القاهرة كانت روح العندليب قد سافرت مودعة هذه الدنيا تاركة وراءها الأسى والحسرة عند محبيه ومعجبيه، وأكاد أتخيل مشاعر الفنان الكبير حمد الريح وهو يصل ويجد زميله وصديقه قد عبر بوابات الرحيل. لم يكن زيدان إبراهيم فنانا عاديا، ولعله الفنان الثاني بعد إبراهيم عوض الذي يتحول إلى نجم وظاهرة فنية واجتماعية، قبل إبراهيم عوض لم يعرف الفنانون ظاهرة النجومية بمعناها ومحتواها الأجنبي، إذ لا يستمع الناس لغناء الفنان فقط، لكنه يتحول لرمز اجتماعي وثقافي، يقلدونه في لبسه وطريقة تصفيف شعره ومشيته وكلامه. كان زيدان إبراهيم هو نجم السبعينات، ونحن نخطو نحو مطالع الصبا والشباب، قلدناه في ملابسه وأزيائه العجيبة وقتها، وسحرتنا طريقته في الوقوف والغناء، وهو يفتح يديه ويضمهما وصوته الساحر يفجر مشاعر وعواطف الشباب بين "شقاء الأيام وسهر الليل"..و"في بعدك ياغالي" ..و"حبيب ما سألناه..ولكنا هويناه". كان صديقنا وجارنا مالك خضر، نضر الله أيامه في كندا، هو كبير معجبي زيدان، لم يغن شيئا إلا وحفظه، ولم يلبس زيدان شيئا مميزا إلا وكان مالك يملكه بعد أسبوع لا أكثر. وفي عز نجومية زيدان زار بورتسودان، التي كانت قبلة معظم الفنانين، فأصر مالك على دعوته للغداء بالمنزل، ولبى زيدان الدعوة، وكان ذلك مهرجانا استمتعنا به، وعاش مالك على ذكراه لسنوات. لم يأت زيدان إبراهيم في وقت سهل ولا وجد الطريق أمامه مفتوحا، فقد ظل يحاول منذ مطلع الستينات، حين كانت الساحة مزدحمة بالقادمين من الفنانين، الكابلي والطيب عبد الله ومحمد الأمين وأبوعركي، ولكل طريقته وأسلوبه المختلف من الآخرين، وقد وضع كل منهم بصمته المميزة في مسيرة الأغنية السودانية. المدهش في زيدان إبراهيم وهذا الجيل من الفنانين أننا لم نعرفهم كمقلدين لغيرهم، كما يحدث الآن لكل فنان جديد، بل عرفناهم بأغنياتهم الخاصة، وحتى الغناء القديم الذي قدمه زيدان وكابلي و الطيب عبد الله كان شيئا مختلفا يحمل أسلوبهم الخاص. تنقل زيدان كالنحلة بين الشعراء والملحنين في مراحله الفنية العديدة، لكن أهم مراحله كانت ثنائيته مع عمر الشاعر التي شكلت فتحا غنائيا جديدا صعد به إلى أعالي النجومية، ومعظم أغانيه المعروفة والمشهورة هي من إنتاج تلك المرحلة. برحيل زيدان تغيب مرحلة جميلة وآسرة من مراحل الغناء السوداني، وتنطوي واحدة من أروع الصفحات الرومانسية التي شكلتها آهات العشاق ونجواهم و بللتها دموع المحبين الحزانى، وهم يتفاعلون مع صوت زيدان إبراهيم المعجون من طينة الحزن، حتى عندما يغني للفرح. جوهانسبيرج الاخبار نشر بتاريخ 28-09-2011