في الأنباء أن السيد فلاديمير بوتين، رئيس وزراء روسيا الحالي، ورئيس روسيا السابق والقادم أيضا، طرح مشروعا لقيام اتحاد بين عدد من الدول لتشكل القطب الثاني في العالم. وقالت التقارير إن الرجل يريد العودة لمنصة الرئاسة للمرة الثالثة بمشروع كبير يدير رؤوس الناخبين، لهذا طرح هذا المشروع الذي قد يثير حنين بعض الروس لإمبراطوريتهم التي ضاعت، وقد يجذب الدول التي تضررت من سياسة القطب الواحد. وكثيرا ما انتقد بوتين سيطرة قطب واحد على مجريات السياسة الدولية، ويعني الولاياتالمتحدةالأمريكية، واعتبر أن تفكيك الاتحاد السوفيتي كان خطأ تاريخيا. لكن يبدو أن السيد بوتين، ومع الأسف الشديد، لا يقرأ الصحافة السودانية، ولا يتابع مجريات الأحداث في بلد كبير ومهم مثل السودان، ولا يستمع باهتمام للتصريحات اليومية للدكتور قطبي المهدي، أو أنه ضعيف في قراءة مجريات السياسة العالمية، وإلا لكان قد عرف أنه يعيد اختراع العجلة، ويحاول أن يخلق قطبا ثانيا، رغم أنه موجود ومعترف به. فالصحف السودانية حملت تصريحات للدكتور قطبي المهدي صباح الخميس تحمل تحذيرا شديدا للأحزاب التي رفضت المشاركة في حكومة المؤتمر الوطني ذات القاعدة العريضة، وإن كنا لا نعرف كم متر يبلغ عرضها. وحدد قطبي المهدي معالم الموقف بدقة:على الأحزاب أن تحدد موقفها بدقة، إما مع الإنقاذ وحكومة المؤتمر الوطني، وإما مع أمريكا وإسرائيل. ماذا يريد السيد بوتين أكثر من هذا، فالصورة واضحة ومفهومة، قطبا العالم هما أمريكا وإسرائيل من ناحية، وحكومة الإنقاذ/المؤتمر الوطني من ناحية أخرى، ولا يوجد حياد إيجابي ولا توجد كتلة عدم الانحياز. انتهى الزمن الذي كان فيه طرفا المعادلة السياسية بالسودان هما الجبهة الإسلامية من ناحية والشيوعيين من ناحية أخرى، أو قل كتلة اليسار كلها، وانتهى العهد الذي كانت المفاضلة فيه بين حكومة الإنقاذ وحكومة الحزبين التقليديين الأمة والاتحادي، وراح مع الأيام زمن صراع الإنقاذ مع خصمها التاريخي التجمع الوطني، ولم تعد هناك محاصصة من نوع إما معنا أو مع المؤتمر الشعبي. كان هذا زمن الدوري المحلي، عندما كانت الإنقاذ تلعب مع الفرق المحلية، لكن بعد كل ما حققته الإنقاذ وحزبها المؤتمر الوطني داخليا وإقليميا ودوليا، وبعد أن صار السودان من الدول الكبرى ، بدليل تأثره بالأزمة الاقتصادية العالمية وانتصاره في مجلس حقوق الإنسان، ترفع المؤتمر الوطني عن الصغائر من المعارك المحلية وترقى دوليا وصار يلعب في دوري الكبار أوي، أي الدوري العالمي مع أمريكا وإسرائيل. المؤتمر الوطني مشغول بالمعارك الكبرى وبقضايا الإنسانية ورسم تاريخ جديد للعالم، وهو يفعل ذلك بكل همته وقوته، فلا تشغلوه بارتفاع أسعار الضأن والطماطم، وعدم حفر المجاري للخريف، وانقطاع المياه في بري والثورات، وغيرها من “توافه” الأمور وانشغالات الدنيا الباطلة، وهو بعد أن رمى القفاز في وجه الأحزاب السودانية، وتحداها بجرأة شديدة أن تحدد موقفها بدقة، وبدون لولوة: إنتوا مع الإنقاذ والمؤتمر الوطني وللا مع إسرائيل؟ وثم من بعد السؤال للسيد بوتين نفسه، لا تتعب نفسك، القطب الثاني موجود، وعليك أنت أيضا أن تحدد موقفك بدلاً من الجري وراء قرغيزيا وروسياالبيضاء وغيرها من “سواقط” الدول: أنت مع المؤتمر الوطني أم مع أمريكا وإسرائيل؟