نورالدين محمد عثمان نورالدين.. عندما هبت ثورة اكتوبر المجيدة كان الشعب السودانى يناضل من أجل الديمقراطية ومن أجل حكم رشيد يمثل كل قطاعات الشعب ..كان يسعى لوضع نظام الحكم فيه القانون …وعندما إندلعت إكتوبر هب كل الشعب ضد حكم الفرد …حتى سقط الحكم العسكرى وذهب الى مزبلة التاريخ …وذهب الجيش الى السكنات وذهب الشعب الى مواقع الإنتاج وبقيت القوى السياسية تشاكس تارة وتتلمس طريقا للنظام المنشود تارة اخرى…وكان كل هذا يحدث وهناك ثقة غير محدودة من قبل الشعب لقيادته السياسية …والشئ الناصع فى ثورة الشعب السودانى هو انها كانت ثورة يتيمة فى المنطقة .. ثورة استثنائية فى ظروف استثنائية …كانت حينها التكنلوجيا فى بدايات تطورها لدرجة ان جهاز التلفزيون لم يكن إلا فى بعض البيوت الميسورة الحال وكانت كل الحارة احيانا تتابع التلفزيون فى منزل او منزلين مع ان التلفزيون كان فى الخرطوم فقط …حتى حينها لم يكن البث يتجاوز حدود شمال امدرمان فعندما تبتعد قليلا من العاصمة المثلثة ينقطع البث ..وتنقطع انت عن العالم ..فلم يكن هناك اتصالات ولا اجهزة كمبيوتر ولا موبايلات ولا انترنت …ولا حتى حمام زاجل …لم يكن هناك اى شكل من اشكال الاتصال سوى الجوابات المكتوبة والمرسلة باليد …كان هناك التلغراف وكان ايضا يعانى من بدائية شديدة …وكانت كل الاقاليم مستقلة استقلالا تاما عن العاصمة وكان هناك الكثيرين يولدون ويموتون وهم لم يشاهدوا الخرطوم باعينهم ولم يروا شارع زلط ولم يروا حتى سيارة فى حياتهم …فى مثل هذه الظروف كانت هناك مفارقات غريبة جدا كما ذكرت كانت هناك ثقة شديدة بين الشعب والقيادات السياسية وكان معظم الشعب ينخرط فى العمل السياسى وينتمى إلى التنظيمات السياسية أفرادا” وأسرا” …رغم صعوبة التواصل فى ذلك الوقت ..فحينها كان التواصل شفهيا فعندما تكون هناك مناسبة ما فى الجريف كان السبيل الوحيد لدعوة الأقارب فى الثورة هو ركوب المواصلات لساعات حتى تتم الدعوة ولكن رغم كل هذا كان هناك تواصل فى كل المناسبات الاجتماعية …تحت كل هذه الظروف ..إندلعت ثورة اكتوبر المجيدة …خرجت حينها جموع الشعب فى ساعة الصفر …لم تكن هناك رسائل عبر الموبايلات لم تكن هناك دعوات للشعب عبر الانترنت للخروج لم تكن هناك سوى منشورات الأحزاب السياسية وبيانات النقابات العمالية والتنظيمات الطلابية… خرجت الجماهير الى الشوارع شاهرين هتافات الثورة …شعب واحد جيش واحد…قسما عظما لن ننهار طريق الثورة هدى الاحرار…ياخرطوم ثورى ثورى ضد الحكم الدكتاتورى ..يسقط يسقط حكم العسكر …وتغنى بعدها الشعراء والفنانين للثورة والشعب باجمل الاغنيات الوطنية والاناشيد الخالدة ….كانت اكتوبر ملحمة لكل الشعب بكل قطاعاتة والوان طيفه فنانين واطباء وطلاب وعمال وموظفين …ونقابات ..واحزاب سياسية …ولكن للاسف لم تكن هناك فضائيات ..لنقل ثورة الشعب على الهواء لم يكن هناك كميرات لتوثيق الحدث لحظة بلحظة …لم تكن هناك موبايلات لإلتقاط الصور …كل ما تم توثيقة من ثورة إكتوبر كلمات مكتوبة عبر صفحات الكتب واستطاع الكثيرين التوثيق ولكن ليس من سمع كمن شاهد …ومازال الكثيرين من من ثوار اكتوبر احياء بيننا فمهما حاولوا التوثيق الشفهى لثورة اكتوبر وشعب المتاريس لن يستطيعوا ان ينقلوا الصورة كما كانت فى الواقع …واليوم عندما ننظر الى ثورات الربيع العربى ..فى تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا والبحرين والدعوات والحراك الذى نشهده فى بقية الدول العربية تاتى فى زمن تنتشر فيه سبل الاتصال فى كل مكان وتصل المعلومة فى ثوانى الى كل العالم ..ويتم توثيق المشهد الواحد من قبل الآف الموبايلات الحديثة وكميرات الدجتال ويتم بثها عبر اليوتيوب صوت وصورة …ويتم التواصل بين افراد الشعب والتنظيمات فى دقائق معدودة …وتخرج الجماهير الى الشارع تلبية لنداء شخص واحد …فثورة التكنلوجيا انجبت ثورات الربيع العربى …واليوم نحن فى السودان رغم تجاربنا العريقة كشعب فى الخروج للشارع والهتاف باسقاط النظام ..ورغم اننا كشعب اصحاب آليات مجربة نجحت فى اشعال ثورة اكتوبر وثورة مارس ابريل …مثل الكتابة على الحائط كشكل من اشكال التواصل …وتوزيع المنشورات والبيانات يدويا ..وتكوين خلايا لتنظيم الجماهير داخل الاحياء …رغم كل هذا الكم الهائل من التجارب المتراكمة …ورغم ان الشعب السودانى يحكمة نظام عسكرى بنفس نهج الدكتاتور عبود …والسفاح نميرى …ورغم وجود نفس الاحزاب السياسية التاريخية فى الساحة …لكن هناك مساحة كبيرة من عدم الثقة بين الجماهير والاحزاب السياسية وهناك فجوة كبيرة بين القيادات السياسية والمواطنيين وهناك ايضا مساحة شاسعة من عدم التواصل بين الشباب والقيادات التاريخية من جهة اخرى ..مع وجود كم هائل من الاجسام والتنظيمات المعارضة للنظام ولكن لا تنسيق ولا اهداف مشتركة بينها على الرغم من امتلاك الجميع ادوات التغير ودوافع التغير وسبل التواصل من اجل التغير… فهلا اعدنا النظر فى ادوات عملنا الجماهيرى ..حتى نحفظ لإكتوبر مجدها… مع ودى… [email protected]