1- - في مثل هذا اليوم( 28 اكتوبر 1964)، اي قبل سبعة واربعين عامآ، هبت الخرطوم في غضبة ضارية متوحدة صفوفها تحت قيادة القضاة الابرار الذين قدموااستقالاتهم ورفضوا العمل تحت القوانين العسكرية الجارية في البلاد وقتها، وتضامنوا مع الشارع الملتهب، ونزل الالآف من ابناء العاصمة المثلثة الي الشوارع متجهون الي القصر لاسقاط نظام عبود وعودة الحرية والديقراطية، كانت الهتافات ملء الحناجر” الي القصر حتي النصر، دماء القرشي تنير الطريق، مقصلة مقصلة امام القصر، الارهاب لن يثنينا، الي الثكنات ياعساكر، قسمآ قسمآ لن ننهار،سحقآ سحقآ للعساكر، الرصاص لن يفنينا، لن نتراجع ولن نتخاذل، دماء الشهداء لن تضيع، تسقط حكومة العسكر، لن يحكمنا القصر الفاسد، ضيعت البلد ياعبود “. 2- - وكانت كلما سارت المظاهرة واقتربت من القصر ازدادت الجماهير المتظاهرة عددآ…كانت مقدمة المظاهرة تمامآ وامام بوابة القصر من الناحية الجنوبية ومؤخرتها عند مبني معمل ( إستاك ) الطبي، وقدر عدد المتظاهرين بنحو 60 الف متظاهر (وهو رقم كبير بحساب ذلك الوقت). 3- - وازدادت الهتافات علوآ وحدة في مواجهة المئات من جنود الجيش الذين رابطوا بكامل عتادهم واسلحتهم النارية يحرسون مداخل القصر وعلي سماتهم علامات الارهاق والتعب الظاهريين من جراء الحراسة الطويلة للقصر وسهر ليالي عديدة بلا نوم او راحة، كانت ملامحهم مليئة بالغيظ الشديد لهتافات المتظاهرين الاستفزازية وتلويح بعض المتظاهرين بقبضات اياديهم في وجوة الضباط. 4- - بدأت الحشود الخلفية تدفع بشدة الحشود التي امامها في محاولة منها للوصول للمقدمة والاقتراب من القصر، وماعاد الفاصل كبيرآ بين المتظاهرون في الصفوف الاولي والجنود المرابطون خلف اكياس الرمال الا بضعة امتار، اي ان فوهات بنادق العساكر كادت ان تلامس ايادي المتظاهرون. 5- - وفجاءة وبلا سابق انذار، بدأت الاعيرة النارية تنطلق في الهواء كنوع من التحذير والارهاب من قبل الجنود،، ومع سماع اصوات الرصاص اختلط الحابل بالنابل وتشتت الجماهير فقد من سوء حظ من هم المقدمة انهم وبفعل الزحام (والمدافرة) اقتربوا كثيرآ من الجنود المرابطون خلف اكياس الرمل، عندها انطلق زخم من رصاصات الجنود ومباشرة في صدور وروؤس المتظاهرين فتناثرت الجثث وكان الجرحي يئنون في كل مكان ولكن لااحد وكان يستطيع ان يقترب ويحاول سحبهم لمناطق الامان، وعمت الفوضي في كل مكان وراح المتظاهرون ويحاولون مجددآ التجمع لمقاومة العسكر الا ان الصدمة كانت عند الغالبية قوية فكانت الأولية عند الجميع نجدة المصابين واخراج الجثث من منطقة العسكر. 6- - في يوم 28 اكتوبر 1964، كانت المستشفيات في الخرطوم في حالة طوارئ، وفي كل مرة تستقبل مشرحة الخرطوم عشرات الجثث المجهولة الهوية ممزقة برصاات العسكر، وبدآت حشود المواطنين وبعد سماعهم اخبار”لضرب” يوم ويسارعون لمستشفي الخرطوم بحثآ عن اخوانهم واقاربهم او لتقديم العون والتبرع بالدم، وتطوع المئات للعمل في المستشفي في مهن متعددة. بلغ عدد القتلي 177 قتيلآ منهم نحو 40 قتيلآ لم يتعرف عليهم احد. - الساحة التي سقط فيها القتلي سميت فيما بعد وبعد نجاح ثورة اكتوبر بإسم ” ساحة الشهداء “. - رحم الله شهداء اكتوبر، ولولا دماءهم الطاهرة الذكية لما تحققت احدي أعظم ثورات القرن الماضي.