أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهد عالمية ودروس سودانية
نشر في حريات يوم 03 - 11 - 2011

أهنيء القراء الكرام بمناسبة حلول عيد الفداء أعاده الله علينا بزمان ننعم فيه بالحرية وعدالة الفرص. وعيد الأضحية الذي يهل في صباح يوم وقفة عرفات عيد للانسانية جمعاء. «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق» سورة الحج آية 27. فالحج هو العبادة الوحيدة التي خوطب بها الناس جميعا على خلاف العبادات الأخرى التي تخاطب المسلمين وحدهم مثل الصلاة والزكاة والصوم.
و«الحجيج يمشون على خطى آباء البشرية والحج حجة على الناس» كما كتبتُ السنة الماضية في حينه تلخيصا لدراسة «آذان الأنعام» التي قدمها الشقيقان د.عماد وباشمهندس علاء محمد بابكر حيث أوردا في ذلك الكتاب القيم أن الحج عبادة تجسد سنويا تلكم اللحظة الحاسمة في تاريخ الانسانية: لحظة هبوط آباء الانسانية من جنة المأوى «أو جبل عرفات» الى الأرض. ولمن أراد الاستزادة عليه الاطلاع على مقالي المشار اليه أو لمزيد من تعمق فيجد وطره في الدراسة المدهشة -آذان الأنعام التي تفسر القرآن الكريم برؤى جديدة.
يقولون إن العاقل من اتعظ بغيره، بينما الشقي هو الغبي الذي لا يتعظ ويكون هو عبرة للآخرين. وأمام الطغاة بين ظهرانينا والآخرين وكذلك أمام الشعوب المتطلعة للحريات وأمام المسلمين وأمام كل العالم تدور مشاهد مهمة تصلح لاستلهام الدروس واستخلاص العبر لمن أراد به ربه خيرا، مشاهد رغم بعد المسافات التي تفصلها جغرافيا لكنها تبدو للمتأمل بروّية ذات صلة ما ببعضها بعض، وخيوط تجمعها كما النغمات المتناغمة في معزوفة عبقرية. وهي مشاهد جعلها تطور الاتصالات ووسائل التقنية الحديثة معروضة لأعين العالم ساعة وقوعها :
المشهد الأول: مصير العقيد القذافي والميتة الشنيعة التي ختمت حياة ملك الملوك في ليبيا في يوم الخميس 20 اكتوبر 2011. نهاية عكست في بشاعتها مدى الغبن الذي يكنه المقهورون لجلاديهم، وكيف يستنسخ ذلك الغبن – حسب درجة عنفه، ضحايا بمواصفات الجلادين، وبرغم ثورتهم على الطغاة يصير الضحايا نسخا متكررة من هؤلاء الطغاة . وبكلمات خلدون النبواني في مجلة الحوار المتمدن العدد 3414 في 2يوليو 2011 :«إن أخطر ما تتعرض له الضحية في صبرها على قسوة الجلاد وساديته لا يقتصر على آلام الجسد وقروحه وجروحه النازفة بل في تشوهات الروح التي تقود الضح?ة الى انحراف نفسي خطير يتمثل في تقمصها شيئا فشيئا لشخصية الجلاد وطباعه بتحول صبر الضحية إلى غضب كامن ينتظر لحظة الانتقام» انتهى. فما أن تدور الدوائر ويتمكن الضحايا من الجلادين حتى تتملكهم رغبة عارمة في الثأر والانتقام دون تحكيم لعقل أو استحضار لمعايير أخلاقية بما يجعلنا أمام مسرح يتسيده قانون الغاب وأبطاله مجردون من الانسانية هم محض: مفترس وفريسة وكان ذلك – للأسف هو المشهد الليبي والذي ندعو في خشوع أن تطوى صفحته: بالمحاسبة على التجاوزات والنظر للمستقبل.
تلك النهاية المأساوية عنفا، وعنفا مضادا تقدم درسا للطغاة : تدرككم الثورة ولو كنتم في بروج مشيدة !
وفي الوقت ذاته تقدم نموذجا قميئا لتجاوزات الثوار مما يجب تجنبه بضبط النفوس وكظم الغيظ وأن تكون المحاسبة مقيدة بحقوق الانسان وما أمرتنا به الحنيفية السمحة، إن صار الثوار هم الأعلون.
عند نظرنا مليا لصورة فوتوغرافية ،ناطقة رفعها متظاهرون سوريون تجمع بين الرؤساء الأربعة الذين عصفت بهم ثورات الربيع العربي في بلدانهم وهم في أوج ملكهم وصولجانهم وعند ذيل صورة كل رئيس المصير الذي آل إليه: وهم على حسب الترتيب في الصورة: مبارك، القذافي، علي صالح، بن علي وأخذت اللقطة التي تجمعهم على الأرجح في مؤتمر للقمة العربية لأن السيد عمرو موسى يظهر في خلفية الصورة المذكورة. الصورة تظهر الرؤساء الأربعة وهم في حال ركنوا فيها لأنفس أمارة بالسوء، لم يخطر على بال أحدهم قط: أن الملك الدائم والكبرياء هما لله وح?ه، من شاركه فيهما قصمه. ويظهر في الصورة: مبارك حاكما ومبارك في المحكمة على سريره النقال، القذافي حاكما والقذافي مسجيا على الأرض مضرجا بدمائه، علي عبدالله صالح حاكما ثم صورته محروقا مشوه الوجه، بن علي حاكما ثم صورة للطائرة التي هرب بها إلى حيث يقيم حاليا. «الصورة نشرت أيضا على صحيفة الصحافة 23 اكتوبر 2011 تحت عنوان :تراجع التسامح وارتقاء ثقافة الانتقام لعبة قتل الرؤساء العرب».
باستعراض مصائر الرؤساء – صرعى الربيع العربي، تقفز ملاحظة مهمة: كلما تشبث الرئيس بالسلطة أكثر وقتل وسحل شعبه كلما ارتفع الثمن الذي يدفعه على حساب سلامته الشخصية وكذلك على حساب استقرار الأوضاع في البلد المعني: فبن علي حي يرزق وهو حر لاستجابته المبكرة نسبيا لمطالب الثوار وقد استطاع ثوار تونس بسرعة – برغم المعوقات، العبور لامتحان نجاح الثورة الحقيقي: بما شهد العالم من انتخابات نزيهة ومشاركة تصويت عالية بلغت نسبتها 90% ما ينم عن الشعور بالمسئولية ومواصلة العمل على انجاح أهداف الثورة، ومبارك الذي كان أكثر عن?ا ولكنه سلم الراية البيضاء قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة ما بلغته في ليبيا واليمن وسوريا: هو سجين اليوم ويحاكم في بلده ولكنه يلقى العلاج ومعاملة 5 نجوم ! وفي مصر اليوم ما زالت الثورة تتحسس سبلها وما تواجه من تحديات. وندعو لها برجاء ملحاح :أن تخرج من تحدياتها، آمنة مطمئنة. وقد كانت نهاية القذافي العنيفة ممثلة لذروة نتاج العناد والتمسك، بحكم منتهي الصلاحية، والأوضاع في ليبيا هي الأسوأ لأن التغيير كان بمساعدة الناتو وأفرز العنف المضاد، اللا متناهي الذي تحدثنا عنه في المشهد الليبي أعلاه.
برغم الوضوح الذي يظهر للناظرين المراقبين والنتيجة الوحيدة التي يتسلسل لها المنطق السليم لمن هم خارج الحدث يبقى السؤال – ذو الشقين، الذي يبحث عن إجابة: هل يستجيب الطغاة للدروس؟ وهل يعلم المنقلبون عليهم ،خطورة الانتقام على أنفسهم وعلى بلدهم في المقام الأول؟
للشق الأول من السؤال يفيدنا استطلاع للرأي طرحته صحيفة الراكوبة الالكترونية اخيرا عن: هل ترى أن الطغاة قد يجدون العبرة في النهاية التي آل اليها القذافي؟ أجاب نحو 66.9 % من المستفتين ب«لا». تلك النتيجة مع عموميتها تلخص المشكلة: فالعقبة الكبرى التي تحجب الطغاة من الرؤية هي السلطة نفسها والاستمرار انفرادا في مقاعدها أزمانا دون توقع للتبادل السلمي للسلطة ما يدخل في روع الطغاة أنهم ولدوا ليحكموا فإن هلكوا فالحكم لأبنائهم أو لمن يمثلون امتدادا لأنظمتهم، ما يؤدي لخلل في منظار الرؤية لدى الحاكم لعوامل أهمها مدى?الدائرة قصيرة النظر الملتفة حوله التي لا تريه الا ما يؤكد وجهة نظره تلك، وما يساير هواه «دراسة عن برنامج الغضب التراكمي الأسباب الظاهرية لتسع ولايات، اعداد أ. قسم السيد سيد أحمد».
وقد بدا عدم الاستفادة من الدروس «بسبب الخلل في منظار الرؤية والسباحة خارج الشبكة» واضحا في مواقف كل من طاله التغيير في العالم العربي بعد تونس. فمبارك قال ان مصر ليست تونس والقذافي قال ان ليبيا ليست مصر ولا تونس .كما أن نتائج ذلك الاستطلاع تجد لها دلائل ونماذج في واقعنا السوداني الماثل الذي نعيشه أو نطالعه في الصحف وما تنقله أجهزة الاعلام المختلفة، مثلا : لدى زيارة البشير للبطانة في سبتمبر الماضي قيل انه سأل عن معارضين ليعرف «رأيهم شنو؟»
فأجابه المتزلفون :«ما لقينا معارض نجيبو!»
أو التصريحات التي تكشف عن حالة الانكار والانقطاع عن الواقع بصورة مرضية بما ذكره الرئيس البشير نفسه في حواره مع السوداني في 23 اغسطس 2011عن أنه لا يوجد مفسدون كبار في الدولة وبكلماته: «طيب اذا ما في مفسدين كبار نحن نخلقهم لنحاكمهم؟». وفي صحف الأحد 30 اكتوبر يقول البشير: «ان الشعب يتظاهر معهم وليس ضدهم»!
تصريح وزير المعادن د. عبد القادر الجيلاني لدى مخاطبته الجمهور في جبيت بخصوص أن الانفصال لن يؤثر على اقتصاد الشمال: لأن الذهب «بسد الفجوة وأبوها» و«سنؤسس بورصة للذهب وسنأتي بدبي للخرطوم»!
وتصريحات مساعد رئيس الجمهورية السيد نافع علي نافع في مؤتمر حزبه التنشيطي في ود مدني :«هذه الأحزاب تناست أن جميع أهل السودان مؤتمر وطني!»
ومثل حالة مستشار الرئيس مسئول العلاقات الخارجية د. مصطفى اسماعيل الذي يصرح بأن سقوط الأنظمة سببه القمع والحظر السياسي ويقول – مثل الحرامي الذي على رأسه ريشة: «ان القيادة السودانية واعية لذلك، لذا هي تتيح العمل السياسي والحريات والعدل»!
أو في تعليق د. أمين حسن عمر، مستشار الرئيس البشير على انتصار الثورة الليبية :«المحنة التي انقلبت منحة!»
لا أعتقد أننا نحتاج لجمع المزيد من مثل تلك التصريحات التي يفلح واحد منها فقط في إثبات هذا الإتجاه المنكر للواقع، السادر في غيه، والذي يغني وحده للوصول الى نتيجة مؤسفة :في اذان الطغاة وقر وفي أعينهم غشاوة.
أما بالنسبة للشق الآخر من السؤال الذي يتساءل عن مدى استفادة الشعوب من المشهد الليبي مثلا، فنرجو أن نجد الحل البديل للانتقام في درس سوداني عن التسامح ، قدمه الإمام الصادق المهدي في محاضرة شيقة عن الانسانيات واللاانسانيات السودانية في 23 اكتوبر 2011 في منتدى كمال ميرغني الثقافي بالملازمين والتي عقب عليها الأستاذ حسين خوجلي، حيث عدد الإمام صفات نسبها للإنسانيات السودانية ومن بينها التسامح: « ان التسامح من الصفات التي أنقذت السودان بصورة حقيقية في مراحل عديدة على طول تاريخه الحديث» ثم تتبع كيف ارتبطت تلك ال?فة الفاضلة السمحة بتاريخ السودان بما جعل جل التغيير فيه يتم بطريق غير دموي» انتهى. هذا التاريخ المتسامح نرجو أن يشفع لنا اليوم في السودان بحيث يكون التغيير الحتمي القادم متناسبا مع إرثنا السياسي ومتناسبا مع كسبنا التراكمي، ليشعل الأمل في نفوسنا تطلعا لأن يكون السودان مُعّلما ومثلا يحتذى لراغبي التغيير في جميع أنحاء العالم : تغييرا باليد ما بالسنون ، دون دماء أو خسائر فادحة.
المشهد الثاني:
الفوز الكاسح الذي حققه حزب النهضة التونسي بسبب الطرح المتسامح الذي قدم به الإسلاميون في تونس برنامجهم : إقتداء بالنسخة التركية وفرارا من النسخة السودانية ما طمأن بقية الأحزاب، في زمن صار فيه الشعار الاسلامي فزاعة مخيفة ليس بفعل الأعداء وحدهم بل بالنماذج الكريهة المشوهة التي ترفع باسم الإسلام، فاعتدال الطرح الإسلامي لأتباع النهضة زكاهم عند الناس إضافة لصمودهم وصبرهم على البلاء في ساعة القهر ومقدرتهم على المحافظة على روح التنظيم سليمة في شكل جمعيات طوعية وفي المساجد. ولا بد أن السيد راشد الغنوشي زع?م حزب النهضة التونسي الذي زار السودان بعد نجاح ثورة الياسمين قد وقف على حال النسخة «السودانية» المزرية للتجربة الإسلامية وقد انتقدها هنا في الخرطوم وقال عنها في حواره مع اسلام اون لاين: المشروع الإسلامي في السودان امتداد لعجز أصيل في تاريخنا السياسي: العجز عن إدارة الاختلاف سلميا والمسارعة إلى سيف الحجاج. كما اعتبر أن التجربة الإسلامية في السودان فشلت فشلت ذريعا لأن الإسلام قانون حياة كامل لكنه عند التطبيق يخضع لقانون الممكن «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها…» البقرة آية 286. فكان همه الأول تجنبها في بلاده? تجنبه الأجرب ما تمخض عنه ذلك الفوز الكاسح الذي حققوه في الانتخابات . طبعا تلك النيات الحسنة للاسلاميين في تونس ليست نهاية الطريق وعليهم يقع واجب مقدس :هو اثبات أن الاسلام دين أنزل ليكون صالحا لكل زمان ومكان وليرث الأرض وما عليها.
ونحن اليوم في السودان قد لا نكون على دراية كاملة أو تفصيلية بما هو مطلوب تحديدا لكي تنجح الديمقراطية في السودان أو لكي ننجح في مشروع اسلامي مماثل ،لكننا متأكدون 100% مما نريد تجنبه. وعلى طغاة السودان التأمل مليا في تلك الفروق الجوهرية: بين حصادهم المر في السودان :المشروع الذي وطأ الوسائل وأهملها في طريقه لتحقيق «الغايات» ببرامج ميكافيلي كامل الدسم حتى طال الفساد الأهداف ذاتها وانتهت دولة المؤتمر الوطني الى مستنقع آسن ينكره حتى بعض أهله ويفر منه الجميع، وبين قطف اخوتهم في تونس: الذين أدركوا أهمية الأسال?ب والوسائل المتبعة لتحقيق الأهداف ما أكسبهم مصداقية وبالتالي منحهم الثقة الشعبية اللازمة للفوز في الانتخابات.
المشهد الثالث :
مظاهرات وول ستريت المستمرة التي اندلعت منذ 17 اكتوبر 2011 ، وقد بدأت في نيويورك مدينة المال والأعمال احتجاجا على سيطرة البنوك وجشع الرأسماليين وسلطتهم في الدولة وتفشي الأزمة الاقتصادية وبدء خروجها من السيطرة بهدف اسقاط النظام الرأسمالي وقد امتدت الثورة الى مدن أمريكية أخرى والى كل العالم بوسائل المظاهرات والاعتصامات المستوحاة من الربيع العربي وقد كتب محمد علي صالح في الشرق الأوسط: الربيع العربي يستنهض الروح الثورية الأمريكية وقد كانت تلك هي المرة الأولى التي يعترف فيها الأمريكيون بأن العرب مصدر الهامهم.
وهنا يجدر بنا التأمل من زاويتين فمن ناحية يثبت هذا الحراك فشل الرأسمالية بعد فشل الشيوعية في القرن الماضي ما يترك الباب مواربا للبدائل الصالحة ولا شك أن المباديء الاسلامية المرتبطة بالنظام الاقتصادي تشكل نهجا مثاليا ينقصه التنزيل في الآليات الموائمة وطبعا لا نتحدث عن النماذج التي تستخدم الاسلام لسرقة الناس فمثلما أوضح د. النجار الملقب بأبي البنوك الاسلامية :نصف نظام ما، بأنه اسلامي أو لا ، حسب قربه أو بعده من مشاركته في عملية الإنتاج.
ومن الزاوية الأخرى ينبؤنا هذا الحراك بأن النظم الديمقراطية تستطيع إصلاح نفسها من داخل مؤسساتها وتعالج منقصاتها وتظلمات مواطنيها بالنقاش الحر وبمثل تلك الاحتجاجات السلمية من اعتصامات وتجمعات وقد فطنت ديمقراطيات عديدة لتوحش السوق الحر وقسوته فألجمته بضوابط الرعاية الاجتماعية كما حدث في الديمقراطيات الاجتماعية مثل السويد وفي هذا المجال أيضا للاسلام ما يقوله كما يقول كثير من الاقتصاديين القائلين بإمكانية الطريق الثالث في المرجعية الاسلامية.
ومن زاوية ثالثة يعكس مشهد وول ستريت المقتدي بثورات الربيع العربي وطرائقها اعجابا بنموذج نجحت شعوبنا في تقديمه من خلال ثورتي تونس ومصر وما تعكسانه من انضباط ومسئولية وعمل جماعي ويحكي هذا المشهد في وول ستريت والأنحاء الأخرى في العالم عن إمكانية التواصل الحضاري بين الإنسانية جمعاء عوضا عن الصراع ، ما يكسب شعوبنا المقهورة الثقة في الذات والتطلع لانقاذ البشرية بالرسالة المحمدية «وما أرسلناك الا رحمة للعالمين» الأنبياء آية 107.
أما الخيط الذي نراه يربط بين كل تلك المشاهد فهو الحاجة الماسة للتسامح خاصة في شكل الاسلام الذي نريد تقديمه للعالم فنجاح ذلك النموذج بعد فشل التجربة الشيوعية والرأسمالية يطرح الاسلام المتسامح والمتدرج في التطبيق بديلا قويا :لأن الاسلام لا يسد ثغرات تلك التجارب في النواحي الاقتصادية والأبعاد الأخلاقية فقط بل يقدم معينا روحيا للمتعطشين للأغوار الروحية وهم كثر .فهل يصح بهذا الخصوص الحديث المروي عن الرسول «ص» «ألا وإن من آدم إلى ثلة وأنا وأمتي ثلة ولن تكتمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الابل ممن شهد أ? لا الا الله وحده لا شريك له»؟ ويكون السودان بذلك هو الوطن الموعود بريادة العالم .
وربما يكون أيضا من قبيل الصدف السعيدة أن يكون ميقات هذا المقال في أيام العيد الذي ينبغي أن تحتفل به الإنسانية جمعاء .
وسلمتم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.