كنا اليوم الأربعاء الثالث من نوفمبر 2010م في حرم دار الأمة نحضر ندوة تحدث فيها سكرتير حزب الأمة القومي بولاية الخرطوم الأستاذ عبد الرحمن محمد صالح والأستاذة أم سلمة نواي عضوة المكتب السياسي للحزب ثم رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي. عنوان الندوة كان: (التدخل الدولى ومدى إساهمه في حل أو تعقيد مشكلات السودان) وقد أدلى كل بدلوه.. في الحقيقة لم تعجبنا فكرة الشراب الأمي الصرف وقد عودنا المنبر أن يأتي بوجهات نظر مختلفة ليس من حزب الأمة وحده، ونأمل أن يعودوا لسابق عهدهم في المستقبل، لأن التعدد قوة حتى في الرؤى.. كلمة السيدة أم سلمة كانت إضافة حقيقية وهي تتحدث بدراية وثقة حول مآلات التدخل الأجنبي في أبيي وكيف حول قضية كانت في أسوأ الفروض قضية نزاع قبلي إلى مسألة قومية بل دولية حينما دخل البعض بمطامعهم في نفط أبيي.. قل إمريكا! وحينما تحدث السيد الصادق المهدي نبش آلامنا المفتوحة أبدا فما تندمل.. لست وحدي، هل من وطني ينام قرير العين في هذه الأيام؟ حكت لي السيدة الكاتبة القديرة هادية حسب الله إن أمها معلمة (بالمعاش) من ذلك الجيل الذي شارك في صنع أحداث أكتوبر.. أيام مليئة بالزهو الوطني أيام قال ود المكي قولته (من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر).. قالت، كانا في مائدة الطعام حينما بدأت والدتها تفتح دولاب الذكريات، وحينما صمتت وقالت لابنتها أين كنا وأين نحن الآن؟ وها نحن نتعامل كأن شيئا لم يكن والبلاد إلى أين هي ذاهبة ونحن نأكل!! ورفعت يدها عن “صينية" الطعام ثم انخرطت في النحيب؟ لكنه لا كنحيب التماسيح الذين ضج بصورهم موقع الراكوبة! يقتلون القتيل وفي جنازته يمشون! قال الإمام الصادق المهدي: الما بعرف ما يدوه يغرف، يكسر الكاس، ويحير الناس! وكان قد كرر هذا المثل كثيرا وهو يصف أهل “الإنقاذ" بيد أن ذكره اليوم كان موجعا.. لأن الكاس المكسور اليوم هو الوطن! يا إله السموات والأرض! هو الوطن! - يتفقون على استفتاء تديره مفوضية مختلف عليها، وسيختلفون على النتائج كما اختلفوا في الانتخابات، الحركة الشعبية قالت المؤتمر الوطني زورها، وقد فعل. والمؤتمر الوطني قال الحركة الشعبية زورتها، وقد فعلت! - وكل طرف الآن يقول إن الطرف الآخر سيزور الاستفتاء. - والاستفتاء المختلف على نتائجه معناه الحرب. والحشود على الحدود ليست الدليل الوحيد. - والمجتمع الدولي يتدخل بكل بلادة.. قال الإمام الصادق: كطفل يبحث عن “حلاوة حربة" هي الاستفتاء. وما فائدة التدخل الشكلي من مؤسسة كمجلس الأمن الدولي مهمتها الأساسية حفظ السلم والأمن الدوليين، أن تزور الخرطوم وجوبا في وفد في أكتوبر الماضي لتهبهب على نار الحرب وتنحاز لرؤية طرف على الآخر، أم لتدلق عليها ماء يطفئها: تقول نتنفق على إدارة أممية مقبولة من جميع الأطراف ونطفئ البؤر الملتهبة. - وكيف يجري الاستفتاء وكل طرف يتهم الآخر بانه يقهر الحريات في عقر داره.. الحركة الشعبية على الأقل عقدت مؤتمر جميع الأحزاب في 13-15 أكتوبر المنصرم شارك فيه جميع منتقديها، وأقرت توصياته التي شاركت في وضعها الأحزاب السياسية المعارضة ووضعت بصماتها من ضرورة إتاحة الحريات.. أما جماعة (الما بعرف) فإنهم كل يوم يوهطون للقيود مقعدا.. حريات هذه وحجبها خير دليل.. وفي الشمال نحو مليوني جنوبي سيصوت المؤهلون منهم (فوق 18 سنة) في الاستفتاء. - المشكلة ليست الوحدة أو الانفصال. الوحدة المطروحة الآن بشروط الفترة الانتقالية مستحيلة والانفصال المطروح الآن بسعي البعض في الحركة الشعبية والمجتمع الدولي قفزة في الظلام، بدون تأمين بؤر الالتهاب ونزع فتيلها، وبدون ضمان الاتفاق القومي على المستقبل، ولا اتفاق أهل الجنوب وأهل مناطق التمازج وأهل الشمال على حقوق الجماعات والأفراد.. هي في الحالين وصفة لحرب متعددة الجبهات لها طلع كأنه رؤوس الشياطين.. - ودارفور، برميل بارود، ينفجر اليوم وغدا أكثر. كيف يجري الاستفتاء بدون حلها؟ وماذا سيحدث للنازحين الجنوبيين في الشمال وفي دارفور وأعدادهم ليست قليلة؟ أم سيجري عليهم ما جرى على النازحين أيام الانتخابات من إهمال بل تغييب قصدي؟ حذر الإمام من أن يوضع السودان تحت الوصاية الدولية لو جرت الأمور على نهجها الحالي، وغدا سنغذي المنطقة بحروب شمالية/ جنوبية وشمالية/ شمالية، وجنوبية/ جنوبية، ونؤكد أنه ليس في السودان عقلاء! وأضيف: أو أن عقلائه مكممون أو مطاردون وحمقاه يرسمون خارطة الطريق.. هل ذلك مجرد حمق؟ لا بد أن بحر إليليا أبو ماضي كان سيرد على مثلما رد عليه..لست أدري!.. ولكن الحماقة نفسها ليست بالشيء القليل: لكل داء دواء يستطاب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها! قال الصادق في نهاية كلامه إن النميري عقد اتفاقية السلام ولم يلتزم بها فتفجرت في 1983 حرب أسوأ من تلك التي أنهاها.. والآن يمكن في 2011 أن ندخل حربا أسوأ من تلك التي أنهيناها في 2005م. المثل يقول إن الذي لا يعي درس التاريخ يكرر أخطاءه، ليشمر هذا الشعب ويدرك المطلوب ويسعى إليه، راجيا أن نكون ممن يعون دروس التاريخ. وأقول: إن الأسوأ في مشهد الحاضر أننا لن نكرر أخطاء التاريخ فحسب، بل سينكسر الكأس نفسه يتشظى.. اللهم احفظ السودان، ولا تجعل لنا ذلك المصير المشئوم! آآآمين! وليبق ما بيننا