تسريبات ويكيليكس وبروكسل.. ولا زال يعوعي! (2-3) رباح الصادق في الحلقة الأولى تعرضنا لغيوم متلبدة حول قضية أبيي وأكدنا أن استفتاءها بحسب قراءة الراهن ربما صحت قراءة الفاتحة عليه إذ ربما راح في حيص بيص، ولا زالت أطراف ما ذكرنا معلقة نواصلها في المرة القادمة بإذن الله. وكنا بدأنا نعلق على ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية المثير (بحسب تعبير صحيفة حريات الإلكترونية) وهي المجموعة التي مقرها بروكسل وتعد أنجح منظمة في متابعة مشاكل أهل الدنيا ونزاعاتهم وبالتالي تخصصت في السودان تخصصا تحمد عليه إذ كانت تتابع ما يدور في كل أزمة جنوبا وغربا وشرقا وغيره، تحلل، وتجمع المعلومات «المغتغتة ولكنها ليست فاضية» ثم تنشرها فشكلت ثقبا في حائط التكتم السميك المضروب على أحداث السودان الهامة ومن ضمنها مفاوضات الشريكين، وصارت مخبرا موضوعيا بالمآسي البالغة في مناطق الصراع ويحجبها عنا الإعلام الداخلي. تقرير المجموعة الأخير المثير كان بشأن مفاوضات الشريكين حول قضايا ما بعد الاستفتاء. على صعيد آخر أفصح موقع ويكيليليكس (التسريبات الحرة: فالويكي عبارة عن موقع يتيح إدخال المعلومات للجميع بسهولة). نال موقع ويكليكس ورئيس تحريره الأسترالي جوليان بول أسانق جائزة منتسبي سام آدم للنزاهة في الاستخبارات SSAII للعام 2010م بسبب مده بالوثائق الأمريكية السرية حول حربي العراق وأفغانستان. ولأنه لا بد لنيل الشهد من إبر النحل وكما يقول الإمام المهدي «المزايا في طي البلايا، والمنن في طي المحن» فقد ابتلي بسبب تسريباته حول الدبلوماسية الأمريكية بحنق كبير عليه و»حملة كراهية ضده في أمريكا» بحسب الغارديان. وحتى السيدة الوزيرة (كلينتون) علقت مستاءة مما جاء في الويكيليكس وأمريكا قامت ولم تقعد وتحقق حول كيفية هذه التسريبات من وثائق سرية رسمية ما ينبغي للسابلة من أمثالنا الاطلاع عليها في الويكليكس! تسريبات الويكليكس حول السودان ليست ذات أهمية كبيرة وإن كانت تسبب الغضب الأمريكي، ومن ضمنها ما نشره الموقع مؤخرا ونقلته جريدة “المصري اليوم" من أن برقية دبلوماسية أمريكية بتاريخ أكتوبر 2009 نقلت عن مسئول مصري اقتراحه تأجيل استفتاء جنوب السودان ما بين أربع وست سنوات لأن « النتيجة ستكون إقامة دولة غير قابلة للبقاء يمكن أن تهدد موارد مصر من مياه النيل". لو كان الأخوة الأعداء في قصور الخرطوم يقرأون أو يدركون أو يبصرون لعلموا ما وراء هذا الخبر، واستطاعوا مراجعة الأوراق في حوض النيل بشكل أفضل. إن مصر جارتنا وحبيبتنا وأختنا ولكن ليس تحت تاج أو ما ينادي إليه الثنائي المدهش (سوار الذهب ومسار)! والوقوف خلف ما ينادي به الموقف الرسمي المصري في حوض النيل معناه ببساطة أن نكرر موقفا أحمقا تتخذه جارتنا الشمالية، وكثير من المستنيرين والعاقلين فيها يعلمون أنها المتضرر الأول منه: إن الموقف الأجدى هو الحوار المفتوح وبصدر مفتوح بين دول الحوض فالحساب (بنت نجيضة) وستكون المحصلة كسبية. كم هي حماقة الوقوف مع ذلك الموقف المتزمت المتعنت والذي لا يرى غير مصر ومصلحتها كأن كل دول الحوض الأخرى محض غثاء، ويسعى لفرض أوراقه عبر المجتمع الدولي (أمريكا)، وهو ينفخ في النهاية في قربة مقدودة: هل تسمع أمريكا همس مصر أم همس إسرائيل؟ هذا سؤال لا يتلتجلج فيه ولا حتى بليد فما بالك باللبيب؟ ونحن نقف مع مصر في مقاطعتها لاتفاقية حوض النيل الشاملة فأخرناها معها، ورفضنا توقيعها في 14/5/2010م بعنتبي، وانسحبنا عن مبادرة حوض النيل.. إذا كانت مصر يصدق عليها ما يصدق على الحاقن المزنوق وصاحب الحاجة الأرعن، فما بالنا نحن؟ إننا في الحقيقة لا نقف موقفها إذ لا زلنا لم نستهلك نحو 4,5 مليار متر مكعب من حصتنا في النيل، ومصر التي تأخذ 55,5 مليارا تطالب الآن ب67 مليار أي بالمزيد، بينما دول أعالي النيل هي في أي اقتسام جديد صاحبة الحجة الأقوى فالنيل الذي ينبع منها تخرج منه بلا قطرة ماء! بدلا عن أن نوعي مصر ونبصرها ونشرح لها «برواقة» ونهدد روعها ونطفيء النار في يدها ونحن يدنا في الماء، ولا حاجة لنا تجعلنا رعناء، ونحسب لها حساب المعادلات الكسبية التي يكسب فيها الجميع إذا ارتضت بالآلية التي كونتها مبادرة حوض النيل والتي يمكن أن تحصد ببعض المشروعات نحو 57 مليار متر مكعب إضافية، صرنا نسير وراءها ببلاهة يحسدنا عليها هبنقة! قال الكاتب ذي البصيرة السيد ثروت قاسم: إن تضارب المصالح الحقيقي هو بيننا وبين مصر وليس بيننا وبين دول الحوض، فمصر استخدمت نفوذها مع المانحين غير مرة لتعرقل تعلية خزان الرصيرص والتي تجعلنا قادرين على استثمار حصتنا المهجورة في اتفاقية 1959م والتمدد في الأراضي المروية وهذا ما لا تحبه مصر. وكلامه صحيح لأن مصر تضع عينها على تلك الحصة ويسيل لها لعابها وقد كانت تتسلفها من السودان حتى نوفمبر 1977م. وللغرابة فإن (الأخوة الأعداء في قصور الخرطوم) عاموا لمصر في عومها كذلك حينما قلبوا الأولويات الإستراتيجية السودانية من التعلية لإنشاء سد مروي مهما قال الخبراء السودانيون من أن الأولوية للتعلية مسألة حياتية للسودان، وهو أمر سنناقشه في مرة قادمة بإذن الله ونكتفي هنا بالقول، إن وراء تسريب الويكيليكس دروسا للمستفيد، وتدبرا لصاحب البصيرة، أما (ديك المسلمية) فلا زال يعوعي! لنعد لما سربه للرأي العام السوداني والعالمي تقرير مجموعة الأزمات الدولية. لقد أكد لنا التقرير أن استفتاء أبيي كما تابعنا قد تم التخلي عنه من قبل الطرفين ولكن الإعلان سيكون بعد الوصول لبديل مجد. والأرجح أن يكون ضم أبيي للجنوب بموجب مرسوم رئاسي وإعطاء قراصنة المؤتمر الوطني فدية من قبل الجنوب والمجتمع الدولي، بحد تعبير السيد باقان أموم. قال التقرير إن الجنرال سكوت غريشن سلم الطرفين مقترحا في نيويورك فتسلمه عن المؤتمر الوطني سيد الخطيب، وقتله في أديس أبابا المستشار صلاح غوش وقد ذكرنا ذلك تفصيلا في الحلقة الأولى، وأكد التقرير أن المؤتمر الوطني يتلكأ عنية غير آبه بالمخاطر التي يجرها ذلك على السلم والاستقرار في البلاد. وفضح التقرير منطق الابتزاز والقرصنة الذي اتخذه المؤتمر الوطني بدون مراعاة للمصلحة الوطنية، وكيف استجابت أمريكا بجزرات أوائل نوفمبر فصلناها وهي معلومة للقاصي والداني، ولكن المؤتمر الوطني بقي متوجسا فقد وعدته أمريكا من قبل عشية اتفاقية السلام ولكن لم تنجز كل وعودها. كذلك مثلما أتقن النظام ما سماه التقرير «سياسة حافة الهاوية»، فإن المجتمع الدولي أتقن ما نسميه «سياسة أرنب نط..تراني بنط» في وقت لاحق وسينفذها لو قدم للمؤتمر الوطني تنازلات أكبر مما يستحق وبسبب ضغط الزمن وإلحاح قضية الاستفتاء- لأنه إنما ينتظر للدقيقة الأخيرة لوضع المجتمع الدولي في حالة: خذ أي شيء، أي شيء، ولكن اجر الاستفتاء واعترف بالنتيجة وتقبل دولة الجنوب المستقلة! رذالات المؤتمر الوطني وحماقات المجتمع الدولي والحركة الشعبية تفوح من التقرير بشكل سافر! ذكر تقرير مجموعة الأزمات الدولية خمسة سيناريوهات للاستفتاء المزمع في 9/1/2011م: 1) إجراؤه في وقته واعتراف الخرطوم بالنتيجة، أظهر التقرير أن هذا» السيناريو في الواقع معناه التوصل لتسوية تفاوضية حول الاستفتاء الذي هو في المقام الأول ممارسة احتفالية، لتأكيد إرادة شعب جنوب السودان. في هذه الحالة تتنفس الجهات الدولية الفاعلة الصعداء». تعليق: أليست حماقة من المجتمع الدولي أن يلهث وراء إجراء استفتاء شكلي أو احتفالي؟ هل هي قضية وحدة وانفصال لشعب عاش موحدا مع كل ما يعني ذلك من تشابكات إنسانية وعاطفية وتاريخية ومصالح مشتركة وجماعات متداخلة و..و.. أم جزر يقضم وميزات تعطى لمن يحمل السلاح؟ 2) إجراؤه في وقته وعدم اعتراف الخرطوم بالنتيجة، أكد التقرير أن سلامة مراحل التسجيل والاقتراع من الناحية الفنية تقلل من مساحة رفض النتيجة، ولكن الاستفتاء في النهاية حدث سياسي، وأن المؤتمر الوطني سيبحث عن الحجج بل قام أعضاءه البرلمانيين بطعن في المحكمة العليا ضد مفوضية الاستفتاء لمخالفة القانون في الجدول الزمني الذي وضعته، وقال إن النتيجة الواضحة ستحد من أثره هذه المطاعن ولكن « ليس هنالك ما يعادل مصادقة المؤتمر الوطني على العملية». وهذا السيناريو سيجعل المجتمع الدولي في حيرة من أمره، ولكن لجنة الاستفتاء التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة برئاسة الرئيس التنزاني السابق بنجامين مكابا ربما لعبت دورا رئيسيا في تقييم العملية وستتبعها دول الاتحاد الافريقي والمجتمع الدولي على نطاق أوسع. تعليق: لماذا يأمر المؤتمر الوطني بالبر وينسى نفسه؟ كم مرة خرقت مفوضية الانتخابات القانون وصمت المؤتمر الوطني بل دعاها لخرق القانون في مرات عديدة.. ألم يكن يتذكر يوم الاستفتاء القريب أم كان يراه بعيدا كما قال التقرير في بعض ما قال؟.. الشاهد. إذا تحقق هذا السيناريو فنحن لا نستفتي في الحقيقة شعب جنوب السودان، بل نستفتي السيد بنجامين مكابا ولجنته.. ولا حول ولا قوة إلا بالله! 3) تأخير الاستفتاء ومطالبة الحركة الشعبية بموعد جديد، يستبعد التقرير احتمال التأجيل، ولكنه يقول في حالته فلا بد من وضع خارطة طريق واضحة للموعد الجديد، وإنه «من شأن الاتفاق على أجندة ما بعد الاستفتاء أن يقلل احتمال سعي المؤتمر الوطني لإطالة أمد العملية مزيدا». تعليق: رئيس مفوضية الاستفتاء السيد محمد إبراهيم خليل هو من يطالب الآن بالتأجيل في طلب تقدم به للرئاسة، والمؤتمر الوطني يرحب، ونائبه السيد تشان رياك مادوت يقول إنه يختلف مع تقييم رئيس المفوضية بان المسؤولين يمكنهم الوفاء بموعد التاسع من يناير رغم قرار اتخذ مؤخرا باعادة فتح عطاء لطبع أوراق الاقتراع وتأخيرات اجرائية أخرى. وأن (أي تأجيل لا يحظي بتأييد في الجنوب). 4) تأخيره أو تقويضه وإعلان الحركة الشعبية للاستقلال من جانب واحد: وأكد التقرير أن الجنوب سيكون هكذا تحت رحمة المجتمع الدولي وإنه برغم تطمينات من البعض فمن الواضح لجوبا أنه لا أحد يحبذ إعلان الاستقلال من جانب واحد. وأن فرص نيل اعتراف تكون أكبر إذا كان الإعلان في 9 يوليو 2011م وليس 9 يناير 2011م لتكون الحركة قد استنفدت كافة البدائل. تعليق: ما بال هؤلاء القوم هل هم عمون؟ فلماذا إذن اتفاقية سلام منذ البداية، وإذا كان بالإمكان قبول إعلان استقلال من جانب واحد فهل هذا يعني أن الخرطوم ستطبق يديها وتتفرج بسبب حمرة عين أو خضرتها في المجتمع الدولي؟ ألم يسمعوا بالقلاقل وحروب الوكالة التي أثيرت أيام حرب الاتفاقية الباردة، ألم يتوقعوا أن تشتعل النار وتؤجج أيان الحرب صاحبة الاسم؟. 5) تأخيره أو تقويضه وإجراء حكومة الجنوب للاستفتاء بنفسها. ناقش التقرير منطق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية كل يغالط ضد هذا الإجراء ومعه وتهديد المؤتمر الوطني بأن ذلك يعني نقض اتفاقية السلام. تعليق: كل السيناريوهات في الحقيقة نقض لاتفاقية السلام في روحها.. إنها كانت تعني الاحتكام الحقيقي لشعب الجنوب لتقرير مصيره بعد أن تكون أسس الوحدة العادلة قد أرسيت في الست سنوات بعد الاتفاقية. لكن ذلك لم يحدث، وهذه سيناريوهات هي عبارة عن تفريعات على جزر وعيون حمراء ونوايا سوداء متبادلة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والمجتمع الدولي، ولا عزاء للشعب السوداني.. إن التقرير يظهر كذلك كيف صارت الحركة الشعبية والمجتمع الدولي في كفة، والمؤتمر الوطني في كفة، وهو يحفر حفرة هنا ويمكر مكرا هناك، وينسى كلام الخالق ألا يحيق المكر السيء إلا بأهله، ثم يملأ أسماعنا ضجيجا، وهناك في المطابخ العالمية تهيأ له الصاجات.. من قال إن ديك المسلمية يعوعي بينما بصلته تقلى في النار؟ نواصل بإذن الله وليبق ما بيننا