سليمان حامد بمناسبة مرور سبع سنوات على اتفاقية السلام الشامل أخذت الحكومة المركزية في الربع الأول من العام 2009 (1⁄21) مليار جنيه بينما أخذت حكومة الجنوب 0.3 مليار جنيه من المبلغ المفترض والمعتمد في الربع الأول من العام وهو 0.8 مليار جنيه أما بالنسبة لابيي وهي منطقة مشتعلة توشك – في ذلك الوقت – على الانفجار، فكان نصيبها 7 مليون جنيه من جملة (1⁄220) مليون جنيه كان من المفترض صرفها في الربع الأول من الموازنة. وبعيداً عن شعارات الوحدة الجاذبة التي برهنت على خوائها وخداعها، فقد كان نصيب دعم الوحدة (30) مليون جنيه من الجملة المقررة وهي (90) مليون جنيه ولابد أن نشير هنا – ونحن نتحدث عن الأزمة الشاملة للبلاد – أن كل مناطق السودان لم تتسلم نصيبها المقرر حسب قانون قسمة الموارد والثروة الذي أجيز داخل المجلس الوطني. إلى جانب أن صناديق دعم الشرق ودارفور لم يرد ذكر لها في قسمة الموارد والثروة ولم تتم الإجابة على أسئلتنا المتكررة عن عدم ورود مخصصات هذه الصناديق وما هي أسباب ذلك. ولم نجد إجابة حتى مغادرتنا للمجلس الوطني. نحن في الحزب الشيوعي نبهنا السلطة من داخل المجلس الوطني منذ العام 2006 عند مناقشة الموازنة العامة إلى أن المبالغ المخصصة للمتضررين من الحرب في دارفور ويقارب عددهم الأربعة مليون نسمة، لا يمكن ان الا يراد في الموازنة أي إسهام أو تعويض للخسائر التي بلغت (4) ألف قرية بكامل محتوياتها إلى جانب المزارع والأسواق ناهيك عن الخسائر البشرية وما مس كرامة الإنسان رجلاً كان أم امرأة. يحدث هذا في حين أننا نجد أن مخصصات الأمن والدفاع وقطاع السيادة بلغت (126) مليار دينار في ذلك الوقت. وأن الحكومة تسعى لشراء مقاتلات وقاذفات في الوقت الذي وقفت فيه الحرب في الجنوب وكانت المساعي جارية للوصول إلى تسوية سلمية في دارفور. ما كان للغبن الاجتماعي أن يصل إلى تلك الدرجة لو أن الثروة كانت تقسم بعدالة. فالاستقرار يأتي بالعدل وليس بالقهر. ففي ذلك الوقت لم يكن السودان فقيراً بثرواته المنتجة مثل البترول أو المشاريع الزراعية مثل مشروع الجزيرة وغيره، ولو كانت إيرادات الذهب والمعادن الأخرى التي تفوق الخمسين مليون دولار في العام، وإيرادات المؤسسات التي تشارك الحكومة برأسمال أساس فيها تصب عائداتها في خزينة الدولة وتضمن في الموازنة مثل مشروع سندس، البنك الإسلامي .. الخ، والمؤسسات التابعة للأجهزة الأمنية مثل: مجموعة قادرة للاستثمار وشاكرين وبشائر للبترول وغيرها. كذلك لم تكن – حتى ذلك الوقت (موازنة 2006) تصب في خزنة الدولة – عائدات صادرات المشتقات البترولية وتبلغ أكثر من 114 مليون دولار في العام. وإيرادات ديوان الزكاة البالغة (240) مليار دينارا في عام 2004، ويتوقع في ذلك الوقت أن ترتفع في العام 2005 إلى (312) مليار دينارا وقلنا في ذلك الوقت أن هذا ما هو ظاهر من جبل تجنيب وإهدار أموال الدولة لتوضع في غير ما هو مخصص. أنه رغم مرور سبع سنوات على اتفاقية السلام الشامل، وهي سنوات مترعة بالتجارب الحية والمريرة، ورغم مرور ما يقرب من ربع قرن على حزب المؤتمر الوطني في الحكم، فإنه يواصل الآن ذات السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المنحازة لشريحة الرأسمالية الطفيلية التي دمرت البلاد أرضاً وشعباً. وليس أدل على ذلك موازنة 2013 التي سارت على ذات نهج الموازنات السابقة حذو النعل بالنعل. فأولويات الصرف في الموازنة تذهب للأمن والدفاع والشرطة والقطاع السيادي بما يبلغ 8.67 مليار جنيه بينما المخصص للصحة في كل السودان 0.5 مليار جنيه والتعليم 0.4 مليار جنيه والصناعة 0.1 مليار جنيه، بينما لا توجد أي زيادة في المرتبات والأجور بل نقص المخصص لها بمقدار 0.12 مليار جنيها وزادت الضرائب بنسبة 145% .(راجع بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي – الميدان 13/12/2011) ورغم ذلك الحال المثقل تعاسة وبؤساً ويوشك فيه الاقتصاد على الانهيار يتم تشكيل حكومة لا علاقة لها ب(الرشاقة) كما جاء في تصريحات المؤتمر الوطني، قبل تشكيلها، بل هي مترهلة ومكتنزة وكاملة الدسم. فعدد الوزراء ليس( 15 )كما أعلن، بل وصل إلى (31)وزيراً، إضافة إلى (35) وزير دولة. إلى جانب رئيس الجمهورية ونائبيه، ومساعديه الذين يبلغ عددهم (5) ومستشاريه ال(12). أما إذا ذكرنا الولاة ونوابهم والمعتمدين الوكلاء والمناصب العليا في الخدمة المدنية فإن الصرف على هؤلاء من مرتبات وعلاوات وبدلات لا يحصى عددها، فإنها تبتلع الرقم الأكبر في الموازنة ولا تترك شيئاً فائضاً للتنمية والخدمات ودعم السلع الأساسية. ولهذا فإن الأزمة الشاملة للبلاد ، مع العجز في ميزان المدفوعات والديون المستحقة السداد ستتفاقم وتتصاعد بوتائر أسرع مما هي عليه الآن وستزداد معها أزمة الحكم. إن الحل الجذري – كما جاء في بيان المكتب السياسي المشار إليه آنفاً – يكمن في إسقاط هذا النظام عبر جبهة عريضة من كافة الأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الأخرى بكل فئاتها وقيام حكومة وطنية ديمقراطية تلتزم بالبرنامج الوطني الديمقراطي الذي توافقت عليه قوى المعارضة على أن يتم ذلك عبر مؤتمر دستوري قومي يتفق فيه على الدستور وبرنامج الحكم والمؤتمر الاقتصادي القومي الذي يضع خطة طويلة المدى تستهدف التنمية المتوازنة في كافة أنحاء البلاد ويراجع قسمة السلطة والثروة لتجنب التهميش وإفرازاته التي قادت في نهاية المطاف إلى انفصال الجنوب. هذه هي بعض أهم التجارب والدروس التي استلهمها الحزب الشيوعي من تجربة اتفاقية السلام الشامل والاتفاقيات الأخرى التي لم تر النور بسبب سياسات المؤتمر الوطني المتمثلة في: وقع على الاتفاقيات لكن تباطأ في التنفيذ أو لا تنفذ.