يوم الجمعة يوم عيد وفرحة، نكهته خاصة في نفوس الجميع، يستقبل بابتهاج وطقوس مغايرة لما عليه بقية الأيام الأخرى. يوم تجتمع فيه الأسرة جميعها.. الأب والأم والأبناد والأحفاد الكل في استرخاء يستمع بعضهم إلى بعض دون عجلة أو جرى خوفاً من التأخير عن أداء التزاماتهم اليومية.. تجيء المشروبات الساخنة على مهل ويجيء الفطار، قل أم كثر، على مهل، إذ الغاية هي لمُّ الشمل بعد الشتات الأسبوعي. ثم يبدأ الاستعداد لبيوت الله العظيمة… كل متخذ مكانه في معية كتاب الله.. منهم الراكع… ومنهم الساجد… ومنهم القارئ في كتاب الله في صمت رهيب ومنهم القارئ سراً بما فتح الله به عليه من آياته الكريمة… والكل في خشوع كامل تاركاً معاناته… ومشاكله وراء ظهره.. فهو في معية الخالق جل شأنه.. في خشوع تام أو هكذا يجب أن تكون عليه الحالة عندئذ. والخشوع يعتبر شرطاً لكمال الصلاة.. ولا تصح بدونه إذ تجيء ناقصة إذا افتقرت إلى الخشوع.. والأمر بشأنها عند البارئ سبحانه وتعالى… يقبلها أو يردها وإن كان ردها أقرب من قبولها في تلك الحالة… والله أعلم. وما يحول دون الخشوع أسباب متعددة بعضها يرجع إلى المصلى نفسه وبعضها مصدره غيره من المصلين… بل بعضها يعزى لبعض الأئمة أما ما يرجع إلى المصلى شرود ذهنه في المشاكل الدينوية. معاناة أو رخاء وإن كانت الغلبة للمعاناة.. وعندئذ فإن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كفيلة بانصراف الشرود بإذن الله وتوفيقه. أما الأسباب الأخرى، الخارجة عنه، فإن بعضها مرجعه السلوك غير القويم لبعض المصلين وبعضها الآخر يرجع إلى مسلك بعض الأئمة. والأولى منها هي ما يعرف بتخطي الرقاب أي المجيء بعد اكتظاظ المسجد تماماً والاصرار على الفوز بمكان في الصفوف الأمامية… فيدلف الواحد منهم ويقف متفرساً للأمكنة متلفتاً يميناً وشمالاً حتى إذا استقرت عينه على بُغيتها، عندئذ تبدأ رحلة التخطي.. دون اكتراث لما قد يلحق الجالسين من أذى نتيجة ذاك العمل المنهي عنه، غير عابئ بما يسببه ذلك التخطي من مضايقات حتى يصل إلى المكان المرصود والذي قد لا يسعه لضخامة جسمه… ويكبر.. ويصلي التحية… ثم يجلس متربعاً بعد أن يكون قد أزاح من أزاح من الجالسين قبله… وعندئذ تتضايق النفوس وتتكدر.. ويطير الخشوع بجناحيه… والعياذ بالله.. فإن كنت لزمت يا أخي، هداك الله، مكانك الذي يتناسب مع ساعة مجيئك وقبلت بما قسمه الله لك من مكان لظل المصلون في خشوعهم… ولكسبت وكسبوا أجراً عظيماً. أما الأئمة فإنه يلزمهم، حسب رأينا المتواضع، مراعاة أمور أهمها عدم التطويل وتوخي المواضيع المناسبة غير الخلافية وترك ما عدا ذلك لأوقات أخرى سواء عقب صلاة الجمعة أو قبل صلاة المغرب أو.. أو المهم اختيار الأوقات حتى تؤتي مواضيعهم الثمار المرجوة منها. فالاطالة والتكرار والخوض في المواضيع الخلافية من شأنها تشتيت أذهان المصلين.. خصوصاً المواضيع التي تتعدد فيها الآراء.. وهذا من شأنه الاطاحة بالخشوع.. والذي لا معنى للصلاة بدونه بجانب هذا وذاك من العوامل الطاردة للخشوع عدم ملائمة الموضوع لحظة عرضه. وأسوق مثالاً لعدم الملاءمة، حتى في المواضيع غير الخلافية، اثارة موضوع الطلاق والالمام بقواعده كخطبة للجمعة.. وقد كان ذلك في احد المساجد.. إذ خاطب الامام المصلين بعد الحمد والصلاة على النبي الكريم قائلاً… ان أكثر الناس يجهلون قواعد الطلاق… وبدأ في شرحه… شروطه وأصوله.. و.. و.. سبحان الله… إذ يجد الانسان نفسه متسائلاً… هل هذا الموضوع على أهميته وشرعيته… هل كان ملائماً ليوم الجمعة… اليوم الذي قامت فيه الزوجات بواجبهن خير قيام منتقيات لأزواجهن خير الحديث وخير المأكل وخير الملبس والتي ودعته داعية له المولى بالقبول.. يجيء بعد كل ذلك ليستمع إلى كيفية أداء الطلاق إن اراده… سبحان الله… إذ لو علمت الزوجة ذلك مسبقاً لما هيأت لبعلها الخروج من المنزل وهن في ذلك صاحبات باع طويل.. فموضوع الطلاق موضوع غير خلافي ولا بأس من الالمام بقواعده.. ولكن بأية حال، فإنه لا يتناسب مع يوم الجمعة اطلاقاً.. إذ انه طارد للخشوع وبدونه تصبح الصلاة حركة آلية لا معنى لها ولا مضمون…. فيا هؤلاء ويا هؤلاء أيرضيكم هذا؟؟ أد. د. محمد الشيخ عمر تعليق شكراً بروف محمد.. وعذراً لتأخير نشر هذه المساهمة المهمة والمفيدة.. والتأخير كان لأسباب ليس من بينها الاهمال أو التجاهل.. ولك العتبى حتى ترضى. هذا مع تحياتي وشكري