رسالتان غاضبتان وصلتا إليّ عبر بريدي الإلكتروني في فترات متفاوتة، والقاسم المشترك هو “الغضب الإنساني”، فواحدة تعبر قلق “زوجة”، والثانية ” تعبر عن مخاوف ” شقيق”، مع أن الرسالتين من أسرتين مختلفتين؛ إلا أن القاسم المشترك أيضا هو أنّ الأسرتين هما أسرتا زميلين من زملاء العمل الصحفي، وهما أسرة الزميل جعفر السبكي، وابو ذر على الأمين، فقد نقلت لي الأستاذة منى بكري قلقها على زوجها أبو ذر علي الأمين؛ المسجون بسجن كوبر في قضية “رأي الشعب “الشهيرة منذ مايو الماضي، ولمدة عامين بعد أن صدر حكم من محكمة الاستئناف بالتخفيف لمدة عامين، وتخفيف سجن الزميلين أشرف عبد العزيز، وطاهر أبو جوهرة لمدة عام بدلاً عن عامين في مقال شهير، وتتلخص رسالتها في ضبابية موقف السجن من السماح بالزيارة، حيث أشارت إلى تعرضها لضغوطات في بداية الأمر بسبب أنها تحمل بطاقة “محامية”، وهي مهنتها، لكنّها تزور السجن بصفتها الشخصية لمقابلة زوجها، ثم أكّدت أنّ التعامل بعد ذلك كان “طبيعياً” لكن يوم أمس قالت لقد “ تمّ منعي من الزيارة اليوم لسبب أجهله، رغم محاولاتي المستميتة لأن أشرح لهم أنّ زوجي مسجون، وأنني أقوم بتوصيل أدوية وغذاءات له وذلك نسبة لأنّه ما زال يعاني من الآم الكلية إثر الضرب الذي تعرض له من قبل جهات معروفة قبل نقله إلى سجن كوبر، وتواصل منى في رسالتها” أنّ استجداءاتي لم تفلح أو تجد نفعاً، حاولت مقابلة السيّد مدير السجن أو نائبه أو الضابط المسئول وعرفت أنهم لن يتمكنوا من مقابلتي اليوم بسبب أنّ هنالك 5 حالات إعدام سيتم تنفيذ حكم الإعدام فيها. طال انتظاري كثيراً وتعذّر لقاء أي مسئول بالسجن”. وعبّرت عن حيرتها من الأمر، وقالت “في بداية سجن أبي ذر قبل حوالي سبعة أشهر، خلال هذه الفترة شهدنا تاريخا طويلا جداً مع الزيارة بين المنع والسماح، تمّ منعنا من الزيارة في البدء وبعد ذلك منحونا يوماً واحداً في الأسبوع على أساس أنّ أبا ذر سجين سياسي، رغم أنّه لا يمكث مع المسجونين السياسيين بعنابرهم فرفض أبوذر ذلك وأعلن عن إضرابه عن الطعام، وقال بما أنّه موجود بعنابر السجناء العاديين فيجب أن تتم معاملته على أنّه سجين عادي وغير سياسي على حسب تصنيفات السجن. وبعد ذلك سمحوا لنا بالزيارة العادية. وتساءلت منى عن المعايير المتبعة، وفي الحقيقة فإنّ منى زوجة قبل أن تصنف أنها ” محامية”، وتطالب بحقوقها في الزيارة لمقابلة زوجها الذي يحتاج للدواء ولا يزال يعاني، وبدورنا نعرف أن للسجن لوائح وقوانين، وأن هناك تعاملات طيبة في المستوى العام؛ لكن هذا لا ينفي وجود ” تفلتات”، أو ” تعامل بالمزاج” أحياناً، وإن لم يكن في الأمر “سياسة عامة”، أو ” توجيهات إدارية” ؛ لكن الأمر يتطلب التدخل وحسم الأمر لمراعاة الظروف الإنسانية لزوجة تريد رؤية زوجها، أو أطفال مشتاقون لمقابلة والدهم، أو أم متلهفة لمعانقة ابنها؛ ولاشك فإنّ القانون “روح”. إنّ من ينفذ القوانين هم بشر عاديون لهم طبائعهم “الإنسانية” بقوتها وبانكساراتها. أمّا أحمد السبكي شقيق الزميل جعفر الصحفي بصحيفة الصحافة، فقد أرسل لي رسالة منذ أيام يبث عبرها مناجاة للجهة التي تحتجز شقيقه، ويقول وأنا واحد من أفراد أسرته الصغيرة التي لا تعرف مصير ابنها، وما هي أسباب اعتقاله؟ ويروي قصة اتصالاتهم مع الجهات الأمنية منذ أن تمّ اقتياد السبكي من الصحيفة يوم الأربعاء 3112010، ويؤكد أنّه كتب عدداً من المذكرات لمقابلة شقيقه، لكن بعض الجهات نفت وجود السبكي معها، ويروي أحمد حال أطفال صغار يسألون عن “بابا”، ويحلمون بعودته إليهم؛ حاملاً ” حلوى”، أو آيسكريم” لتضيء ابتساماتهم الزمن الأغبر.