شاعرنا الكبير محمد السالم حميد، هو أفضل من عبر عن حالة مزارع الجزيرة في ملحمته عم عبد الرحيم ، أو الموت مرتين، فحكومات تأتي وأخرى تسقط، وحال المزارع هناك يتراجع نحو الأسوأ، وما بين السياسات المتناقضة، والشعارات الرنانة، يموت أهلنا يومياً؛ لا بسبب الملاريا، والبلهارسيا أو الاستستغاء وحدهما؛ بل بسبب الحكومة أيضا، وأقصد هنا حكومة “الانقاذ.” وحيكومات تجي وحيكومات تغور، وهم يالفنجري”… ومع رفع شعارات النهضة الزراعية، والنفرة ، أو الثورة الخضراء يغرق المزارع وسط لجة الشعارات والمصالح، والسمسرة، والتي قد يرتكبها بنكاً يحمل أسمه، أو يحمل اسم الزراعة؛ لا فرق، وللحصول على تمويل يحتاج المزارع المنهك أن يمر عبر 16 تربيزة من ترابيز المشروع، والمحليات، أو البنوك ، فماذا تتبقى من طاقة بعد ذلك للانتاج؟. ويؤكد المزارعون أن ذلك “البنك” الذي يفترض أن يكون نصيرهم، لأنه لهم “نظرياً؛ يعمل “سمساراً في “بيع الأسمدة والسيوبر، أما البنك الثاني فهو الجهة التي تطالب المزارع “بفاتورة” من البنك الآخر، على طريقة “شيلني وأشيلك”، والاثنان يشيلان “المزارع ويريدان أن “يشيلانه في ستين داهية”، وحليل “زمن الشيل” والذي كانوا يطلق عليه الاسلامويون “الربا”، وهو أفضل من كثير من صيغ المضاربات والمرابحات وعقود السلم الاسلامية، والتي ما زادت المزاع سوى فقراً، وما أضافت للمشروع العتيق سوى ” بؤسا ويباباً”!. والبنوك تشترط على الحصول على التمويل ” سداد الديون”، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل شخصاً معسراً، أو غارقاً في الديون، فتلاحقه الصناديق والبنوك والمؤسسات ، والتي من بينها “ديوان الزكاة” لسدد “زكاة الزروع” ولو “بالقوة” في وقت يغرق فيه في الديون من شعر رأسه إلى أخمص قدميه المتعبتين!، هذا يحصل فقط في أزمنة الدولة الاسلامية، ومشروعها الحضاري الأكذوبة. ونعود لقصة التمويل، فهي أيضاً قصة من الفجائع، والأحزان ، و” ألقحنا يا قدال أو يا حميد” بما يصور لنا مآل الحال، حيث يشترط خلو طرف من الديون، أو شيك يقدم للصرف في منتصف الشهر الجاري، مع العلم أن معظم المزارعين لا يعرفون التعامل مع البنوك، وليست لديهم أرصدة مالية، لا في البنوك، ولا ” تحت الأرض”، وبعد ذلك تم تقدير تكلفة الفدان الواحد بحوالى (500) جنيهاً، ليس من بينها الترحيل، ورسوم المياه، و”الخيش” أو الجوالات الفارغة، ليكون متوسط التكلفة 2000 جنيه في وقت يحسب فيه سعر جوال القمح بحوالى مائة جنيه، أي أن المزارع سوف يدفع 20 جوالاً مقابل التمويل، ومن غير الزكاة، والمصاريف الأخرى، وباختصار شديد على المزارع أن يزرع، وأن يحصد، وأن يحمل حصاده لخمسة أشهر إلى بنوك المؤتمر الوطني. هذا هو الواقع، لكن ما هي النتيجة؟ عزوف جماعي عن الزراعة بعد أن كان مقرراً زراعة 350 ألف فدان بمشروع الجزيرة بمحصول القمح، نشير إلى أن مواقيت الزراعة المثالية في مشروع الجزيرة بالنسبة للقمح هي حتى منتصف نوفمبر الماضي، فيما يفترض أن تكون أول “رية” أي سقاية الزراعة بالماء قد اكتملت ببداية ديسمبر، لكن الحال غير ذلك، فالري هو أيضاً أزمة. وقد اعترف اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل بوجود قصور في الاعداد لموسم القمح الشتوي، وطالب الاتحاد بالتحقيق مع وزارة الزراعة والبنك الزراعي وادارة مشروع الجزيرة، لأن وقت زراعة القمح قد مضى فيما حذر تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل من فشل الموسم الشتوي الحالي وذلك لتعثر التحضيرات المتعلقة بالتقاوي وتوفير المعينات، ولفت الى ان الفشل سيتسبب في خسائر كبيرة واوضح ان ذلك ما حدث في الموسم الماضي، ونبه لعدم وجود جهة لرعاية موسم القمح واستند على ذلك بما وصفه بغياب الادارة والجهات المسؤولة، وانتقد المسؤولين عن النهضة الزراعية ووصف دورهم تجاه المزارع بالسلبي. لكن التداعيات لن تكون على المزارع وحده، فهي ستنتقل لكثيرين وسوف تؤثر في اعداد عدد 25 مليون رغيفة يلتهمها السودانيون يومياً، مع ارتفاع سعر الدولار، وسعر القمح كذلك، وبعدها سيأكل الجميع في “خاطرهم” سوى الانقاذ لأنها من “غير خاطر”.