"ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    وزيرا الداخلية والعدل: معالجة قضايا المنتظرين قيد التحرى والمنتظرين قيد المحاكمة    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الشان لا ترحم الأخطاء    والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    دبابيس ودالشريف    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المبادرة … أو الفسوق !
نشر في حريات يوم 31 - 01 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم..
ياسر بامسيكا..
من طبيعة التغيير المنشود، ان يكون معبرا عن تطلعات الشعوب، بصورة امينة، غير مشوشة بقذى الخوف من البديل، و ليس مطلوبا منه استهلاك طاقته الابتدائية فى ممحاكات التبرير لجدواه او توقيته او ما يبدو من تعدد مشارب القوى المنخرطة فيه، فكل ذلك معلوم للقاصى و الدانى، و اى محاولة لاعادة اكتشاف عجلة حق غير متطابقى الرؤى، فى الدخول فى أحلاف الفضول العديدة، هى مجرد عملية اعادة، لانتاج ما يعطل التغيير المنشود، ويمثل تجاوزها اولى خطوات الانفكاك مما يفرق الشعوب، سعيا الى ما من شأنه اقتلاع الحقوق الطبيعية، و لا يعقل – و الحال كذلك- التقوقع فى مربع لعن الظلام و التوهم بسرمديته و انتفاء جدوى محاولة تبديده، ما لم تسطع الشمس!، متناسين أن سرمدية الظلام مجرد وهم يغذيه الخوف من اشعال الشموع. وفى الجانب الآخر من معادلة التدافع، تضغط الأنظمة القمعية باتجاه التكريس، للإعتقاد بتوقف حركة التاريخ عندهم، و عبثية محاولة حياكة شكل مختلف عما قسمه الله للناس! و هو شأن له خبراؤه –كل فيما تخصص فيه- و ضاربو طبوله، فى هذه الأنظمة.
تعمل الأنظمة القمعية منذ أن تستولى على السلطة ، بصورة محمومة على استغلال ما يمكن تسميته بالتفكير الاستاتيكى الذى تتميز به مجتمعاتنا المحلية، و هو ضرب من التفكير تشبه بنيته أعراض شلل الاطفال، فالانطلاق من البدايات، المتمثلة فى تطلعات التغيير نحو احترام كرامة المواطنين و حقهم فى التعبير عن المطالبة بحقوقهم” و هو شيئ لا يختلف عليه مواطنان”، يقفز فوق ضرورة المراكمة التدريجية المتأنية لخطوات التغيير – بما فى ذلك نشر الوعى بالتغيير و جدواه- مباشرة الى النتائج الحالمة المتجاوزة لامراض الوضع القائم ، و أعراض حمى البدايات للوضع الجديد فى آن واحد.
و لهذا تكون النتيجة الحتمية للفشل فى “تقدير موضع الخطو”هو الوقوع منذ اللحظة الاولى. و يقابل ذلك موضوعيا، سيادة اليأس، التقوقع فى مربع اللافعل، و الاكتفاء بلعن الظلام، فضلا عن ان الأنظمة القائمة تغذى هذا النوع من التفكير ، عبر التشكيك فى جدوى البدائل و جعل ذلك من قبيل إتيان المستحيل، إضافة الى تنميط اعراض حمى الديقراطيات السابقة، و الطرق المتلاحق بمطرقة الادعاء بانصرافيتها و خمولها، دون ترك أى فرصة للتدبر، و إمعان النظر لاستخلاص الدروس، و التى من أهمها ان حرمان الديمقراطيات من الزمن اللازم لعمل ديناميكياتها و آليات توازنها و امكانيات التصحيح الذاتى الثاوية فى بنيتها، كان هو السبب الذى أصابها بالشلل، وجعلها لقمة سهلة لأولى هجمات الشمولية عليها، بل و الانتكاسة لمرحلة توهم الشعوب بعدم جدوى التغيير.
هذا ما كان من أمر ما لا يجدى إلا استبطانه، جعله هاديا، و المثابرة فى تعميم مفهومه و تجذيره فى مجتمعاتنا، بيد أن مجرد الايمان بجدوى التغيير غير كاف لتحقيقه، إذ لابد أن يستكمل ذلك بالبحث المستمر فى تطوير سبل معالجة العوامل المساعدة لصنع التغيير، و تطويعها بالقراءة المستجدة لمفاهيمنا حول هذه العوامل.
و من شأن ما سبق – استبطان التغيير كضرورة يمكن تحقيقها و رفد عوامل نجاحه - قيادتنا إلى الوعى بالعلامات الفارقة، و التى من شأن التركيز عليها و المثابرة فى استغلال ديناميكياتها، النجاح فى الدفع المستدام لعجلة التغيير، و تتمثل هذه العلامات الفارقة فى :-
1/ الانحياز لتجذير الوعى دون سرعة التغيير
بحيث تستكمل الخطوات التفصيلية لحدوث التغيير، الفترة الكافية لتجذر اسباب فعاليتها فى المجتمع، دونما حرق للمراحل، فكل مرحلة تحرق، تدق اسفينا فى عافية الخطوات اللاحقة، و تقلل من نوعية الوعى المطلوب فى اوساط الشعوب كميا و نوعيا، فالكم يقل بتوفير حرق المراحل لنقاط ضعف فى الوعى بحتمية استصحاب الجميع فى التغيير المنشود، و النوعية يعتريها الضعف بتزايد احتمالات تضعضع الاستدامة، كلما تقدمنا خطوات باتجاه المراحل الاكثر حسما.
2/ الدخول الى ميدان الترويج للحرية بأسلحة اكثر مضاءة
فبنفس القوة التى تحيط بها الأنظمة لمفهوم الحرية، بظلال سالبة، من قبيل الادعاء بكونها نظيرا للفوضى و الانحلال و المطالب العبثية و عدم القدرة على الالتزام، ينبغى انتاج خطاب متماسك، يربط الحرية بتعابير ايجابية تحوز على احترام كل انسان سوى حر، يذكر الجماهير بأن الحرية ليست صرعة صبيانية، بل هى قيمة فضلى من القيم العليا، حثت على المطالبة بها كل الاديان السماوية، بل ان الحرمان منها يؤدى الى سيادة كل المثالب الماثلة اليوم، و التى يعانى منها شعوبنا، من تضييق فى المعاش و تهميش للرأى واقصاء من شئون الحكم و معاملة هى من قبيل معاملة القُصر، و بهذا فان الرهان هو احداث تغيير فى بنية تفكير الجماهير تجاه الصورة المرسومة، بتشويه متعمد لمفهوم الحرية، بجعلها الضامن الوحيد – و لا شيئ غيره – لحدوث التغيير و لجدواه و لاستدامة جدواه، فبدون الحرية لن يكون هناك ضمان لاشتراك الجميع فى صياغة المستقبل، والذى يتضمن بالضرورة ” حق أهل البلاد فى تحديد الطريقة التى يتم عبرها اختيار من يحكمهم و ماذا يحدد اسلوب ادارة معايش الناس و ما الضمان لصون الحق فى الصدع بما هو ضرورى لضمان الحياة الحرة الكريمة” .
لقد كان الإسلام دعوة صريحة واضحة للحرية الإنسانية بمفهومها الشمولي، فشهادة : (أن لا إله إلا الله) نفي صريح لكل أنواع العبودية لغير الله عز وجل :{ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابا من دون الله}[آل عمران: 64] فالناس جميعًا، متساوون في إنسانيتهم وحريتهم، ولا عبودية إلا لله، ولا سيادة لأحد على أحد وإنما السيد هو الله وحده، فهو الذي يستحق الخضوع والطاعة وحده، وقد كرم الله الإنسان فقال :{ولقد كرمنا بني آدم}[الإسراء: 70] وجعل الإنسان خليفته في الأرض :{إني جاعل في الأرض خليفة}[البقرة: 30] .
كما أكد النبي (ص) هذا المعنى في أحاديث كثيرة كما في قوله (السيد الله تبارك وتعالى) ( رواه أحمد وأبو داوود بسند صحيح لبيان أن السيادة المطلقة هي لله، والبشر جميعًا إخوة، لا سيادة لأحد منهم على أحد .
فإن للأمة الحق في اختيار السلطة، ومشاركتها الرأي، وحق عزلها، و نقدها وتقويمها والاعتراض على سياستها، فالحرية السياسية إحدى الأسس التي قام عليها الخطاب السياسي الإسلامي، وقد تجلت الحرية في أوضح صورها في حياة النبي وعهد الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – وقد أرسى القرآن مبدأ :{لا إكراه في الدين}[البقرة: 256] فإذا كان الله عز وجل لا يكره عباده على الإيمان به وطاعته، فكيف يتصور أن يكره عباده على الخضوع والطاعة كرهًا لغيره سبحانه ، وهذا معنى كلمة(لا إله إلا الله)، فإن الله وحده هو الذي له الألوهية، ثم الخلق بعد ذلك بشر لا طاعة لأحد على أحد إلا بما كان في طاعة لله عز وجل . ولم يأت أمر من الله بطاعة غيره إلا تبعا لطاعته سبحانه ، بل لقد نهى عن كل طاعة تخالف أمره وجعلها شركا حيث يقول (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ويقول صلى الله عليه وسلم(لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة بالمعروف) رواه البخاري ، ومسلم .
وقال(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) رواه أحمد بإسناد صحيح ، ليؤكد بذلك أن حق السلطة بالطاعة إنما هو منوط بما كان معروفًا أنه طاعة لله، وبهذا سبق الإسلام جميع القوانين في تقييد حق السلطة في الطاعة، وأنها ليست طاعة مطلقة، ولا طاعة لذات السلطة، وأن السلطة تفقد حق الطاعة عندما تأمر بالمنكر أو الظلم، بل ويجب التصدي لها وتقويمها كما قال(من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه...) رواه مسلم،وقال(إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه عمهم الله بعقابه) رواه أحمدوهو صحيح ، وقال(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) رواه أحمدوهوصحيح .
وقال أيضًا( سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ؛ فقتله) رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وهوكما قال ، وقال(إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم–فقد تودع منها) رواه أحمد وقال الهيثمي (رجاله رجال الصحيح) .وقال (لتأخذن على يد الظالم، ولتأطِرنّه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم) رواه الحاكم وقال : (صحيح الإسناد) وهوكما قال .والأطر هو الرد والثني ، إلى غير ذلك من النصوص العظيمة .
كذلك فإن السلطة مسئولة عن تصرفاتها من قبل الأمة كما جاء في الحديث ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته) رواه البخاري ومسلم .
فالله وحده الذي{لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون}[الأنبياء: 23] أما من سواه فكلهم مسئول عن فعله .
هذا الحق الواضح الجلي لا خلاف بين تيارات الإصلاح حوله ، بل هو أصل أصولهم ، وقد اتفق عليه عقلاء العالم ، وتواضع عليه البشر وجعلوه مفتاح حلول المشاكل كلها…!!
فإن وجدت الحريات وعلى رأسها الحرية السياسية المؤطرة بالشريعة كان للناس من العطاء والإبداع ، والسكينة والسلام ، ما لا يعلمه إلا الله وحده سبحانه.
إن على حركات الإصلاح والإحياء والنهضة أن تدرك ذلك مليا ، وتسعى إليه بدأب وجد حتى تحققه ،
3/ تجاوز حتمية الاستهلال بالاجماع، بتوهمه شرطا ضروريا للبداية العملية للتغيير
فالاستهلال بحسب ذلك هو انخراط غير واعى فى تعديد نقاط الاختلاف، وهو بالتالى تركيز على الثانوى فى مقابل الاساسى، و ذلك خطر بالغ الفتك، لا لقوة كامنة فيه، بل لوقوعه فى زمن لا يزال التغيير فيه وليدا غضا، لم يكتسب بعد قوة مقاومة ظروف البيئة الملوثة التى ولد فيها، فهى تكتم انفاسه قبل اطلاقه لصرخة الميلاد، و تلوث اولى جرعات الحياة التى ترسل اليه بقوة دفع ارادة التغيير الكامنة فى المجتمع الام، فتصيبه بالشلل، ان سلم من الموت.
يخبرنا التاريخ بأن صلح الحديبية و الذى كان سببا فى نجاح باهر للدعوة الاسلامية و دخول الناس فى دين الله افواجا حتى ترجحت كفة المسلمين، ما كان له ان يتم لو أن المسلمين التزموا المماحكة فى تثبيت ما يعتقدون بحتميته (استهلال الوثيقة بالبسملة) فى مقابل انكار قريش لما يتأسس عليه ذلك المطلب، فهذا سهيل بن عمرو مندوب قريش فى “لجنة صياغة” صلح الحديبية يقول “:” لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهم” فكتبها سيدناعلي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو” فقال سهيل :” لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيلا بن عمرو”، وبذلك قدر الله لهم تجاوز تللك المحطة فى سبيل الوصول للاتفاق، الذى قيض الله به انتشار الدعوة الاسلامية بين قبائل العرب، حتى أفحمت كثرة المسلمين عند دخول الرسول (ص) لمكة كل مشرك، و لم تعد هناك اى فرصة لمقاومة تلك الجحافل الجرارة، و لعل تواضع الرسول (ص) فى ذللك اليوم حين دخوله مكة و طأطأته لرأسه الشريف خاضعا لله، هو مقابل موضوعى للتعبير عن الشكر على النصر الذى تم بفضل ما لم يكن هناك اجماع عليه حينئذ، بل رأى البعض فيه ذلا و مهانة … فتأمل.
ولكل ما سبق، نقول بان تجاوز الرأى القائل بحتمية الاجماع منذ البداية و جعله مهرا لاستهلال التغيير، هو الوسيلة المثلى لملء اشرعة التغيير و المدخل لعمل ديناميات الوحدة من اجل هدف واحد، تلك الديناميات الكامنة فى متن المخيال الجمعى لشعوبنا، و التى لايقدح شرارتها شيئ مثل توجيه الناس للهدف المشترك، و ترك ما دونه، و ان توهم البعض ان فى تأجيله تقليلا من شأنهم، فسيعلمون بعد حين، ان ذلك هو الكفيل الوحيد لقطف الجميع لثمار التغيير فى آن واحد.
ولان الأنظمة السائدة مطلعة على هذه الثغرة فى بنية العمل العام، فهى تحرص أشد الحرص على استغلالها، بل و تبتكر الخبيث من السبل من اجل الحيلولة دون الوعى بها من قبل الجماهير، فتدبج المقالات الطوال عن “اجتماع المتعوس بخايب الرجا” و بضرب الطبول لاعلان “اصطفاف قوى الشر للقضاء على مكتسبات الامة”، و ماذا قال فلان قبلا عن علان؟ و بماذا ردّ علان على زعم فلان!!!
و كل ذلك هو من قبيل النفث و العقد الشيطانى، الذى تتوسل به هذه الأنظمة الى ديمومة النوم عن داعى الفلاح، الذى لا يراد له ان يسمع، ناهيك ان يلبى، و ان يشتت صداه فلا يبين له اثر، اما ان فشل هذا المسعى، و خرج سهم الثورة من قوسه بالبشارات، و تسطير اقدار الانعتاق، فلا يبقى للوحش الذى يزداد ارتعاد فرائصه سوى محاولة اختطاف الخطفة الاولى، قبل ان ترسل عليه شهب التغيير ، فهو يعلم تمام العلم بان تجاوز الشعب لحمى البدايات، و نجاحه فى المداراة على شمعة التحرك، كفيل بتحقيق النصر و لو بعد حين، و لذلك يسارع بالانقضاض عليها بكل وحشية، مثله مثل اللص الذى ترعبه حركة الطفل الوليد فى مرقده، و يقود ذلك لقمع صغير الاحتجاجات بكل وحشية و دموية، و فض التظاهرات باستعمال مفرط للقوة، و ما كل ذلك الا لان الهلع يصيب اطرافه، بان التغيير فى طريقه لتجاوز صرخة الميلاد، و التى يكفل خروجها تدشين نقطة اللا عودة لسيطرته على محددات صيرورة اقدار الناس.
4/ التأصيل لتضامن مختلفى الاتجاهات الفكرية باعتباره نوعا من احلاف الفضول التى حض الدين عليها
وحلف الفضول هو حلف شارك فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو في سن العشرين (جنبا الى جنب مع غيره من المشركين)، وكان من أمر هذه الهيئة الإصلاحية؛ أن تداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول [ انظر : ابن هشام : 1/134،135].
قال ابن كثير :
وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب.
وكان سببه أن رجلاً غريبًا قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الغريبُ أهل الفضل في مكة ، فخذله فريق، ونصره الآخر، ثم كان من أمرهم ما ذكرناه، وقد وتحالفوا في ذى القعدة في شهر حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وعلى التأسى في المعاش.ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه مال الغريب، فدفعوها إليه .
وتظل مهمة تغيير الأنظمة الفاسدة أو المستبدة، منوطة بالشعوب، فالشعوب – بكل اطيافها – عليها التحرك فى تكوين احلاف فضولها من اجل رفع الظلم عن نفسها، و الا تحملت تبعة السكوت عن جور الجائرين وظلم الظالمين، الذين تسلقوا إلى سدة الحكم بغير حق، فأظهروا في الأرض الفساد، عند ذلك قال الله عن الشعب المطيع لسلاطين الجور – في قصة فرعون – :
“فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ” [الزخرف54]..
فوصف الشعب الذي خذل أهل الحق – إذ لم يبادر بالرد على الاستخفاف – وساند أئمة الباطل، بالفسوق !
الخرطوم، 29.09.2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.