مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    سلطان دار مساليت: إرادة الشعب السوداني وقوة الله نسفت مخطط إعلان دولة دارفور من باريس    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    الخال والسيرة الهلالية!    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    الإمارات العربية تتبرأ من دعم مليشيا الدعم السريع    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة ٌمن أجل قيم كونية..ترجمة: قيس قاسم العجرش
نشر في حريات يوم 15 - 02 - 2012


توني بلير رئيس الوزراء البريطاني..
ترجمة: قيس قاسم العجرش..
مقدمة المترجم..
هذا المقال لرئيس الوزراء البريطاني, يدافع فيه عن وجهة نظر حكومته حيال أخطر قضية تشغل العالم الآن إلا وهي قضية الإرهاب. وتتأتى أهميتة أولاً من ناحية مستوى مسؤولية كاتبه وثانياً من مستوى الحجج والبراهين التي يطرحها بلير كأسباب كافية لاستمرار الحرب على الإرهاب وعلينا هنا أن ندرك ونحن نتابع كلمات بلير أنها موجهة أصلاً إلى المتلقي البريطاني والأميركي الذي تؤثر فيه معارضة السياسيين المحليين الذين يعكسون خلافاتهم السياسية على طبيعة ردود فعلهم تجاه حرب الحكومات على الإرهاب وهذه النقطة يبينها بلير بجلاء فإن العالم المتمتع بمستوى عال من الحرية يتيح للفرقاء السياسيين التصيد لأخطاء الحكومات التي غالباً ما تحدث في الحروب ولا سيما حين نتأكد من فرادة وخصوصية الحرب على الإرهاب.
(فورين أفيرس) التي نشرت المقال تعد المجلة البحثية الأولى في الولايات المتحدة وذات تأثير غير هين في صناعة الصورة السياسية في الولايات المتحدة وبريطانيا على حد سواء الأمر الذي يضيف إلى المقال أهمية مضاعفة.
جذور التطرف
إن ردنا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية كان أكبر كثيراً مما بدا عليه في حينها, وكان يمكن حينها اختيار المسألة الأمنية ساحة للمعركة المستجدة إلا أننا بدلاً من ذلك إخترنا ساحة القيم لنبدأ المعركة فيها وقلنا حينها إننا لا نرغب في رؤية نماذج أخرى لطالبان أو صدام حسين كما رسخ في الذهن مفهوم آخر هو إننا لو أردنا الإنتصار في هذه الحرب فعلينا أن نهزم قيم وأفكار العدو بدلاً من القضاء عليه و وضعه قيد السجون.
ومن وجهة نظري فان الحالة التي نواجهها هي حرب بالمعنى الحرفي للكلمة إلا أنها حرب من نوع غير مألوف على الإطلاق , ولا مألوفيتها تأتي من كوننا لن نربح الحرب على ساحة المعركة ما لم نتمكن من هزيمة مبادئ التطرف أولا بالقدر ذاته الذي نهزم فيه العدو في الميدان.
وبإمكاننا أن نربح الحرب فقط إذا أظهرنا أن قيمنا هي الأقوى وهي الأفضل في الحياة من قيم الآخرين.
وهذا يعني أيضاً إن علينا أن نثبت للعالم إننا عادلون وعدالتنا أولاً تأتي في تطبيقنا للقيم التي نقاتل من اجلها. كما إننا لن نحصل على الدعم العالمي لقساوة الحرب المبررة على التطرف ما لم نحافظ على أسلوب الحياة التي نحياها وتلك التي ننشدها كما أن علينا أن نحارب الفقر والفاقة العالميين أيضاً وان نحفظ البيئة على الأرض من المهانة التي تتعرض لها.
وفي الواقع فإن جذور الموجة التي يشهدها العالم حالياً من الإرهاب والتطرف عميقة وتعود إلى عهود طويلة من العزلة والوقوع ضحية للظلم السياسي في العالم العربي والإسلامي وبالرغم من ذلك فإن الإرهاب لا مكان له حتماً في عالمنا.
وبالنسبة لي فإن الشيء الأروع هو أن ألمس بنفسي مدى تقدمية القرآن ,وأنا الذي انتمي أمامه بتواضع إلى زاوية أخرى من الإيمان أو أقرن على إنني من الأغيار بالنسبة إليه ككتاب مقدس لكنني استشعره ككتاب إصلاحي يحاول إرجاع اليهود إلى يهوديتهم الحقة والمسيحيين إلى مسيحيتهم الحقة كما إنني ألمس بنفسي خلاله مدى التقدم الذي هو فيه عبر محاربته الخرافة وامتلائه بالمعرفيات والكونيات في الوقت نفسه الذي يزخر فيه بمعارف وتعاليم متقدمة على وقته حول أحكام الزواج والنساء وأساليب الحكم السياسية.
وتحت هذه التعاليم أنتشر الإسلام وهيمن على الأرض التي يدين أهلها بالمسيحية أو الوثنية سابقاً وكانت تلك ثورة تثير الإعجاب والدهشة ثم أسست على مبادئه إمبراطورية قادت العالم في حينه للإستكشاف والفن والثقافة التي تحمل المسلمون ثقلها الأكبر في العصور الوسطى المبكرة وكان ظهور قادة الإنسانية في هذا المجال بين المسلمين أكثر بكثير من ظهورهم بين المسيحيين.
لكن هذا الحال تغير في القرن العشرين وبدأت حركة التنوير وعصر النهضة والإصلاح تجتاح العالم الغربي كله في الوقت الذي أمسى فيه العالم العربي والإسلامي غير آمن وغاب في مجاهل عديدة ومن موقع الدفاع هذا ظهرت في بعض أنحاء العالم الإسلامي حركة إندفاع نحو العلمانية إمتازت بالغضاضة والهشاشة والإعتماد على القوة في ذلك.
كما انغمس آخرون في العالم ذاته في نزعات قومية ناشئة وظلم سياسية وراديكالية دينية وبدأ المسلمون ينظرون بعين الأسى لحال الشتات والفرقة التي سادت على بلدانهم , هذا التأسي دفع إلى أن يتلبس الراديكاليون السياسيون لبوس الدين أما أقرانهم الدينيون فقد انتهجوا منهج السياسة.
كما حاول الذين استمكنوا من أسباب القوة والسلطة أن يجيروا الراديكالية الدينية لحسابهم عبر ضم بعض الرموز المؤثرة وآيدلوجياتها على الصعيد الديني الشعبي والتماس طريق بيني إلى ذلك الهدف وكانت النتيجة كارثية على جميع المستويات فقد تحققت الراديكالية الدينية وظهرت بأبشع صورها لكنها حازت على إحترام شعبي أما السياسيين فقد قمعوا أنفسهم بأنفسهم ولذا فقد ساد الإعتقاد لدى أوساط شعبية واسعة بان كلاهما جاء سوية عبر الحاجة الحقيقية للتغيير وبدأ الاعتقاد بأن الطريق لإعادة الاستقرار للوضع الإسلامي الآيدولوجي إنما يتمثل بالنكوص الديني والعودة إلى ما سمي بالمنابع الصافية التي تمثل في جوهرها التطرف الديني والسياسي والتي عدت الأغيار بالنسبة لها هم الأعداء وكان الغرب بمجمله أبرزهم. ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت فروع حركة الإخوان المسلمين مدعومة بالمذهب الوهابي المتطرف الذي هيأ إنتشار (مدارس) للتطرف في الشرق الأوسط وآسيا وكانت أن ولدت عقيدة جديدة في العالم وبدا تصديرها إلى كل مكان.
وفي أحداث الحادي عشر من سبتمبر هذه المرة قتل الناس الأبرياء بأبشع صورة وعلى مرأى ومسمع من العالم ثم بدأ الإرهاب في غير شوارع نيويورك مكان الإعتداء الأول وتمثل بدلاً من ذلك في موجة إرهابية ضد المصالح الغربية ووجد الإرهاب له ضحايا في كل مكان من العالم في أندونيسيا وكينيا وليبيا وباكستان وروسيا والسعودية واليمن ومناطق أخرى من العالم أكثر من مئة ألف حصدتهم سكاكين الإرهاب في الجزائر وفي الشيشان وكشمير ومشاكل سياسية كان يمكن لها أن تحل بالتصالح والتفاهم أصبحت عسيرة عن الحل بسبب القسوة والبشاعة التي تصرف بها الإرهاب والارهاب اليوم يؤشر رسمياً في أكثر من أربعين بلداً حول العالم والتطرف الديني والسياسي هو السبب الأول في دعمه كما ارتبط بشكل طليق بعقيدة الجنوح نحو السفح وانتهاك المحرمات الإنسانية وبالرغم من أن وسائط الإرهاب وموارده البشرية تنحصر في الفئات العمرية الصغيرة إلا إن منظماته تستغل الانتشار الواسع للإحساس بالعزلة الذي يسود الشارع العربي والإسلامي إن الأعمال الإرهابية في واقعها لم تكن حوادث معزولة أو تمتاز بالفردية بل هي حركة منظمة تعمق من إعتقاد وإتهام المسلمين بمغادرة إيمانهم الصحيح وأنهم قد أخذوا بالثقافة الغربية وإن كراسي الحكم قد سلبت وغصبت غدراً عبر التواطؤ مع الغرب في مقابل أولئك الذين يرون أن من الممكن مواجهة الغرب ليس فقط بالإيمان الحقيقي وإنما بإبداء المزيد من الاحترام للذات الإسلامية.
إن الكفاح ضد الإرهاب في مدريد أو لندن لا يختلف في جوهره عن الكفاح ضد الإرهاب الصادر عن منظمة حزب الله في لبنان أو ذلك الذي يصدر عن المنظمات الجهادية الفلسطينية أو ذلك الإرهاب الذي يجمع المعارضين للعملية السياسية في العراق كما أن قتل الأبرياء في مدرسة للطلاب في بيسلان جزء من نفس العقيدة المحركة لإغتيال الحياة البريئة في ليبيا أو السعودية أو اليمن وعندما تعلن إيران عن دعمها لمثل هذا الإرهاب فإنها تضع نفسها في ذلك الجانب من خنادق المعركة إلا وهو خندق الإرهاب.
وتتأتى في بعض الأحيان للحركة الإرهابية إستراتيجية سياسية قد تتلمسها بالغريزة أو بالمراس فكان لها أن تكون فهما ً شمولياً لكومة من الاتهامات الموجهة ضد الغرب والمدعومة ايدولوجيا وبتصميم واضح على التمسك بأسباب دوام التعصب وهي في هذا تتماثل في كثير من الأوجه مع الثورية الشيوعية الأولى في تكوين أحكامها بالجملة تجاه قضايا مختلفة المنابع وهذا التراكب من العقائد لا يحتاج بالضرورة إلى قيادة مركزية توجه هذه الأفكار وتروج لها وإنما قد تكتفي بالإيحاء الابتدائي لمنشأ التعصب والصمم الفكري كما أن المتعصبين لا يحتاجون في ذلك إلى وسائط تواصل مع قياداتهم التي أصبحت قيادات فكرية أكثر من كونها قيادات ميدانية تعطي توجيهات مباشرة.
وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي أصبحت استرتيجية الارهاب واضحة وبنت متبنياتها على أساس الضد أو مع لكن هذه النظرية تجعلهم في موقف ضعيف موجه إلى الداخل لذلك فقد حولوا متبناهم الى معركة الإسلام كله ضد الغرب كله.
وأنا مازلت في الحقيقة مندهشاً للدعوات التي ترجع سبب الإرهاب إلى غزوأفغانستان والعراق متناسية أن الغرب هو من هوجم إبتداء في هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية.
طبيعة الكفاح
بالنسبة لعقيدة الإرهاب فنحن العدو ولكن (نحن) هذه لا تشير بالضرورة إلى الغرب بقدر ما تشير إلى مكون يضم المسيحي واليهودي والمسلم والهندوسي على حد سواء و(نحن) تحتوي على قدر من التسامح الديني والإنفتاح على الآخرين سبب هذه التوليفة وفي ذات الوقت تنطوي على قدر كبير من إحترام حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية وأدارة الشؤون المدنية وفقآ للمبادئ العلمانية.
إن الحاصل على ارض الواقع في حقيقته ليس صراع حضارات إنما هو اشتباك حول الحضارة وهي ذات المعركة القديمة بين التقدم والرجعية.
وفي أية عملية كفاح فإن التحدي الأكبر يتمثل في معرفة ما نقاتله وما نقاتل من أجله بجلاء وهنا فإن أمامنا المزيد من الطريق لنقطعه ومن المدهش بالنسبة لي حقاً ظهور آراء غربية تروج إلى إن إنتشار أفكار الإرهاب المتطرفة تعود جزئياً في سببيتها إلى أخطائنا نحن.
منذ البداية صحيح أن الإرهاب إكتسب الصفة العالمية لكنه لا يوجه ببساطة إلى الولايات المتحدة وحلفائها ولكنه موجه أيضاً إلى الأمم التي لا تظهر عدائها بوضوح للغرب بما في ذلك الأمم التي أنجبت قادة الإرهاب العالميين.
وعلاوة على ذلك فإن العمل الإرهابي في العراق وافغانستان ليس موجها إلى تحرير تلك الدول من سيطرة الغرب وإنما موجه لمنع أمم تلك البلدان من تبني الديمقراطية وهي ديمقراطية لا تشابه بالضرورة الديمقراطيات الغربية لكن الإرهاب يقاتل أي نوع من الديمقراطية مهما كانت وأعتقد أن من يذبح الأبرياء في العراق وأفغانستان واضح بجلاء من هو.
ومن السخف بمكان أن نبرر الإرهاب النابع من الأوساط الإسلامية بأنه منتج عرضي للفقر ونتيجة طبيعية للفاقة التي تعاني منها تلك الأمم وهو بالطبع يستعمل الفقر كوسيلة لدعواه أما العمل الإرهابي في الشرق الأوسط فهو حتما لا يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية إلى الوجود بل هو يهدف أصلاً إلى إخراج إسرائيل من الوجود بدلاً من ذلك.
إن الإرهاب في عقيدته يستند إلى تطرف ديني في تفسير العقيدة.وهي ليست أي عقيدة إسلامية إنما قراءة محددة أحادية لتلك العقيدة بنسختها المتطرفة.
وعلى ذلك فإن الإرهابيين لا يودون أبداً رؤية بلدان إسلامية متعصرنة. وهم يعملون من أجل مد قوس التطرف ليشمل كل أنحاء المنطقة ويطوقها إنهم في واقع الأمر يريدون أن يتراجع العالم الإسلامي إلى فئوية الحكم الإقطاعي المغلوب بالنظرة الدينية الضيقة.
وبالرغم من إدراك كل هذه الإرهاصات فإنني أجد ومن العدالة أن أتطرق الى أن هنالك آذان صاغية في الغرب تستمع إلى البروبوغاندا التي يقدمها المتطرفون كما أنها تلاقي قبولاً لدى بعضهم.
ومن المفارقة أن يتلاعب المتطرفون بما توفره وسائل إعلامنا من تسهيلات وعن ذلك يجد صدى جيداً لبعض الأحزاب السياسية التي تستغل هذا الأمر لحسابها الخاص, هذه الأحزاب السياسية الأوروبية تنظر إلى إراقة الدماء المستمرة في العراق وتعدها سبباً كافياً ومقنعاً لمغادرة العراق وترك المعركة برمتها.إن كل فعل إرهاب يوقع مجزرة تحدث في العراق تستعمل لخلق الإنطباع بأننا نحن المسؤولين عن الفوضى والإرهاب وتناميه وكل هذا يحدث خدمة لأغراض سياسية بحتة.
ولو وضع الغرب الكفاح ضد الإرهاب في الأهمية التي يستحقها كنا على الأقل نخطو الآن أولى خطواتنا تجاه القضاء عليه لكن مازال جزءً واسعاً من الرأي العام الغربي يتعاطف مع أولئك الذين يدينون الحرب ضد الإرهاب.
إن الحقائق هي كما يلي, إن عقيدة الإرهاب يجب أن تواجه وأن تقاتل في كل مكان حيث نجدها وإن الإرهاب ذا الجذور الإسلامية لن يهزم إلا بمواجهة أفكار المتطرفين بأفكار أخرى وهنا فإن هذه المواجهة لا تعني أن نقول لهم إن أفكاركم خاطئة بل علينا أن نفهم العالم إن مواقف الإرهابيين من الولايات المتحدة مبنية أصلاً على أفكار سخيفة وان طريقة تعاملهم مع الآخر ما عادت حضارية بالمرة وإن علينا أن نجابه نكوص الحضارة باستعادتها عبر مختلف الوسائل كما يجب علينا إن نفهم أولئك المتطرفين ومن لا يفهم تطرفهم عن عصر العولمة اليوم ينطوي على أخطر مواجهة بين التطرف والحضارة وعن هذه المواجهة هي التي ستحدد مستقبلنا ولذلك فإن عليهم أن يتوقعوا كل ما من شأنه أن يبقي على حضارتنا المتقدمة ويديم ازدهارها.
جبهتان
لهذه الأسباب فإن من الخطأ على المراقب للأحداث إهمال عملية الإنتخابات التي جرت في العراق وأفغانستان, إن تلك العملية أعطت الفرصة للناس أن يعيشوا جو الإرادة في أولى مراحلها وهي المرة الأولى على الإطلاق التي يمارسون فيها هذا الطقس الديمقراطي وعلى الرغم من العنف والتخويف الذي مارسه الإرهاب فإن الناس خرجوا وصوتوا بشجاعة ليس فقط بضعة مئات أمام الكاميرات وإنما بالملايين وكانت هذه الملايين كافية لجلب العار للديمقراطيات الغربية التي لا تصل نسبة التصويت فيها إلى النسب التي وصلت عليها في أفغانستان والعراق.
هذه الأصوات بغض النظر عمن تلقاها أثبتت أن الناس لا يريدون الدكتاتورية أو الثيوقراطية وأنهم يرفضون هيمنة الفكرة الواحدة فضلاَ عن هيمنة الحزب الواحد أو الجماعة الواحدة.وعندما يشترك مؤييدي صدام أو الملا محمد عمر فإن عدد ما يحصلون عليه من أصوات لا يعدو العصبية القبلية أو الطائفية التي يحيون فيها بمعزل عن الشعب.
وهم لم يستخدموا سوى المفردة نفسها, سواء كان البعثيون في العراق أو بارونات المخدرات في أفغانستان من أنصار طالبان أومن المتمردين على التغيير في المنطقة الغربية من العراق , الدعوى نفسها تكررت من أن الغرب يريد أن يقيم إمبراطوريته وأن يستولي على النفط العراقي وبالإطروحات القديمة نفسها ولا من تجديد فيها.
والسؤال الذي يبرز هو ما السبب وراء القتال المستميت والشرس الذي تبديه هذه الجماعات تجاه الديمقراطية؟ والجواب ببساطة لأنهم يعرفون تمام المعرفة إن نجاح الحرب ضد الإرهاب تعني القضاء على وجودهم المادي والفكري تماماً.
بالطبع كانت تشوب الحرب على الإرهاب أخطاء وانتهاكات لحقوق الإنسان اقل ما توصف بأنها غير مقبولة لكن هذا لا يغير من حقيقة الكفاح بأنه معركة تاريخية بين التطرف والحضارة, كما أن من الواقعي أن إجتثاث البعث في العراق طبقت بسرعة فائقة جعلت إعادة النظر فيها واجبة وضرورية خاصة بين القوات المسلحة العراقية لكن الهم الحقيقي يكمن في المسألة الإنسانية وهي التي جعلت إجتثاث البعث يمضي إلى غايات غير حميدة.
وبعد مقتل موظفي الأمم المتحدة أصبح الأساس هو إستتباب الأمن والإستقرار والقضاء على العناصر الرجعية التي حاولت عرقلة العملية الديمقراطية كما أصبحت الطاقة والكهرباء وسائر الخدمات تمثل كابوساً مرعباً للمواطن العراقي وللحكومة العراقية على حد سواء كما أصبح الناس خائفين من بعضهم البعض بسبب العصابات الإجرامية أو العصابات الإرهابية التي أخرج البعض من السجن بتعمد قبل سقوط صدام مباشرة.
إن هذه الأفعال لم تكن عشوائية بل إنها كانت جزءً من استراتيجية أخفقت في إخراج قوات التحالف من العراق قبل الأوان عندما أخفقت في منع الإنتخابات وبعد ذلك اتجه المتطرفون إلى حيلة بارعة وهي إن ينسفوا أحد أهم أضرحة الشيعة في سامراء بعملية كافرة وحشية.
يعرف المتطرفون أنهم إذا نجحوا في مساعيهم فإن أي أمة أخرى تراقبهم ستتهيب من سلوك درب الديمقراطية وكانت هذه هي رسالتهم إلى شعوب تلك الأمم أن أنظروا ماذا فعلت الديمقراطية في العراق.
إن المعارضة للقرار الأصلي بإسقاط نظام صدام ستستمر وسيقول المعارضون ما كانت هناك أي أسلحة ذات دمار شامل وأن تصدير المخدرات من أفغانستان مستمر للآن فما الذي تحقق ؟.
والواقع يقول أن نظام صدام كان يشكل تهديداً للعالم باجمعه فقد خاض حربين في المنطقة وأكثر من أربعة عشر قراراً للأمم المتحدة صدرت بالإدانة ضده ولكنني سأذكر هنا أن الحرب ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل عالميا قد تراجعت في أعقاب إسقاط نظام صدام وليس أخرها كشف شبكة عبد القدير خان للتكنولوجيا النووية التي ثبت ربطها بالسلطات الليبية لنقل التكنولوجيا النووية إلى حيث تتوفر الأموال الطائلة والمهيأة لدعم التسلح النووي.
لكن مهما تكن خاتمة هذا الجدل فهل من الحقيقي أن رغبة شعوب تلك البلدان ما عادت قادرة على تحمل المزيد من صدام أو طالبان وهي شعوب تستحق أن نسندها من أجل الديمقراطية التي إختارتها.
وحسم الجدل هنا أن الذي تغير ليس تلك الأنظمة وإنما القيم التي قامت عليها تلك الأنظمة وعملت على نشرها. ولهذا فإنني قلت إبتداء أن الرد على هجمات سبتمبر الإرهابية كان في حقيقته اكبر مما ظهر عليه في بداياته.
معركة للعقول وأخرى للقلوب
إن الكفاح ضد الإرهاب هو في النهاية معركة حول الحداثة ويحلو للبعض أن يجعلها معركة حول الإسلام نفسه لكنني أذكر هنا إن التطرف ليس الإسلام كله ويعبرعن الصوت الحقيقي للإسلام فملايين المسلمين حول العالم بحاجة إلى العيش بحرية حتى من اجل إسلامهم ذاته وهم يحترمون إيمان الآخرين كما أن الآخرين يحترمون إيمانهم.
إن استراتيجة التطرف الإسلامية مبنية على نشر الإحساس المفترض بالتذمر والظلم الذي يقسم الناس إلى عدو أو صديق وإن هذه الإستراتيجية بحاجة إلى تحالف عالمي جاد ضدها لا تحتاج فقط إلى حشد الوسائل العسكرية والأمنية فقط إنما يحتاج إلى حشد العقول والقلوب معاً ضدها. فلماذا لا ننجح في قتالها وهزيمتها؟ الجواب لأننا لسنا جريئين بما فيه الكفاية لكي نقاتل من أجل القيم التي نؤمن بها. والمفارقة أن لدينا ما يكفي من الجماهير في الغرب المقتنعة لخوض هذه الحرب لكن علينا أولا أن نشجع القوى المعتدلة في العالمين العربي والإسلامي لهزيمة الرجعيين إذ يجب أن نظهر بأن القيم الإنسانية التي ندعو لها ونحارب من أجلها ليست غريبة عن إنسانية تلك المجتمعات وهذه بدورها يجب أن تقتنع إجمالاً بحسن النوايا التي نحملها.
وأنا أتساءل هنا كيف سمحت إنسانيتنا أن ندع أكثر من ثلاثين ألف طفل يموتون يومياً بسبب نقص الدواء والغذاء حول العالم وأنا أقول إننا متى ما منعنا تلك الوفيات ستكون مهمتنا في حرب القيم على الارهاب أسهل في مجملها.
كما أتساءل كيف نجلب السلام للشرق الأوسط ما لم نحل القضية بين إسرائيل فلسطين ؟
وكيف علينا أن نكون إلى جانب الناس أينما حل بهم الخوف أو الرعب في كوريا الشمالية أو في ماينمار أو في السودان أو زيمباوي وحيثما كانت هناك عملية تطور ديمقراطي يجب أن تكون قوانا وجهودنا متوافرة لا من اجل احد إنما من اجل القيم التي نقاتل الأرهاب دفاعاً عنها.
إن هذه الجهود تتطلب من الجميع خلق روابطَ متينة والإبتعاد عن الحياة في عزلة لان العزلة هي المرتع الأساس لنشوء الفرد المتطرف.
وبوضوح أتحدث عن الولايات المتحدة الأميركية فإنني لا أوافقها الرأي بشكل مطلق لكننا نعاني من إشكالية الشعور المعادي للولايات المتحدة في أوروبا والذي لا يمكن وصفه إلا بالجنون عندما يتعارض مع المصالح طويلة الأمد التي تربط بريطانيا أوحتى أوروبا بالولايات المتحدة.
والمفارقة هنا أن العالم بأكمله يستشعر الحاجة للولايات المتحدة إلا المتطرفين السياسيين في أوروبا.
ما وراء الأمن
إن التحدي الذي يواجه السياسة البريطانية يتلخص في أن الأجندة لا يمكن لها أن تتضمن موارد تخطيطية للأمن فقط وإنما يبرز لنا تقسيم آخر للمتجهات في السياسة يمكن أن نعبر عنه بالأقسام الصلبة والأقسام الناعمة , فالجزء الصلب يتضمن جهود مطاردة الإرهابيين وهذه لن يتوقع المعارضون لسياستنا أن ينخفض مستوى وتيرتها أما الجهود الناعمة فإنها تركز على الإصلاح الإقتصادي للمجتمعات المولدة للأفراد الإرهابيين كما تنصب في ذات الوقت على التنمويات التي تتم هناك بمساعدة الحكومة البريطانية ومثال ذلك فإن إعادة تنشيط السلام وخطواته المرتبكة بين الفلسطينيين وإسرائيل لا يمكن أن يتم دون إنعاش إقتصادي للمجتمع الفلسطيني وسبق أن دعوت مجموعة الثمانية إلى الإسهام الفعال في ذلك.
وهنا يجب أن أنقل شيئا من تجربتي الشخصية ففي سنواتي التسعة كرئيس للوزراء رأيت أن من يشغل هذا المنصب عليه أن يبتعد عن إسلوب التهكم أو الصرامة في التعامل مع المعضلات التي تواجهه.
ولم يصدف أن واجهت أحد رؤساء الوزارة قبلي مشكلة معقدة الجوانب مثل مشكلة الإرهاب لهذا أقول إن الحرب على الإرهاب يجب أن تتضمن قيم ومبادئ المتصدين له ومن بين أوضح هذه المبادئ أن لا تساهل مع أي دعوة إلى التطرف حتى ذلك الذي ينشأ في الساحة السياسية فإنه عاجلاً أم آجلاً سيتسلل إلى حياتنا الإجتماعية.
إن أفضل العقول الإنسانية هي تلك التي دفعت بمسيرة البشرية إلى التطور و ولادة عالم جديد بقيم أفضل والأفضل هنا يقاس بمستوى مطابقته للمعايير الإنسانية التي لم تختلف حولها الرسالات السماوية أو تعاليم الأخلاق الدينية.
الهوامش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.