تتميز الناقدة والأديبة الدكتورة أمينة رشيد بجرأتها في طرح القضايا والمشاركة الحيوية في فعاليات الواقع الأدبي والثقافي المصري والعربي، لها أفكارها الخاصة والمتميزة في قضايا المرأة والكتابة النسائية وغيرها كما انها شخصية مختلفة للغاية تدركها منذ الوهلة الأولى فرغم رئاستها لقسم اللغة الفرنسية بكلية الأداب جامعة القاهرة الا أن طلابها لا يشعرون بفارق عمري بينهم وبينها ويعتبرونها من الرواد ليس في مجال النقد والأدب المقارن فحسب وانما في تكسير الصورة الفولاذية المصطنعة لاستاذ الجامعة تلك التي تضعه في برج عاجي على مستوى الفكر والعلاقات الإنسانية ومن ثم احداث قطيعة بين جيله والجيل الجديد وهذا الانفتاح نفسه جعلها تكسر الحدود بين النقد والابداع وشرعت مؤخرا في كتابة سيرتها الذاتية الخاصة لتخترق هذا الحاجز الوهمي بين المجالين. في هذا الحوار تتحدث أمينة رشيد عن سيرتها الذاتية وأحدث دراساتها النقدية وكيفية اختراقها للحواجز الأدبية الوهمية وقضايا الأدب المقارن وكذلك قضايا المرأة والكتابة النسوية ومدى تطورها التي اثرنا أن نبدأ منها الحوار. المرأة والكتابة النسوية النظرة الأولى لكتابة المرأة في الوطن العربي تشير الى وجود ازدهار وتطور، هل يبدو كذلك في رأي الدكتورة أمينة رشيد؟ يوجد تفاوت كبير في مستويات كتابة المرأة سواء من ناحية المعرفة أو الوعي أو الأسلوب ولكن رغم هذا التفاوت هناك تعميق لهذه الكتابة حيث تركت المرأة الكتابة التقليدية التي تعبر عن معاناتها في المجتمع الذكوري الى الكتابة عن قضايا تهم المجتمع كله حتى الكتابة عن ذاتها تطورت لتشمل متناقضات الحياة، وأنا أتذكر الآن انبهاري وانبهار جيلي في فترة الصبا والشباب عند قراءة (أنا أحبها) للأديبة ليلى بعلبكي، ولا أريد أن أتبرأ الآن من هذا الاعجاب الصبياني وربما ضروري في هذه الفترة حينئذ لتمرير الكلمة والسلوك والكتابة وهو مرحلة اساسية في مجرى الوعي، والحياة لا تتوقف ومن جدل التناقضات العربية خرجت كتابة نسائية أكثر نضجا والرؤية والأسلوب والوعي والابداع وظهرت أصوات تشكل وعيا متجددا بالثقافة الوطنية وصياغة اخرى لكتابة الخبرة الانسانية، واستطيع القول الآن أن كتابة المرأة اصبحت مثلها مثل كتابة الرجل العربي. هذا عن الكتابة فماذا عن المرأة نفسها هل سلكت الطريق الصحيح للتطور والتحرر؟ حدث ذلك بتفاوت كبير أيضا ولكن رغم هذا التفاوت الا أننا نجد أن التيار السائد هو تيار الانبهار بالغرب والدوران في فلك النماذج الغربية المستوردة وهذا لا ينطبق على المرأة وحدها وانما على الرجل أيضا فكلاهما يظن أنه تحرر ولكن في الواقع التحرر الحادث هو مجرد قشرة خارجية اذا نزعتها وجدت الجوهري حمل رواسب مختلفة وفي ظل غياب المشروع المشترك للنهضة والتقدم النابع من خصوصيتنا لا يكتمل تحررنا المنشود. اذا انتقلنا لوضعيتك كناقدة أدبية ماهي أحدث دراساتك النقدية حاليا؟ أحدث دراسة انتهيت منها تدور في مجال الأدب المقارن وهي تقوم على عقد الصلة بين السيرة الذاتية العربية والغربية وذلك من خلال نصوص فرنسية مثل رواية طفولة لنتالي ساروت والعاشق لمارجريت دورا، وجورج صاند وروايات عربية مثل حملة تفتيش للطيفة الزيات، ونوافذ مفتوحة لشريف حتاته ورحلة جيلية رحلة صعبة والرحلة الأصعب لفدوى طوقان. وقد بدأت فكرة هذا المشروع من خلال تدريس لنصوص السيرة الذاتية لطلبة السنة التمهيدية للماجستير بقسم اللغة الفرنسية بآداب جامعة القاهرة وفي اطار مادة الأدب المقارن وتحديدا الرواية المقارنة، وبعد ذلك شرعت في تحليل تلك النصوص ودراستها بشكل شخصي أثناء تدريسها ففي الحقيقة أن دراسة السيرة الذاتية يشكل هما عميقا بداخلي أبعد من حدود المادة الأكاديمية ولذلك عكفت على دراستها والبحث فيها بل انني منذ وقت طويل وأنا استشعر هاجس كتابة سيرتي الخاصة، واحيانا أجلس بالفعل وأكتب مقاطع منها وفي أحيان أخرى أحبسها حتى يأتي الحين للانخراط فيها تماما، وعلى أية حال فإنني أعتقد أن السيرة الذاتية هي أهم محور في اهتماماتي الآن ومن خلالها سأحاول تفسير كل شئ سواء في العمل الأكاديمي أو الدراسات النقدية أو الكتابة الابداعية. وكيف أسهم اطلاعك على النقد الغربي في هذه الدراسة؟ لقد اعتمدت بالطبع على العديد من الأعمال التي تتناول السيرة الذاتية بوصفها عودة للماضي لاستخراج وحدة حياة منه انتقالا الى الأعمال التي تطرح الذاتية المنشطرة أو التشظية من خلال السيرة الذاتية وبشكل عام فإنني لا أفصل بين المناهج النقدية الغربية التي أقوم بتدريسها ايضا في مادة النقد وبين عملي كناقدة وباحثة بل اضع معرفتي ونشاطي بأكمله في دائرة واحدة، وفي الحقيقة انني انجزت من الدراسة المرحلة الأولى فحسب وهي مرحلة تضم ثلاثة أجيال متعاقبة من السيرة الذاتية الجيل الأول تمثله رواية طه حسين الأيام ومعها السيرتان الذاتيتان للدكتور شكري عياد والدكتور لويس عوض، وتمثل الجيل الثاني روايتا الدكتورة لطيفة الزيات والدكتور شريف حتاتة أما الجيل الثالث فنراه من خلال دنيا ذات وقميص وردي فارغ لنورا أمين. قمت بالتدريس لفترة في فرنسا كيف كانت هذه الفترة؟ قمت بتدريس برنامج دراسي هناك عام 1996م لطلبة أقسام اللغة العربية وآدابها وقد استمتعت كثيرا بهذه التجربة أولا لقلة عدد الطلبة الأمر الذي يتيح تركيزا أكبر وحوارا أعمق فقد كان عددهم يتراوح بين 15 و30 طالبا وثانيا لأنني تمكنت من فتح وعيهم على الابداع الأدبي الحديث في العالم العربي فهؤلاء الطلبة الفرنسيون لا يتقنون العربية وكان ينبغي أن أدرس لهم اعتمادا على الفرنسية والعربية سويا لكنهم أيضا توقفوا عند مرحلة قديمة من الانتاج الأدبي أي عند جبران خليل جبران مثلا وكانوا مندهشين عندما قدمت لهم نصوصا حديثة وجدوا فيها متعة حقيقية وتواصلا. وما الفرق في نظرك بين الطالب هنا والطالب هناك؟ الطالب الفرنسي يتمتع بقدر أكبر من المساعدة الادارية ومعه الاستاذ بالطبع، فهناك جهاز سكرتارية كامل يعد النصوص الخاصة بالمواد ويوزعها على الدارسين ويسهم في تنظيم حصولهم على المعلومات والأوراق، كما أن الطالب هناك أكثر التزاما في الاستذكار والحضور والمناقشة فالنظام الجامعي شديد الصرامة الا أنني أجد هذا الالتزام أحيانا يقيد ابداع الطالب ويقمعه فيتفتت منه ذكاؤه الفطري أما الطالب لدينا فأعتقد أن الطالب العادي أو المتوسط الأقل التزاما من نظيره الفرنسي يظهر قدرا أكبر من الذكاء ويبدي ملاحظات مدهشة وربما يكون أكثر اطلاعا على النظريات النقدية الغربية الحديثة لكنه لا يستطيع المشاركة بثقة وحرية. وهل ترين وجود حوار حقيقي في الحقل النقدي بيننا وبين الغرب؟ لا يوجد حوار، وانما هناك نوع من الاتباعية للنقد الغربي، واحيانا لا نفهم هنا أحدث الاتجاهات التي وصل اليها فمازلنا مثلا نحتفي بالبنائية بالرغم من أن النقاد الغربيين مهتمون الآن بالعودة الى التحليل استنادا الى التاريخ وهو لا يوجد لدينا في هذه المرحلة، مازلنا ايضا نمجد فكرة الناقد العملاق وهي فكرة مرتبطة بحقبة الستينيات، كما اختفت من لدينا روح النظرية الغربية التي نستعيرها والتي تعد غاية في الأهمية لذلك فلا يوجد حوار بيننا وبين الغرب في الحقل النقدي فنحن نتلقى ماينتجونه وعندما نطرحه عليهم هناك يتساءلون لماذا نقلدهم لاسيما اذا كنا نعتمد أسلوبا قد تجاوزوه منذ فترة، وأعتقد أن الأمر مماثل الى درجة بعيدة في مجال الكتابة فهناك نوع من استلهام الوصفات الغربية الحديثة من جانب المبدعين لكنها تدمج في النهاية في روح مختلفة. اذن مارأيك في الكتابات الجديدة؟ الكتابة الأدبية الجديدة اعتقد انها تعكس حالة فئة خاصة من المجتمع ربما نطلق عليها النخبة لكنها انعكاس طبيعي لاتساع الفجوة بين طرفي الاشياء كالفجوة بين الغني والفقير والعامل والعاطل والمركزي والمهمش فهناك قطيعة واضحة في التواصل. ولكن في المقابل أو بتوازي مقولتك عن قطيعة في التواصل توجد فجوة بين النقد والابداع؟ المشكلة كما ذكرت سابقا هي عدم وجود حركة نقدية تتمثل في تيار نقدي عام، ونحن نقوم على الاتباعية للغرب في النظريات النقدية ولا اخفي وجود فجوة وأن مشكلة الحركة الأدبية يقف في جانب منها عدم وجود نقاد فرادى فلا يوجد حركة نقدية تتمثل في تيار لديه القدرة على رصد ماينشر من ابداع وتحليل وفرز الجيد من الرديء لدنيا فقط كما قلت نقاد فرادى ونقد سائد يتمثل في تفسير النصوص من خلال مناهج نقدية مستوردة من الغرب ولا علاقة لها بحياتنا الثقافية العربية. وفي رأيك النقدي متى يصبح للمبدع أسلوبه الخاص؟ يصبح للمبدع أسلوبه الخاص عندما يتخلص من الثرثرة والاطناب ويعبر بدقة عن فكرته معتمدا على التكثيف والايجاز الشديدين، ولابد أن تصبح لفتة أشبه بشحنات روحية وامضة تقتحم قلب وشعور المتلقي دفعة واحدة، كما يجب أن يضيف جديدا. وماتقييمك للواقع الثقافي العربي بشكل عام؟ يشهد الواقع الثقافي حاليا حالة من البلبلة والتناقضات الصارخة وهذا يعود للخطاب السياسي السائد فهذا الخطاب عمل تفريغ للغة من مضمونها حيث أصبحت الكلمة تعنى الشيء ونقيضه في نفس الوقت فكلمة مثل (السلام) هذه الكلمة الجميلة أصبح وقعها في الخطاب السياسي تعني الاستسلام، فهذا الخطاب يفرغ الكلمة من مصداقيتها في الواقع وينتقص منها لأن مردودها غير حقيقي، كما توجد كلمات أخرى كثيرة مثل الحرية والعدالة والمساواة وغيرها والتي أصبح الخطاب السياسي يروج في الواقع لعكسها فأصبح وقعها في نفس المتلقي مختلفا عن الماضي. محمد الصادق – بيان للثقافة / القاهرة