في صبيحة الجمعة الموافق 17/فبراير عام 2012م وفي تمام الساعة3:30 صباحاً قامت قوة من الشرطة مدججة بالسلاح والهراوات بمداهمة داخلية من داخليات طلاب جامعة الخرطوم وأخلت الطلاب بالقوة الجبرية وبما أنّ الشرطة في خدمة الشعب أبت نفسها أن تترك الطلاب في الشارع لذلك اقتادتهم بطريقة مهينة إلي مراكز الشرطة في الخرطوم وأدخلتهم الحراسات مع المجرمين ومعتادى الإجرام والسكارى فأكمل الطلاب ليلتهم في هذه الحراسات ، ولك أن تتخيل كيف بات هؤلاء في الحراسات وعددهم يزيد علي المائتين وبالرغم من توزيعهم علي عدة حراسات إلاّ أن سعة الحراسات لا تستقبل هذا العدد المأهول من الناس ، وعندما هرعنا نحن عدد من المحاميين والناشطين في مجال حقوق الإنسان وذهبنا إلي الحراسات فوجدناها تغص بالطلاب وهم في حالة مزرية فاستفسرنا عن السبب (القانوني) فلم نجد رداً غير ترداد المقولة والتي أصبحت علي لسان الشرطة (تعليمات عليا) وقد سمح لنا بمقابلة بعض الطلاب وسألناهم عن لماذا قاموا بالإزعاج والشغب في الداخليات ؟ فأفادونا بأنهم كانوا نياما ولم يخطر ببالهم أنهم سوف يسببون إزعاجاً وشغباً بمجرد شخيرهم فكانت نكتة أضحكت رجال الشرطة ، الجديد في هذا الأمر أنه لأول مرة تقوم الشرطة بمثل هذه المداهمات عند السحر ، كنا نظن وأن بعض الظن أثم، أن مداهمات السحر واقتحام البيوت وطوارق الليل محصورة علي جهاز الأمن فقط ، ولكن يبدو أن العدوى انتقلت إلي الشرطة ، ماذا لو انتظرت الشرطة حتى الصباح وقامت بعملها واكتفت بطرد الطلاب من الداخلية دون الزج بهم في الحراسات ،الأمر لم يكن عاجلاً إلي هذه الدرجة حتى تضطر الشرطة إلي هذه الغارة الليلية ….. جاءت في الصحف السيارة أن الشرطة تحركت بناء علي أوامر من النيابة ولم نسمع بعد من المدعي العام حتى لحظة كتابة هذا المقال تفسيراً لما حدث بحسبان أن هنالك منشورا صادرا من وزارة العدل تمنع النيابات من إصدار أوامر قبض في أوقات معينة من ضمنها أيام العطلات الرسمية , تبعا للنيابة الحق في تجاوز هذا القيد في حالة الضرورة القصوى …….. ولا أحسب أن إخلاء الطلاب من داخلية يدخل في حالة الضرورة إلا إذا كانت البناية آيلة للسقوط أو اشتعلت فيها النار وأبي الطلاب الخروج منها؟! الأمر كله يدعوا إلي السخرية ويبين حالة الحكومة التي تضرب بغير هدي , لا تضع الحكمة موضعها ولا الشدة موضعها ولا اللين موضعه ، بلغ الخوف بالحكومة مبلغاً اعتبرت الطلاب مهدداً أمنياً لها فذهبت تغلق الجامعات وتضيق علي الطلاب وتعتقلهم وتضربهم وتشردهم ظنا منها أنها سوف تحد من خطرهم ولكن هيهات- هيهات هذه التصرفات من الحكومة في مواجهة الطلاب دليل قاطع علي إنها فرائصها ترتعد خوفاً من الربيع العربي القادم… الغريب العجيب أيضاً أن منابر الحكومة انبرت تدافع عن الواقعة الحزينة بمبررات تثير الضحك بل أن بعضها كشفت ما كان مستوراً تنصلت الجامعة عن مسئوليتها وألقت ما حدث علي عاتق صندوق دعم الطلاب المالكة للداخلية ونحن لا نملك إلاّ أن نشكر الجامعة ممثلة في بعض أساتذتها الدكتورة أبو كشوة وعميد الهندسة ونائب عميد الآداب علي وقفتهم مع الطلاب وقيامهم بإجراءات الضمانة وهذا أضعف الإيمان . أما صندوق دعم الطلاب وربيبته اتحاد طلاب الخرطوم فقد ذهبوا يلومون الطلاب ويرمونهم بكل نقيصة ويمتدحون ما قامت بها الشرطة ,ففي مؤتمر صحفي عقده مسئول الصندوق بولاية الخرطوم كشف عن أن أغلب ساكني الداخلية التي تمت مداهمتها ليسوا طلاباً بل كانوا خريجين يعملون في إعمال هامشية تجارة وسمسرة وهلمجرا…. وأضاف أن بعضهم من القوات النظامية !! هذا القول كان يحتاج إلي مزيد من التفصيل …. من هم المنتسبون إلي القوات النظامية وكانوا يقطنون داخليات الجامعة هل هم من الشرطة !! أم الجيش لا أحسب و بطبيعة الحال أن أحداً من هؤلاء تحدثه نفسه الأمارة بالسوء أن يتخذ من داخليات الطلاب مسكناً له لم يبق إلاّ فرع الثالث من القوات النظامية و هم المنتسبون إلي قوات الأمن فهؤلاء وبطبيعة عملهم لا حرج من أن يندسوا وسط الطلاب ويسكنون معهم حماية للأمن القومي الذي يهدده طلاب الجامعات فأن كان الأمر كذلك …. فلا يجوز لمسئول الصندوق الكشف عن ذلك علي الملأ وإلاّ عرض نفسه للمساءلة الجنائية ( الكشف عن مصدر مزروع وسط الطلاب) افتقدت الحكومة حتى الحصافة واللياقة في الكلام بدليل أن ما ذكره مسئول الصندوق يدين الصندوق فكيف يسمح مسئولو الصندوق بهذه الفوضي التي تضرب في الداخليات , غياب ضوابط السكن وسوء الخدمات وهلمجرا…..هل عجزت الصندوق وهي التي أقامت عشرات الداخليات للطلاب والطالبات من إدارة الداخليات والتي تحولت إلي أمكان إيواء للتجار والعاطلين والقوات النظامية بينما الطلاب المستحقون للسكن يهيمون علي وجوههم !! حان الوقت لدراسة أمر الداخليات وتبعيتها للصندوق …. لماذا لم تتبع الداخليات لإدارات الجامعات …. كل جامعة تدير داخلياتها ويكون الصندوق داعمة للجامعات باستقطاب الدعم المادي وإقامة الداخليات …. هذه فرصة سانحة لدراسة الأمر بصورة جدية. أما أجهزة الإعلام الحكومية وخاصة المرئية فقد أظهرت تخلفها وتحولها إلي أبواق للنظام ، لم تسمح هذه الأجهزة للطلاب أن يدلوا بدلوهم فيما حدث لم تستضيف هذه الأجهزة أي من الطلاب المتضررين بل أفسحت المجال لمنابر الحكومة لتلوك حديثاً بائساً لا يسمن ولا يغني من جوع هذه الأجهزة بينت أنها ما تزال تعيش عهد الشمولية والرأي الواحد مع أن السيد وزير الإعلام الجديد – القديم (المهندس مسار) قد بشر بعهد جديد يفتح فيه التلفزيون وكل الأجهزة القومية للرأي والرأي الآخر بشفافية….. ذهب كلامه أدراج الرياح وسكت الوزير عن الكلام المباح وكل أناء ينضح بما فيه …. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم ….. أما الكارثة الكبرى والبلية هي ما ذهب اليه مندور المهدي باتهام الأحزاب بتحريك أحداث جامعة الخرطوم بغرض نسف الاستقرار في البلاد ، فهذا الرجل درج علي أطلاق تصريحات تفتقر إلي المنطق , مثله مثل نافع علي نافع ، ففي الوقت الذي دأبت الحكومة علي وصف أحزاب المعارضة بأنها فاقدة للقواعد وأن الجماهير انفضت عنها وأنها غير قادرة علي فعل شئي غير طق الحنق يأتي هذا المندور ليتهم الأحزاب بتحريك أحداث جامعة الخرطوم ، دأبت الحكومة كلما واجهتها المشاكل وعجزت عن مواجهتها ترمي بفشلها وعجزها علي أحزاب المعارضة. فكل المشاكل تتحملها المعارضة انفصال الجنوب ، الحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والأزمة الاقتصادية وغياب الحريات والفساد ومشكلة المناصير وهلمجرا…. هذه المشاكل وغيرها تتحملها المعارضة أليس هذا هو البؤس بعينه , لو أن هنالك حكومة محترمة ووصلت بها الأمر إلي هذا الحال الذي نحن فيه في هذه البلاد لأقدمت علي الاستقالة مع الاعتذار للشعب السوداني …. ولكن لا حياة لمن تنادي …. فعلي الحكومة أن تنتظر الطوفان. بارود صندل رجب المحامي