عنوان رسالة بالبريد صباح البارحة كان صارخا، ولذلك تجاوزت كل الرسائل وفتحت تلك الرسالة متوجسا، وإذ هي تحمل النص التالي، فلنقرأها سويا: (الأستاذ الطاهر، السلام عليكم ورحمة الله، أحسبك وفي هذا الوقت المتأخر من الليل قد تكون نائماً، ولكن عند استيقاظك في الصباح تذكر أن هنالك المئات من طلاب جامعة الخرطوم قد التحفوا الشارع وناموا مشردين، ولا لذنب قد جنوه سوى أنهم طلاب للعلم بقلعة العلم.. ما يمارسه النظام - أخي الطاهر - تجاه هؤلاء المساكين هو الظلم بعينه، ويتطلب وقف قلمكم معهم وإحقاق الحق لأن الأمر تمادٍ، ولو تخاذلتم فيه فإن الله محق حقه ولو كره الظالمون.. أخوك/ م،أ،م / الخرطوم الصحافة).. هكذا نص الرسالة.. حجبت اسم الراسل، مكتفيا بالأحرف الأولى، قد يكون طالبا فيعاقبه نهج النقرابي بمداهمة أخرى والناس نيام، أو كما فعل فجر البارحة..!! ** ليس هناك ما يبرر للنقرابي وإدارة صندوقه لمداهمة طلاب جامعة الخرطوم - بواسطة الشرطة - وهم نيام في داخلياتهم، غير شهوة الإذلال الراسخة في نهجهم الإداري.. نعم، مداهمة داخليات الطلاب عند ساعات الفجر الأولى، وتوزيعهم قسريا الى أقسام الشرطة، ليكملوا نومهم - إن استطاعوا- في الحراسات، نوع من النازية.. فالتبرير - مهما كان - ليس مهما وغير مقبول في حدث كهذا، وأي عذر في حدث كهذا فهو أقبح من ذنب الطلاب، هذا إن كان للطلاب ذنبا غير قبولهم بأن يدير صندوق النقرابي داخلياتهم بالعقلية الأمنية.. نعم ليس هناك ما يبرر ما حدث، إذ طلاب جامعة الخرطوم ليسوا بتجار مخدرات ولا بأفراد في مافيا ولا بعملاء لدولة أجنبية ولا بجواسيس لصالح أعداء وطنهم، بحيث يختار نهج النقرابي لشرطة الخرطوم ساعات الفجر الأولى وقتا مناسبا للاقتحام والمداهمة والإخلاء القسري ثم الإذلال باقتيادهم الى سجون الأقسام.. ولك أن تتخيل ياصديق حجم قوة يقتاد (317 طالبا) الى (13 قسما)، تحت جنح الدجى، بأمر صندوق النقرابي!. ** فلتكن بالداخليات عمليات صيانة، أو كما يبرر الصندوق، علما بأن ما آل عليه حال الداخليات يدحض هذا التبرير، فالصندوق مغرم بالتجارة والاستثمار والاستيلاء على أراضي الجامعات المقابلة النيل، وليس بتأهيل الداخليات.. وليكن بالداخليات نفرا من غير الطلاب، أو كما يزعم الصندوق، علما بأن الذين يحرسون أبواب الداخليات هم بعض الذين يعملون تحت إمرة صندوق النقرابي، وإن كانت هناك فوضى في الغرف بحيث يسكنها غير الطلاب، كما يبرر الصندوق، فإنها فوضى ناتجة عن سوء إدارة صندوق النقرابي، ولو كانت تلك إدارة واعية ومسؤولة وتتقن عملها لما كانت هناك فوضى.. وليكن قد تم إخطارهم وإنذارهم مرارا وتكرارا، أو كما يقول الصندوق.. بغض النظر عن كل تلك التبريرات الواهية، هل الساعة الثالثة فجرا هي التوقيت المناسب لمداهمة غرف الطلاب؟.. أي نوع من الإنسانية هذه المعشعشة في نفوسهم وضمائرهم وتختار لهم هذا التوقيت وقتا مثاليا لاقتحام غرف الطلاب؟.. وهل يرضى النقرابي والعاملون معه لأنفسهم وآل بيتهم – لا قدر الله - بفزع كهذا عند لحظات نومهم، وبهلع كهذا عند ساعات سكينتهم، بحيث يصحو أحدهم بضربة (خرطوش أو بوت).؟ ** المهم.. ما حدث فجر البارحة بداخليات طلاب جامعة الخرطوم يجب أن يعجل برحيل صندوق النقرابي عن إدارة الداخليات، بحيث تعود إدارتها - كما كانت - للجامعات.. لقد احتمل الطلاب الحياة في داخليات تفتقر الى أبسط وسائل الراحة، وليس من العدل أن يحتملوا أيضا مداهمات شرطة النقرابي لغرفهم بعد منتصف الليل وهم نيام.. إعادة إدارة الداخليات الى الجامعات مسؤولية يجب أن تتحملها إدارات الجامعات والاتحادات الطلابية وروابطها وجمعياتها.. فالأساتذة - بنهجهم التربوي- هم الأقرب للطلاب وهم الأجدر بإدارة مساكنهم، وليست إدارة الصندوق التي لم تعد تتقن غير البطش والتنكيل والإذلال، أو كما تجلى ذلك في مداهمات ما بعد منتصف تلك الليلة.. ثم نسأل وزير الداخلية ومدير عام الشرطة: إن كان قانون الإخلاء يرحم الأسر الكريمة بحيث يخليها من بيوت الإيجار نهارا، فمن أين جاءت شرطة البارحة بنص يداهم الطلاب ويخليهم من بيوتهم بعد منتصف الليل؟.. أي، إن كانت طرائق تفكير صندوق النقرابي لا تحترم كرامة الطالب بحيث تسلم أمر الإخلاء النيابي للشرطة بمنتهى اللامبالاة واللامسؤولية، فإن طرائق تفكير الآخرين المناط بهم تنفيذ الأمر النيابي يجب أن تكون مسؤولة في قضايا كهذه، بحيث لا ترحل الشاب السوداني- طالبا كان أو خريجا - من فراشه ليلا بالقوة الجبرية الى الحراسات، وكأنه أجنبي مخالف لقانون الهجرة.. على كل حال، أعلموا بأن العواصم التي حولكم ما اشتعلت نيران غضبها إلا حين اُنتهكت كرامة طلابها وشبابها.. ومع ذلك لن تتعظوا، لأن فيكم (ألف نقرابي ونقرابي).! إليكم - السوداني [email protected]