مع احترامنا وتقديرنا للحراك الفكري الدائر الآن وسط المثقفين من أبناء الحركة الإسلامية الحاكمة ولكل المذكرات ما ظهر منها وما بطن، فإنها تدور حول قضايا تنظيمية وسياسية مجردة، ولا تقدم مقترحات عملية تخرج الحكومة والبلاد من الدوامة الجديدة التي دخلنا فيها في ظل تداعيات الانفصال والنزاعات القائمة والكامنة. نقول هذا بمناسبة الندوة التي عقدت مساء الجمعة الماضي بمنبر الأمبن السياسي للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم د. نزار خالد الذي نحمد له هذا الحراك المهم، ولكن ما رشح عن الندوة وتلخيص ابننا عبد الباسط إدريس في “السوداني” أمس الأول الاثنين يؤكد ما ذهبنا إليه من أن مثقفينا للأسف يدورون في فضاء فكري وأن الواقع بكل تحدياته عصي على تناولهم. ورقة الدكتور محمد محجوب هارون مدير مركز دراسات السلم بجامعة الخرطوم حول مفهوم الدولة الوظيفية هي محاولة للخروج من المآزق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاثنية والأمنية التي تواجه الحكومة التي طرحت برنامجها السياسي باسم المشروع الحضاري بهدف قيام الدولة الرسالية، اجتهد الدكتور هارون وهو يعيد طرح المشروع الحضاري بعيداً عن ما أسماه بالمصادمات الضرورية التي للأسف ما زالت قائمة خاصة في المستوى التنظيمي القيادي للحزب الحاكم، ولكنه أيضاً لم يتطرق للتحديات اليومية التي في رأينا أخطر التحديات التي تواجه المشروع الحاكم. إن الاختناقات الاقتصادية وتداعياتها الكارثية على حياة المواطنين ممثلة في ارتفاع أسعار السلع والحاجات الأساسية لهم، لن تحلها مثل هذه التهويمات الفلسفية النظرية التي لا تكاد تلامس أرض الواقع. المطلوب إلى جانب الحراك السياسي المهم حراك أهم نحو السياسات الاقتصادية والمالية لمحاصرة التضخم وغلاء الأسعار والصرف البزخي والفساد، وهذا يتطلب معالجات شجاعة وجذرية تتجاوز آثار السياسات الاقتصادية والمالية الحالية التي شوهها أكثر التطبيق الأعمى لسياسات التحرير الاقتصادي دون اعتبار للواقع الاجتماعي والمعيشي الذي تعقد أكثر بعد انفصال الجنوب.