تتجلى مقدرة الشعر في التجاوب السريع مع الحالة وتسجيل موقف قد لا يخلو من العاطفة، لأنه يأتي عفو خاطر وايحاء لحظي محكوم بسياقات إنسانية.. لصالح أو ضد الموقف.. وبهذا الفهم أقول انه لا غرو في ان البطانة احتشدت في تلك السنوات الباكرة من الستينيات التي ارتبطت في تاريخ البطانة بتوطين النوبيين بالبطانة، ببعض مشاعر عدم القبول والنفور من القادمين الجدد.. ولعل شريحة شعراء البطانة هي أكثر الشرائح التي انفعلت وعبرت عن رفض توطين النوبيين.. بل قاومت بالكلمة كل محاولات التغيير والاستجابة لدواعي التغيير الاجتماعي والاقتصادي بمنطقة حلفاالجديدة ومشروع خشم القربة الزراعي، فذاك الصادق ود آمنة يحزن لتغيير الحال في الصفية القديمة بعد استجابة العرب ورحيلهم الى داخل المشروع والانخراط في الحياة الجديدة يقول: يا صفية الملوك أنا كان عقبتك أخير الشايف الصقور كيفن بحاحي الطير فضل فيك الأمين دورة ومحانكو نكير راح طريك مع طنة دريس ود خير يا صفية الملوك أخير نقفل بابك رحلوا أولاد دريش و اتفرقوا بليلابك في زمن قريب كان نفتخر بشبابك المشروع غدر صاب ام رويشد وصابك وأحزنه اكثر ان تجاوز الأمر العوام وطال الزعماء من أهل الحل والعقد فيقول: ودرتنا أم سراب من القلبنا بريده ود الحار عقب ريرة وسكن في عريضة وتواترت نبرة الرفض والحزن والحسرة على مآلات البطانة التي استقبلت أدوات التغيير والمدنية بعنفوان شديد ليضع شاعر آخر اللوم في هذه الاستجابة السريعة على أبناء حلفا فقال في هذا المعنى: حلفا الجابت العدو والصليح والعيلا حلفا الجابت الغز والجفار من بيلا حلفا الشهت المخلوق عتمة أم ميلا حلفت حلفا خير الناس تلحقو شيلا والشاهد فيما نكتب وننقله من دفتر الذكريات لقراء صدى الأماجد في كل مكان، لا نقصد من ورائه إلا التعرض لتجربة حية تجسد فيها السلام الاجتماعي بكل أبعاده، من خلال العشرة الطويلة التي امتدت بين الحلفاويين والعرب وأثمرت مصاهرات وعلاقات إنسانية واجتماعية ومصالح اقتصادية، وتبدلت كثير من المفاهيم لصالح التجربة الإنسانية. محمد علي عبد الجابر سنجة