أنجز مجلس الأمن الاسبوع الماضي عملا خارقا حقا، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الخلاف الأخير بين أعضائه حول سوريا وغيرها من القضايا الجيوبولوتيكية المترابطة مع قضايا حقوق الإنسان: ففي 6 مارس أصدر المجلس بيانا رئاسيا حول السودان وجنوب السودان يظهر إجماعا دوليا متزايدا حول قضايا حرجة من بينها وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين على حافة المجاعة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وحول الوضع النهائي لمنطقة أبيي المتنازع عليها، وحول عملية المفاوضات بين الخرطوم وجوبا التي تشمل قضايا النفط والحدود الشمالية الجنوبية والترتيبات الخاصة بالمواطنة والإقامة. ورغم أن البيان الرئاسي ليس له قوة قرار مجلس الأمن إلا أنه يتطلب قبل صدوره إجماعا بين الأعضاء. والمدهش حقا أن مناقشة نص البيان استمرت لمدة أسبوع فقط داخل المجلس. ورغم أن البيان يظهر درجة من الإجماع بين أعضاء المجلس حول عدد من القضايا الحرجة التي تؤثر على دولتي السودان إلا أن مراقبي الأممالمتحدة قالوا بأنه يبدو وجود بعض الخلافات متبقية بين بعض الأعضاء حول منهج المجلس، تحديدا روسيا وأذربيجان وباكستان والهند يبدو أنهم يرون أن خطاب المجلس حول القضايا التي عالجها البيان يجب أن يكون متوازنا في إدانته لجوبا والخرطوم. رصد البيان بالترتيب التاريخي الاتفاقيات الأخيرة الموقعة من قبل حكومتي السودان وجنوب السودان، وبين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، قطاع الشمال، ومن ضمنها اتفاقية 28 يونيو الإطارية للترتيبات السياسية والأمنية لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، واتفاقية 20يونيو فيما يخص الترتيبات المؤقتة حول أبيي. وذكر مجلس الأمن أن أيا من هاتين الاتفاقيتين، وغيرها من الاتفاقيات لم يتم تنفيذها بالكامل وطالب الأطراف ذات الصلة بتنفيذها فورا. وفيما يخص أبيي بالذات فقد طالب المجلس الخرطوم وجوبا بالعمل بهمة باتجاه حل سياسي طويل الأمد فيما يخص الوضع النهائي لأبيي. وفيما يتعلق بالمجاعة الوشيكة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، فإن المجلس، وفي تظاهرة رائعة للتضامن الدولي حول قضية وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، يطالب بالتالي: التعاون الكامل من حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال مع الأممالمتحدة والوكالات والمنظمات الإنسانية الأخرى، وتأكيدهم بالاتساق مع القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والمبادئ الحاكمة في حالات طوارئ المساعدات الإنسانية، على الوصول الآمن ودون عوائق والفوري لموظفي الأممالمتحدة والوكالات الإنسانية الأخرى علاوة على ترحيل الإمدادات والمعدات ليتمكن أولئك الموظفون من القيام بعملهم بكفاءة لمساعدة السكان المدنيين المتأثرين بالصراع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وحث المجلس الحكومة السودانية على التوقيع على ما يسمى (المقترح الثلاثي) الذي قدمته كل من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الولايتين والذي وافقت عليه الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال. ولا شك أن هذه التصريحات القوية من المجلس تستحق الإشادة باعتبارها خطوة إيجابية نحو بناء إجماع دولي قوي لإيصال المساعدات الإنسانية لسكان النيل الأزرق وجنوب كردفان حيث يتعرض حوالي 400,000 مدنيا لخطر المجاعة خلال الأسابيع والأشهر القادمة. إن مطالبة المجلس بموافقة الخرطوم على المقترح الثلاثي يمكنها أن تعمل على المزيد من تعزيز هذا الإجماع وتساعد في التأكيد على وصول الإغاثات للمدنيين التي يحتاجونها إذا وجدت أذنا صاغية. ومع ذلك فهناك بعض المزالق المحتملة في ذلك المقترح، أهمها غياب جدول زمني لتنفيذ خطوات المقترح ، والاحتفاظ الواضح للخرطوم بحقها في مراقبة حركات الأشخاص والمساعدات داخل الولايتين من خلال مفوضيتها للعون الإنساني (HAC) وهو أمر يختص بالطبع بالسيادة السودانية وربما هو خط دبلوماسي ضروري، ولكنه أيضا يعتبر منفذا قد تستغله الخرطوم، وعلى أي حال، فلو وضعنا في الاعتبار نزوع الخرطوم لإبرام اتفاقيات بسوء نية وتأخير أو إبطال تنفيذ تلك الاتفاقيات، فإن ذلك قد يعرض المقترح الثلاثي لذات مصير الاتفاقيات التي سبق وتنصلت منها الخرطوم. إن الولاياتالمتحدة سوف تتولى رئاسة مجلس الأمن في الشهر القادم وهو ما يوفر لها فرصة دور أكثر قيادية فيما يتعلق بمناصرة قضايا حقوق الإنسان والحريات الأساسية للشرائح المستضعفة في جميع أنحاء السودان. ويجب على إدارة أوباما ألا تفوت هذه الفرصة خاصة على ضوء الإجماع الذي تم بناؤه وسط أعضاء مجلس الأمن حول القضايا الحرجة التي تؤثر في الدولتين. وبإمكان الولاياتالمتحدة استثمار توليها لرئاسة المجلس كفرصة في عرض قرار لمجلس الأمن يخاطب القضايا التي عالجها البيان الرئاسي الأخير. ويمكن للقرار أن يطالب الخرطوم بالموافقة الفورية على المقترح الثلاثي كما يطلب تحديد جدول زمني وأساسيات للتنفيذ مصممة للحصول على أفضل تأثير ممكن من المقترح. كذلك على الولاياتالمتحدة وأعضاء المجلس الآخرين الوصول لاتفاق صريح مع الخرطوم بعدم استخدام مفوضية العون الإنساني (هاك) لإحباط تنفيذ المقترح.هذه الخطوات يمكنها أن تساهم في ضمان عدم مقدرة الحكومة السودانية على تقويض فعالية المقترح عبر تكتيكات التأخير المعروفة والتلاعب في النصوص.