أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    المريخ يتدرب بالصالة    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكيك الخطاب العربي الإسلامي بين الإسلام كثقافة والإسلام كرسالة
نشر في حريات يوم 25 - 03 - 2012


(1)
بقلم: خالد يس
مقدمة:
نشير مرة أخرى هنا كما اشرنا سابقا، إلى إننا لسنا معنيين بالثقافة العربية في مركزيتها على مستوى الجزيرة العربية أو غيره فتلك ثقافة لها نخبها، فما يهمنا ليس رؤية الثقافة العربية ولكن تأثير تلك الرؤية على الواقع السوداني، ولذلك سنناقش فترة تاريخية محددة وهي فترة الرسالة المحمدية التي بلورتها النخب العربية باعتبارها رؤية إلهية للثقافات الإنسانية دون ان نتدرج لنري كيفية قيام مجتمع التحولات المكي أو نواصل لنري مجتمعات الثقافة العربية الآن. فهمنا الأساسي داخل السودان هو وجود الثقافة العربية كأحدي الجينات بجانب الجينات الأخرى التي كونت الثقافة السودانية ولذلك وجب إعادة استيعابها كجين ووعي ضمن كل وليس جين ثقافي لوحده. ولذلك نناقش الرؤية العربية التي فرضت على الثقافة السودانية وبدل ان تضيف للكل الثقافي السوداني أصبحت مصدر أزمة للواقع السوداني. فمناقشتنا لتلك الرؤية ومحاولة ردها إلى إنسانيتها وثقافيتها يرجع إلى امكانية رؤيتها كواحدة من جينات الثقافة السودانية وليست هي الكل الثقافي السوداني وان تجد ذاتها من داخل الكل الثقافي السوداني. فليعزرونا الإخوة في مركزية الثقافة العربية على مستوى الجزيرة العربية أو كل من يمسه هذا الخطاب فهو موجه بالأساس للنخب السودانية التي تفترض ان الرؤية العربية عبارة عن رؤية إلهية وليست ثقافية وبالتالي استحوذت تلك الرؤية على مجتمع التحولات (مجتمع الوسط) ونخبه مما أدي إلى البعد بين مجتمع التحولات ومجتمعاته الأصلية المتمثلة في الشرق والغرب والجنوب والشمال، فكانت تلك الرؤية مصدر أزمة للثقافة السودانية بالإضافة إلى الثقافة الغربية التي فرض مجتمعها التخيلي (الدولة) بكل قيمه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أي بكل قيمه الثقافة باعتبارها قيم لكل المجتمعات.
الرسالات السماوية:
سارت الرسالات السماوية مع التحولات الإنسانية كإعادة للوعي والاستيعاب ففي المجتمعات الأولى والتحولات الجزئية التي كانت تتم داخل تلك المجتمعات فكان لكل مجتمع رسالة تتجاوز به قصور الوعي الإنساني وبالتالي قصور كلية القيم. وقد جاءت الرسالات السماوية من اجل إعادة الوعي بالإله المتعالي والإنسان إذا كان انا أو آخر، بناء على مرحلة التحولات التاريخية للمجتمعات الإنسانية فعند المراحل التاريخية ونسبة لبعد الاخر عن حيز الوعي كانت تأتي لكل مجتمع في محاولة لوعي المجتمع بذاته الكلية نتيجة للتحولات الجزئية التي كانت تتم في ذلك التاريخ في صورة مفاهيم من داخل الثقافة وذلك لدفع المعني الثقافي نحو الاستيعاب الإنساني، وقد كنت الرسالة اليهودية نهاية الرسالات التي تأتي لثقافة محددة دون استصحاب الاخر الثقافي داخلها، ولذلك كانت تعني بتفعيل المعني الإنساني بين أفراد الثقافة فكانت إرشادات الرسالة اليهودية تدعو إلى إعادة الوعي بالمجتمع وبالتالي كانت تحض على عدم استعباد اليهودي للأخر اليهودي ومحاربته وهو تركيز للمعني الإنساني داخل اليهودية ومساعدته إذا لجا إليه، وقد وقفت النخب اليهودية عند ذلك الحد باعتبارها تعاليم من سيد إلى عبد بالمفهوم المجتمعي وليست رسالة من اله إلى إنسان فاعل يستطيع ان يستوعب من خلال تلك المفاهيم لإنسانية ذاته المجتمعية. اما المسيحية وهي رسالة يهودية فقد مثلت النقلة الأولي في الوعي بالأخر الثقافي من حيث الإرشادات المسيحية في كظم الغضب ومقاومة الشر ومحبة الجميع وغيرها من الإرشادات، وذلك نسبة لتجاوزها للمعني الايدولوجي أو المعني المغلق داخل الثقافة والمتراكم تاريخيا (أو كما وصفته الرسالة المحمدية: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)) فقد كانت الرسالة المسيحية ومن بعدها الرسالة المحمدية دعوة لإعادة الاستيعاب للإلهي والإنساني المجتمعي الثقافي والاخر الثقافي وذلك باستيعاب الأخر باعتباره إنسان وليس باعتباره اخر مضاد فتم رفضها (رسالة المسيح) من قبل المجتمع اليهودي. وبعد خروجها من المجتمع اليهودي تم استيعابها من قبل الثقافة الغربية وادلجتها داخل قيم ثقافية محددة لتصبح رسالة ثقافية هي الأخرى. اما الرسالة المحمدية فقد تجاوزت الرسالة اليهودية والمسيحية بإعادة استيعابها وفق ظروفها وتجاوزها من حيث إعادة استيعاب للإله بالإله كقوة للوعي وليس الإله بوصفه ذات كما الذات الإنسانية بكل قيمها وترميزها وذلك بالإشارة إلى الآيات الدالة على الإله من خلال الكون أو من خلال الإنسان وليس من خلال الإله كذات وكذلك فقد مددت الوعي بالأخر الإنساني من خلال محاورة الثقافة العربية من داخلها من خلال اعتماد القيم الثقافية كقيم إنسانية وليست إلهية يمكن ان تتجاوزها المجتمعات في مراحل التحولات وهو ما يؤدي بالتالي إلى نفي أي صفة للتقديس لغير الإله فاعتبار أي فعل إنساني هو الهي يؤدي إلى نفي الأخر وبالتالي تحجر التحولات عند مرحلة معينة كما سنري في التقديس الذي أعطي للمصحف الذي بدا كواحد من عدة مصاحف ثم عاد وأصبح صنم يعبد، والرسول، والشرع وغيرها من أدوات الرسالة الإلهية، فاعتبار أدوات الرسالة عبارة عن قيم لذات إلهية كما الذات الإنسانية هو الذي أعطاها معني الكمال فهي ليست كاملة بذاتها وإلا أصبحت آلهة شانها شان الإله. ولكن ديدن المجتمعات في الترميز الإنساني أدي إلى إعادة ترميز الرسالة المحمدية داخل قيم الثقافة العربية بالاعتماد على أدوات الرسالة (الرسول، والنص، والأماكن الجغرافية …).
الثقافة العربية والرسالة الإلهية:
بناء على تعريف التحولات الاجتماعية الذي يقوم على ثنائية الوعي الجيني والوعي السلوكي الذي يتمحور حول المجتمعات فقد واجهت النخب العربية صدمة عند بداية الرسالة الإلهية في تعريف الأنا والأخر التاريخي المتوارث ولذلك لجأت تلك النخب إلى استلهام التراث في محاولة لإعادة استيعاب الرسالة وتقديم رؤية نخبوية تدعم بها إعادة الاستيعاب للرسالة المحمدية ومع التحولات أصبح الوعي التاريخي الثقافي بالرسالة عبارة عن رسالة في حد ذاته بعد احتواءه داخل المعني الثقافي. ومع وجود ضغط الاخر الثقافي كان الهم الأساسي هو إنتاج خطاب من قبل النخب يعبر عن الذات الإنسانية كما تراها تلك النخب، فالمجتمعات كما رائينا في التحولات الاجتماعية وترميزها للإنسانية الجيني اما النخب فترميزها للإنسانية سلوكي فكان إعادة استيعاب للرسالة الإلهية من رسالة إرشادية شفاهية والتي تم احالتها المادية كسلوك من قبل المجتمعات ثم إلى مقولات ومفاهيم من قبل النخب العربية، فتلك الرسالة لم يتم الوعي بها كرسالة إرشادية لإعادة استيعاب للإله والإنسان المجتمعي والاخر ولكن تم إعادة استيعابها كقيم إلهية ولذلك كانت أدوات تلك الرسالة تعبر عن هذه القيم مما أدي مع التحولات إلى استيعاب الرسالة كنص يعبر عن الذات الإلهية التي تم ترميز قيمها داخل قيم الرسول (محمد) كما فعلت الثقافات الأخرى في إعادة ترميزها للإله. فكل أفعال الرسول وأقوله هي أفعال وأقوال الإله فكانت الإحالات المادية للرسالة على حسب الهوية المجسدة تاريخيا وكان هذا بداية الاستيعاب وبتحقق ذلك الاستيعاب كان الاعتماد على التحول الأعمى للمجتمع وإعادة الاستيعاب لتحول القيم السلوكية إلى مفاهيم تتجاوز الثقافة إلى الاخر الثقافي في ضغط التحولات ولذلك كان التحول الاعمي على مستوى المجتمعات العربية من خلال تعبير النص عن تلك المجتمعات كمركزية للرؤية الكلية للرسالة المحمدية فبدا الاستيعاب جزئي على مستوى المجتمعات العربية بناء على التحول الأعمى ثم تجاوزه عبر كلية الهوية، وبناء على مراحل التحولات الاجتماعية كانت بداية الرسالة من خلال قراءة كل مجتمع للرسالة بلسانه أي حسب مرحلة تحولاته من خلال الترميز السلوكي، ولان نخب مجتمع التحولات تتجاوز المجتمعات الأخرى من خلال استيعابها لكل المجتمعات فهي تري الكلية القيمية التي تربط أفراد المجتمع والعلاقة بين الذات المجتمعية والكل المجتمعي على حسب الوعي الجيني وكذلك تري القصور عن الوعي بالاخر المجتمعي كاخر إنساني، لذلك كان إعادة استيعابها يعتمد على القيم السلوكية داخل مجتمع التحولات فكان اعتمادها على إحالات مادية للرسالة يؤكد الهوية العربية (فالنخب تسعي إلى تأكيد الإنسانية ولكن تأكيد الإنسانية من داخل الثقافة دون الوعي بالاخر الإنساني داخل الرؤية هو الذي أدي إلى اصطدام الرؤية عند خروجها من ثقافاتها لتعبر عن ثقافات أخرى)، ولذلك لم تكن هنالك أزمة اجتماعية في التحول من القراءات المتعددة إلى النص الواحد في سبيل تأكيد الهوية ومواجهة ضغط التحولات مع الأخر ونسبة لتمثل المجتمع المكي للرمزية الثقافة باعتباره مجتمع التحولات التاريخي بالإضافة إلى احتكاكه بالأخر الثقافي ما قبل الرسالة لذلك يمكن ان نري في المجتمع المكي مرونة التحولات فالترميز الثقافي التاريخي في المجتمع المكي جسد التحولات والاستيعاب عن طريق تحولاته التي تكونت نتيجة تاريخية لاحتوائه على عدة مجتمعات ولكنها تنتمي إلى الفضاء الثقافي العربي فكانت التحولات قبل مرحلة الرسالة تعتمد على النخب الاجتماعية ولكن بعد الرسالة وضغط التحولات الذي فرض على الثقافة صياغة تلك الهوية من خلال مفاهيم ومقولات كانت التحولات الثقافية التي كونت مع التاريخ أيضا علماء اللغة والفقهاء وعلماء التاريخ والتفسير وغيره فكما رأينا في تلك النخب التي تصيغ الإحالات المادية المجتمعية إلى مقولات ومفاهيم فالمقولات والمفاهيم هي المجتمع الحقيقي للنخب الثقافية وذلك لاستيعابها لكل المجتمعات جينيا مع محاولة صياغة ذلك الاستيعاب من خلال كلية قيمية مصاغة من خلال المقولات والمفاهيم.
الثقافة العربية والواقع السوداني:
لا احد ينكر جزئية الثقافة العربية جينيا داخل الثقافة السودانية أو استيعابها من قبل المجتمعات الأخرى كواحدة من الكل الثقافي السوداني ولكن الأزمة بدأت مع تحكم تلك الجزئية في تمرير كليتها القيمية من خلال رؤية نخبها التي اعتمدت على عصر التدوين الذي تم عند التحول الثقافي عن طريق التحول والاستيعاب من خلال نقل الإحالات المادية السلوكية إلى مفاهيم في وجود ضغط التحولات الذي شهدته منطقة الجزيرة العربية بناء على كل ذلك نناقش الرؤية التي قدمتها نخب الثقافة العربية باعتبارها رؤية إلهية للثقافات الإنسانية. فتلك الرؤية التي تعبر عن إنسان تلك المنطقة التاريخي وفي رؤيته للانا والاخر والانا هنا تعني الانا الاجتماعية بكل ترميزها القيمي، وبالتالي تفكيك تلك الرؤية يتيح لجينات الثقافة العربية ان تتفاعل مع غيرها داخل الثقافة السودانية لإنتاج رؤيا كلية سودانية تقوم على الإنسان السوداني أو الانا المجتمعية السودانية التي استصحبت معها التحولات، ولذلك عند التدوين السوداني يكون أساس الوعي هو المجتمعات وكيفية تحول الإحالات المادية السلوكية إلى مفاهيم ومقولات وفق فضاء سوداني يتيح للكل الثقافي ايجاد ذاته داخل مجتمع التحولات ويكون ذلك الإنتاج إضافة للكلية الثقافية، ويكون ذلك مفاهيميا من خلال فتح مجتمع التحولات نحو استيعاب تلك المجتمعات من خلال الكلية القيمية التي تربط افراد المجتمع والعلاقة بين الذات المجتمعية والكل المجتمعي على حسب الوعي الجيني وكذلك قصور الوعي بالاخر المجتمعي كاخر إنساني. فعلي النخب تجاوز ترميز المجتمعات الداخلية إلى ترميز كلي يضيف إلى كل تلك المجتمعات ويحول المجتمعات من مجتمعات متقاطعة إلى مجتمعات متداخلة في الهوية الكلية وذلك باستيعاب تلك التحولات ورؤية تأثر المجتمعات بضغط التحولات، فكل المجتمعات السودانية ليست على مستوى واحد من التحولات ولذلك هي مهمة النخب في الوعي بالترميز المجتمعي وتجسيداته الإنسانية وذلك يكون بعد تفكيك المقولات الايدولوجية للثقافات الغربية والعربية وردها إلى فضاءها الثقافي وهي مهمة نخب التحولات او بمعني محدد نخب الوسط. فإنسان الوسط إذا كان مجتمع أو نخب هو صنيعة كل المجتمعات السودانية فقد ساهمت كل المجتمعات جينيا في انتاج المجتمع التحولي الذي يمثل النموذج لقيادة بقية المجتمعات في عملية استيعاب وإعادة الاستيعاب للكل الثقافي عبر ذاته وعبر نخبه وقد اكدت على ذلك فترة التحول الاعمي التي كانت تقودها النخب الاجتماعية وليست الثقافية أي النخب المحلية التي تصيغ المعاهدات وتكمل مع المجتمعات الأخرى النموذج السوداني ولكن بعد التحولات التي تمت وصياغة المجتمع التخيلي بناء على رؤية احادية هي الرؤية العربية الاستيعابية والاعتماد على النخب الثقافية بديلا للنخب الاجتماعية فالنخب الثقافية تجسد الانسانية من خلال الترميز السلوكي اما النخب الاجتماعية فتجسد الانسانية من خلال العرق. ولعدم صياغة رؤية النخب للثقافة السودانية من داخل الواقع السوداني بل حدث العكس وهو محاولات صياغة الواقع بناء على رؤية وقيم الاخر الثقافي ومحاولة فرض تلك الرؤية ادي الى محاولة تفكيك كل المجتمعات الحقيقية لايجاد مجتمع يستوعب تلك الرؤية وبالتالي كانت محاولة تفكيك مجتمع التحولات الى مجتمعاته الحقيقية وتفكيك المجتمع الحقيقي، مع الوعي بان التحولات تتجه في مسارين يمكن ان يتكاملوا او يتقاطعوا فالمسار الاول هو مسار النخب الاجتماعية او الثقافية واعادة استيعاب الانا والاخر بناء على رؤية محددة اما المسار الثاني فهو مسار الوعي الجيني الذي تقوده المجتمعات وضمنيا النخب بالتحول الاعمي الذي يري الواقع دون رؤية كلية ولكن بناء على الوعي الجيني. وعند فرض المجتمع المتخيل او التخيلي (الدولة) على الانسان السوداني وقد وقفت النخب عند الرؤية العربية او الغربية في صياغة المفاهيم وابتداع التميز الذي حظي به مجتمعاها وهو مجتمع الوسط الذي تم دعمه من قبل كل المجتمعات ليس من اجل التميز ولكن من اجل التمايز في انتاج كلية، وذلك عن طريق تفكيك الرموز الاجتماعية المحلية وإعادة صياغتها على مستوى كلي تؤدي بالمجتمعات إلى الوعي بمفاهيم النخب من خلال إحالاتها المادية فتستوعب تلك الرؤية كل المجتمعات عن طريق صياغة مفاهيم ومقولات وفق فضاء سوداني يتيح للكل الثقافي إنتاج ذاته ويكون ذلك الإنتاج إضافة للكلية الثقافية. ولكن لعدم صياغة المجتمع التخيلي بناء على رؤية سودانية وتم ذلك قبل مرحلة تدوين للثقافة السودانية والتي تحيل القيم السلوكية إلى مفاهيم يمكن من خلالها ان تعمل الرؤية الاستيعابية بناء على تاريخية الثقافة المحددة (وهي هنا الثقافة السودانية) وفي ظل الرؤية الاستيعابية للمجتمع التخيلي من جانب الثقافة العربية أصبح المجتمع التخيلي لا يستوعب غير مجتمع الوسط جزئيا إذا كان من خلال رؤية الثقافة العربية أو رؤية الثقافة الغربية، فالنخب السودانية ولعدم امتلاك رؤية سودانية كان الاتجاه نحو الرؤية العربية وفق قيمها وكليتها الثقافية دون الوعي بان تلك الرؤية لها مجتمعها الخاص فهي لا تعبر عن المجتمع السوداني. ولذلك كان يستعين المجتمع بالوعي الجيني الذي يمنح الانسانية بناء على القيم العرقية وهو ما يؤدي الى التداخل في مفهوم الانسانية بين النخب التي تبني الانسانية على القيم السلوكية وعلى المجتمعات التي تمنحها باعتبارها الجيني. وبعدت بالتالي المجتمعات الأخرى وأصبحت تضغط على مجتمع الوسط في سبيل الوعي بقصور تلك الرؤية فكل المجتمعات تحاول ان تجد ذاتها من خلال المجتمع التخيلي الذي يعني الهوية الإنسانية للثقافة ويجسد الرؤية الكلية لتلك الثقافة لذلك تقاطعت الأدوار بين الفعل الذي تم انتاج المجتمع التخيلي من اجله والفعل الحقيقي المنتج من قبل المجتمع النخبوي في تجسيده الذاتي أو على مستوى تجسيد افراده ونسبة للرؤية الأحادية التي تقدمها الثقافة العربية في رؤيتها للذات والأخر فكان صراع التحولات يجسد تلك الرؤية حتى على مستوى النخب التي تنفي الأخر فأصبحت النخب التي على السلطة هي الانا والتي خارج السلطة هي الاخر إذا كان الشكل ديمقراطي أو عسكري فالإدارة تقوم على التماذج بين مجتمع الدولة الغربي والاستيعاب العربي الذي يتمركز حول الانا (وذلك لضغط الاخر الغربي والعربي على الثقافة السودانية فجاء المجتمع التخيلي “الدولة” بعيدة عن معني الانسانية الا معناها الجيني)، فنفي الأخر الذي يصل إلى حد التكفير سابقا والى حد فصل الهوية آنيا كما في الواقع السوداني الآن والتكفير الذي نراه حتى بين الجماعات الإسلامية ليس لان احدها لا ينطق بالشهادة ولكن لان رؤية تلك الثقافة تتمركز حول الذات وكل ما عدا ذلك اخر وهي تعني هنا “أي الاخر” الكافر لذلك يمكن ان يؤدي كل محددات الإسلام على حسب وعي النخب العربية بالإسلام من خلال الحديث “بني الإسلام على خمس” فنجد من ينطق بالشهادة ويصلي ويزكي ويحج ويصوم ويمكن بعد ذلك ان يوصم بالكافر لأنه ليس ضمن الانا التي أصبحت تعني جماعة محددة بناء على الصياغة النخبوية.
ونتيجة لقصور كلية القيم التي تقدمها النخب السودانية في استيعاب الكل المجتمعي مما أدي إلى نشؤ تقاطعات عند ممارسات المجتمعات لإنسانيتها داخل المجتمع الواحد أو بين المجتمعات اما النخب المجتمعية والثقافية السودانية فلم تجد هوية أخرى تفسر بها الكل الإنساني من خلال التداخل بين الفرد والمجتمع الحقيقي والمجتمع التخيلي وكذلك بين الفرد والمجتمع والإله ونسبة للتأثير الجيني للثقافة العربية ووجود ثنائية الثقافة الغربية بين الفرد والمجتمع التخيلي والفرد والإله التي لم تستطع المجتمعات الوعي بها في تحولها الأعمى لذلك لم تجسد مقولات الثقافة الغربية إحالات مادية على مستوى الواقع السوداني، كل ذلك أدي إلى ان تتبني النخب السودانية الرؤية أو الهوية الإنسانية العربية من خلال استيعاب مختلف. وكانت تلك النخب في محاولاتها لصياغة الإحالات المادية السلوكية للقيم السودانية إلى مفاهيم ومقولات تصطدم بمقولات الثقافة العربية الاستيعابية ونسبة لتفوق الرؤية العربية في بعدها التدويني كانت النخب تضغط في اتجاه توسيع تلك الرؤية العربية لاستيعاب الواقع السوداني (محمد احمد المهدي، محمود محمد طه، حسن عبد الله الترابي، الصادق المهدي …). ومع التحولات التاريخية كان تتم صياغة الواقع السوداني بناء على تلك الرؤية العربية تدريجيا فكانت صياغة المدن بناء على المجتمع التخيلي ومع تشكل المجتمع التخيلي أو الدولة كانت تمر الرؤية العربية عبر كل النخب جزئيا إلى أن عبرت عن وجهها الحقيقي في كليتها الاستيعابية ما بين الدين والثقافة في شكل الحركة الإسلامية كهوية أحادية وأدت إلى الضغط على المجتمعات الحقيقية على مستوى الأطراف لعدم استيعابه داخل تلك الرؤية بناء على هويته الذاتية (مجتمع الهامش). ونجد ان رد الفعل المجتمعي هو الضغط من اجل اعادة الاستيعاب من قبل مجتمع التحولات ونتيجة لاستمرار التحولات من خلال التحول الاعمي تجد النخب بين فترة واخرى مواجهة بواقع مختلف يتطلب إعمال الفكر من اجل توسيع الرؤية المقدمة مسبقا من قبل النخب.
ونسبة لتمركز تلك الرؤية داخل الرسالة المحمدية عند خروجها من مركزيتها إلى الاخر الثقافي فبالنسبة للمجتمعات العربية فقد كانت الرسالة جزء من الكل العربي، فالرسالة جزء من الإنسان العربي (داخل وعي الفرد العادي) تعبر عنهم وعن قيمهم ولذلك ظلت الرسالة بالنسبة للإنسان العربي في مركزيته جزء منه وليست كل اما المجتمعات الأخرى التي تحمل قيم وتحولات مختلفة فقد تم تقديم رؤية لا تحمل في جوفها الكل التاريخي الذي تكونت خلاله. ولذلك كانت الرسالة المقدمة إلى الاخر هي كلية قيم إلهية لا يمكن الإضافة إليها أو الحذف منها.
مع وعينا بكيفية عمل التحولات الاجتماعية يمكننا ان نبدا بدراسة رؤية الثقافة العربية وذلك بالاعتماد على أجزاء محددة تتمثل كمركزية للرؤية التي تقدمها النخب العربية وذلك من خلال التحولات الاجتماعية والإله المتعالي، ولان الذي يعنينا هو ابراز ان الرؤية التي تقدمها الثقافة العربية هي رؤية إنسانية ثقافية فسوف نتجه مباشرتا إلى تلك الرؤية دون المرور بتاريخية التحولات وكيفية تشكل القيم الإنسانية لدي الثقافة العربية لنري الفرق بين الرسالة وتاريخية الثقافة بالاعتماد على المصحف العثماني المعتمد تاريخيا والذي تكون مع تحولات داخلية في الثقافة العربية، فنتيجة الفعل الثقافي وضغط الاخر والذي أدي بالنخب العربية ان تعيد ترميز الثقافة في مقولات ومفاهيم الرسالة وإحالاتها المادية هو الذي أنتج الرؤية العربية وأصبح بالتالي التحول تحول اعمي اما الاستيعاب فيقوم على تلك الرؤية التاريخية عن انسانية الإنسان العربي ورؤيته للاخر الثقافي لذلك كان ما يستوعبه المجتمع العربي يجد ذاته في رؤية التحولات تلك اما ما لا يستوعبه فيتم رفضه باعتباره اخر من خلال توقف الرؤية الإنسانية عند القيم العربية وهي وليست رؤية استيعابية للوعي بكيفية عمل الاخر. فالرسالة على حسب رؤية التحولات الاجتماعية كانت من اجل المزيد من الوعي بالتحولات داخل الانا والأخر الإنساني والوعي بالإله المتعالي ولكن لان الوعي بالرسالة تم من داخل الرؤية الإنسانية الثقافية فقد تم تجاوز كل الإرشادات إلى كانت تدعوا إلى محاولة الوعي بالتحولات المجتمعية للانا والأخر وذلك بمتابعة النخب للمجتمعات في تحولها الاعمي الذي لا يتجاوز الوعي الجيني والراهن التاريخي، ونجد بعد كل تلك المحاولات للثقافة العربية في تلوين الرسالة المحمدية بالهوية العربية ولكنها كرسالة تدعوا لتجاوز ما هو تاريخي وثقافي عند لحظة التحولات فكانت تتولد ثغرات في تلك الرؤية التي تنطلق من داخل إحالات مادية ثقافية وتتبلور كمقولات ومفاهيم، فهي ليست محاولة للوعي بإنسانية الأخر فلم يكن هنالك إنسان على مستوى تلك التحولات ولكن نص فقط ولذلك كانت إعادة الإحالات المادية لذلك النص تتم بناء على المجتمع والثقافة العربية وإعادة صياغتها في مقولات ومفاهيم وتم ذلك بناء على الإحالات المادية لمفاهيم محددة داخل النص وعند قصور الرؤية أو تقاطعها مع الرسالة الإرشادية يتم التحول إلى النص الموازي وهو النص السني (وهو يشمل ما قاله الرسول وما كان يفعله وما حضره دون ان ينفيه باعتباره الثقافي أي ما يمكن ان يضمن داخل المجتمع والرؤية العربية) باعتباره أكثر تاريخية وثقافية بالإضافة إلى الاعتماد على النخب الثقافية في مراحل التدوين المختلفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.