الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفكيك الخطاب العربي الإسلامي
نشر في الراكوبة يوم 05 - 04 - 2012


بين الإسلام كثقافة والإسلام كرسالة
من اجل عصر تدوين سوداني
(5)
الوعي الإنساني والمعني الايدولوجي:
خالد يس
[email protected]
تتوحد رؤية الإنسانية داخل الوعي الجيني للمجتمعات وذلك بانصهار الإنسان والمجتمع والإله داخل ذلك الوعي، لذلك يكون وعي الإنسان العادي بالإنسانية متقوقع داخل الوعي الجيني ويتم إخضاع الكلية النخبوية والراهن لتلك الإنسانية فيستوعب ما يمنح الوعي الجيني الاستمرارية ويرفض غير هذا، وقد تابعت النخب ذلك الوعي عند تدوينها لمعني الإنسانية فأصبحت المفاهيم لا تعبر إلا عن الترميز السلوكي لمجتمع التحولات التاريخي في الثقافة العربية، فالوعي الجيني يعبر عن ذاته من خلال السلوك والنخب تصيغ تلك السلوكيات داخل مفاهيم في حلقة دائرية تمنح الأفضلية للإنسان العادي وليس للنخب. فرمزت النخب العربية لذلك الوعي الجيني عند التدوين باعتباره قيم إلهية ولم تسعي تلك النخب في استيعابها إلى الفصل بين الرسالة والمجتمع واستيعاب مقاصد الرسالة للمجتمع العربي وللمجتمعات الأخرى، فرمزت النخب اللغة (ما يسمي باللغة العربية الفصحي التي كانت في ذاتها تعبر عن اعادة استيعاب للوعي الجيني في ذلك الوقت) باعتبارها قيمة من القيم الإلهية التي يجب اتباعها، ومع التحولات تجاوزت المجتمعات العربية تلك اللغة إلى لغة تستوعب الراهن وتركت النخب العربية خلفها اسيرة لتلك اللحظة ولم تجد النخب ما تقدمه للمجتمعات عند التحولات ولذلك أصبح المجتمع يفرض قيم تحولاته على الرؤية النخبوية. اما ما لا يمكن استيعابه على مستوى كلية القيم النخبوية فقد تم رفضه كما نجد في مبررات التكفير التي توسعت لتحتوي كل الآراء المخالفة لتلك الرؤية، ونشير إلى ان النخب العربية أو التابعة لها ليست واحدة في رؤيتها وذلك لاختلاف مجتمعاتها وبالتالي اختلاف ما تفرضه تلك المجتمعات على النخب في سبيل الاستيعاب واختلاف تلك النخب جعلها اسيرة لا تستوعب الواقع إلا عند فرضه من قبل المجتمعات وبالتالي ترفض ما تقدمه النخب العربية الأخرى ولو كان صاحبها يشهد بالشهادة الإسلامية ويؤدي الفروض على حسب وعي النخب والمجتمعات العربية بالدين على أساس ثقافي فبعد ذلك يمكن ان يوصف بالكافرا!! أي ضد الانا التي تعني الرؤية النخبوية فليس هنالك مساحة لاخر مختلف اما مع الانا أو ضدها.
ان الإحالة المادية للمفردات (المعني والمدلول) بالنسبة للمجتمعات عبارة عن إحالة تاريخية ويكون الوعي الاجتماعي والنخبوي بناء على تلك الإحالة وفي المراحل التاريخية الأولي للإنسانية كان يتم من خلال التحول الاجتماعي الكلي لتقارب الوعي الجيني داخل المجتمع لذلك نتج ثبات على مستوى الإحالة المادية للغة في تشكيل كل مجتمعي، اما مع تزايد ضغط التحولات واختلاف التحولات الجينية بين أفراد المجتمع الواحد أصبحت الإحالة المادية للمفردة تختلف من شخص لاخر باعتبار موقع الشخص من التحولات وبالتالي رؤيته للإنسانية من خلال الوعي الجيني والراهن، ونتيجة لوجود الاخر المجتمعي الذي كان يأتي بكل ترميزه السلوكي والتداخل الذي ينتج تأثيره على ذلك الترميز في التحولات. عند وجود كلية قيمية تربط بين اللغة والواقع تكون اللغة مرنة في تحولاتها وذلك لخضوع اللغة إلى المعني المادي المباشر، ولكن في الثقافة العربية وبعد انفصال الكلية النخبوية عن الواقع في تعبيرها عن واقع تجاوزته التحولات كان استيعاب إنسانية الفرد والأخر من قبل النخب يخضع للوعي الجيني ولمبدا الراهن، كما المجتمعات، فما يفرضه الوعي الجيني يتم وعيه داخل الإنسانية أو الرؤية الكلية بايجاد صيغة ما وما يفرضه الراهن أيضا يتم استيعابه داخل تلك الكلية ولكنه استيعاب لحظي وليس استيعاب كلي داخل القيم كما الوعي الجيني فعند تغير الراهن يتغير الوعي بثبات الوعي الجيني على العروبة.
الترميز والشراكة في التعالي الإلهي:
وقد تم التنبيه داخل الرسالة لعدم التقديس لغير الإله فالتقديس يعني الإحالة المادية للقيم السلوكية تاريخيا بترفيعها لتقارب المعني الإلهي (فإهانة المصحف هي إهانة للإله وإهانة الرسول هي إهانة للإله وإهانة الكعبة وغيره فجعلوا للإله شركاء كما في الرسالات الأخرى وطريقة الاستيعاب) وهو ما أدي إلى وقوف الاستيعاب في وجه التحولات الاجتماعية بالنسبة للمجتمعات المنتجة له أو للمجتمعات الأخرى، وذلك لوقوف النخب خلف المجتمعات وليس امامها لإرشادها إلى المعني الإنساني في التحولات وداخل الاخر الثقافي وبالتالي أصبحت المجتمعات تتعامل وفق الراهن فقط دون وجود كلية نخبوية تمكنها من استيعاب التحولات والأخر المجتمعي أو الثقافي وفق رؤية كلية إنسانية وليس وفق الراهن ورؤية الترميز للسلوك كفعل إنساني يمكن تجاوزه مع التحولات.
والتقديس لغير الإله يؤدي إلى فرض رؤيا احادية مما يؤدي إلى رفض الاخر الذي لا يتماثل مع تلك الرؤية، وذلك ما نجده يحدث الآن حين ضاقت مواعين الاستيعاب فبدا الرفض حتى داخل الدين الواحد وذلك ليس بسبب قصور في الرسالة ولكن لاستيعاب الرسالات الالهية من خلال مرحلة تاريخية محددة واعتبار النص ناطق عن تلك المرحلة وليس باعتبارها رسالة ارشادية داخل الكون وليست داخل نص في كتاب. ولذلك أصبحت الرسالة عند النخب عبارة عن رموز بدات بالكتاب وانسحبت على التجارب البشرية في عهد الرسول وما بعده والأماكن المادية مثل الجزيرة العربية ودخولها حيز العبادات وفق الوعي النخبوي لمزيد من ضغط التحولات وأصبحت هنالك اماكن عبادية واماكن دنيوية نتيجة لضغط التحولات الذي لم تستطيع النخب استيعابه وتم قصور الدين على مسمي الشريعة الإسلامية وتم احالة الباقي إلى مصالح دنيوية مرسلة وما لم تستوعبه تمت احالته إلى الكفر، أو كما نجد في الثقافة الغربية ما لا تستطيع ان تستوعبه داخل كليتها تحوله إلى البدائية والتطور الجزئي وغيره.
النخب والترميز المجتمعي:
ان اعتبار الرسالة المحمدية كنص قيمي يعبر عن رؤية كلية للإنسانية من خلال قيم الثقافة العربية فقط هو الذي اقعد النخب الأخرى عن الفاعلية لدي مجتمعاتها. وأصبح التحول الأعمى هو الأساس لدي الثقافات الأخرى، اما نخب الثقافة العربية فاستمرت الحركة الاستيعابية لديها في التحور لإعادة الاستيعاب وسد الثغرات التي تظهر في تلك الرؤية مع التحولات، ولكن كل ذلك فشل في مجاراة حركة التاريخ الاستيعابية التي تعني استيعاب إنسانية الفرد الاجتماعية والأخر كما هو من حيث التحولات الاجتماعية لذلك فشلت نخب الثقافة العربية وكذلك نخب الثقافة الغربية في رؤية الأخر كانسان وليس كأخر مضاد، وكان يمكن ان تستفيد المجتمعات والنخب الإنسانية من التداخل بين الذات والمجتمع ورؤية الذات المجتمعية التي تتجسد داخل الشخص ولكن لقصور رؤية النخب الغربية لجأت إلى وصف تلك المجتمعات بالبدائية والأولية في رفض واضح لعدم إمكانية رؤية تلك المجتمعات كما هي واستعملت النخب الغربية مفهوم العلم الذي صنعته النخب الغربية بيدها وأصبحت تنتظر منه ان يجاوب عن اصل الإنسان كما صنعت المجتمعات التاريخية التماثيل وانتظرت منها ان تجاوب على ذلك السؤال، كما استعملت الثقافة العربية الدين كنص ثقافي لرؤية الاخر ولكن تفوقت الثقافة الغربية في تأسيس كلية قيمية تقوم على الفردية فيمكن للفرد ان يحاول ايجاد ذاته الفردية (في الفصل بين ذاته الفردية وذاته الاجتماعية التي تقوم على الوعي الجيني) من خلال مفهوم الفردية ولكن عند محاولة تجسيد وعيه الجيني من خلال قيم سلوكية يصطدم بعدم الاستيعاب والنفي من قبل الثقافة الغربية التي تقوم على تحولات اجتماعية لا تستوعب الاخر ككيان مختلف فيوصف بالإنسان البدائي أو ناقص تطوريا أو إرهابي عندما يواجه الرفض بالرفض. ولكن حتى تلك المحاولة لم تمنحها الثقافة العربية ونخبها للاخر، وهي وجوده كفرد ولكن يجب ان يتماهي مع القيم العربية والا يواجه بالنفي والكفر. لذلك تم تجسيد المجتمع الداخلي للفرد في المجتمع التخيلي (الدولة) لدي الثقافة الغربية فكان بحث الفرد الغربي عن المجتمع الذي في داخله هو ما أدي إلى بناء العلم الطبيعي ونظام الدولة. ولكن النخب العربية دخلت في مأزق حقيقي نتيجة للتحول الأعمى لدي مجتمعاتها فهي أصبحت لا تعبر عن المجتمعات التي أتت منها وكذلك لا تستطيع إضافة قيم استيعابية جديدة فكان الرفض هو السمة الوحيدة التي بقيت لدي تلك النخب لكل ما هو نتاج القيم الغربية على عكس مجتمعاتها التي تتقبل كل ما هو غربي نتيجة لمحاولة ممارسة إنسانية تقوم على الوعي الجيني والراهن التاريخي.
خلاصة اولي لمفهوم اللغة والكتاب:
وأخيرا ماذا نستفيد من كل ذلك، نجد أولا: ان اعتماد المصحف العثماني كمرادف للفظ الكتاب الوارد في الرسالة المحمدية ومعادلة الكتاب العثماني بالكتاب الإلهي (العهد) أدي إلى أحادية المعني التاريخي وأيلولة المفردة إلى المعني المادي وهي ما بنت عليه النخب كليتها الاستيعابية حتى تكون هنالك دلالة فعلية للمقولات الذهنية ترتكز على فترة زمنية محددة وهو ما نجده في اللغة عند نقدنا لمفهوم اللغة العربية الفصحى وطريقة تدوينها وهي اشتقاق كل المفردات من الحروف (ف ع ل) والتي تعني فعل تاريخي محدد أي الإحالة المادية للغة ولذلك أصبحت الدلالة القولية دلالة فعلية محددة تاريخيا دون وجود اثر للتحولات الاجتماعية وكل ذلك الاستيعاب من مفهوم اللغة الفصحى ومفهوم القران أدي إلى صياغة كلية ثابتة في عقلية النخب العربية فكان إثبات تلك الكلية هو الفعل التالي للنخب الثقافية التي أتت فيما بعد وكل ذلك أدي إلى أحادية المعني التاريخي وبالتالي انفصال المفردة عن معناها الداخلي المجتمعي الذي يحورها من خلال تحول المجتمع إلى معاني أخري أو يستبدل بها معاني أخرى بدلالات لفظية مختلفة وهو ما يؤدي إلى التحول المستمر في اللغة الذي نشاهده الآن في المجتمع العربي النقي نسبيا على مستوى الجزيرة العربية واليمن أو في الخليج أو بقية الدول التي تحتوي على جينات عربية بنسب مختلفة ولكن دون رؤية نخبوية فالنخب العربية ترفض حتى اللغة التي تتحدث بها مجتمعاتها الآن. اما اللغة التاريخية (أو اللغة الفصحى) فقد وقفت عند الاستقطاب للدول العربية أو التي تدعي العروبة باعتبارها قيمة إلهية بالاعتماد على رؤية النخب.
فالاعتماد على مفهوم المعجزة اللا تاريخي وتصنيف القيم إلى دينية ومرسلة من قبل النخب العربية باعتبار رؤيتهم هي رؤية نهائية للتاريخ الانساني، ومع وجود التحولات في المجتمعات العربية كان اللجوء عند عدم إمكانية تفسير الكلية النخبوية لتحولات مجتمعاتها وذلك بانصهار الإله والمجتمع والإنسان داخل الوعي الجيني باخذ ترميز المجتمعات للإله وتعميمه على كل الرسالة أي لجوءها إلى الإله كوسيط بين الإنسان وفعله المادي فأصبح الإنسان مكتسب للأفعال وليس مصدر لأي فعل ثم عند ازدياد الضغط كان الإنسان مسير فكان هنالك مشيئتين داخل الفرد هي مشيئة الفرد ومشيئة الإله وذلك في اعتماد الترميز المجتمعي للإله، ونتيجة لوقف الكلية النخبوية عند الإحالات التاريخية المحددة دون اللجوء للوعي بالمجتمع والتحولات التاريخية، كل ذلك أوقف بناء كلية تسير مع التاريخ للمجتمعات العربية وتراجعت النخب لتكون تابع للمجتمعات في تحولاتها.
ثانيا: أدي ذلك إلى تقديس الإحالة المادية للمفردة كما نجد في المصحف فلا يمكن إذا كان متوفرا اقتناء مصحف ابن مسعود أو غيرها من المصاحف وتكون مسلما في نظر النخب العربية وذلك فقط لتجاوز تلك النخب لتعدد النصوص الذي كان في المرحلة الأولي وذلك التقديس هو ما نهي الإله عنه حتى لا نجعل للإله شركاء، فربط الفعل الإنساني بالذات الإنسانية وليس بفعل الهي هو ما يؤدي إلى الفصل بين الأنا البشرية والإله المتعالي. فأي تقديس للبشر أو للجمادات مثل المصحف لا ينسحب إلى الشرك فقط بل إلى الظلم أيضا وهو ما يحدث بين الثقافات كما داخل الثقافة الواحدة فنجد ان توصيف الرسول بأنه بشري أو احد الصحابة بأنه بشر كما بقية الرسل (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)) (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)) يمكن ان يخطي أو يصيب يعني عند جماعات التقديس طعن في ذات الهية في مفارقة للتاريخ وللنص كما نجد في تفسير الطبري (القول في تأويل قوله : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }
قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك " ، ما يصيبك ، يا محمد ، من رخاء ونعمة وعافية وسلامة ، فمن فضل الله عليك ، يتفضل به عليك إحسانًا منه إليك وأما قوله : " وما أصابك من سيئة فمن نفسك " ، يعني : وما أصابك من شدة ومشقة وأذى ومكروه " فمن نفسك " ، يعني : بذنب استوجبتها به ، اكتسبته نفسك).
الرسل والترميز الإلهي:
لم يكن وعي الرسل البشري يتجاوز الترميز المجتمعي للإله شانهم شان مجتمعاتهم ولذلك كانت الرسالات تأتي بارشادهم في الأول بالتعالي الإلهي عن الترميز وانهم كرسل ليسوا شركاء في الرسالة وذلك عند محاولتهم التماهي مع الإله وذلك باعتبار الترميز المجتمعي للإنسان المتمايز في الوعي بأنه متميز فيرد الإله بان التمايز عبارة عن تمايز انساني في الوعي وتجاوز الترميز السلوكي للإنسانية عند لحظة تحولات معينة وليس تميز عن الإنسانية فيردهم الإله إلى واقعهم البشري من خلال تجارب مباشرة.
فعندما حاول موسي ان يعتبر نفسه شريكا للإله وان مشيئته من المشيئة الإلهية تم تزكيره بالترميز السلوكي للإنسانية الذي لا يمكن ان يصبر معه فكان ذلك ارشادا له ولمجتمعه بالتعالي الإلهي عن المشيئة الإنسانية ولو كنت رسول كما نجد في القصة التالية: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78))، إلى نهاية القصة التي تعبر عن قصور الوعي الترميزي للإنسانية عند لحظات التحولات.
يتكرر الترميز ويتكرر الإرشاد بان صفة رسول لا تجعل من صابحها شريك في الرسالة الإلهية حتى يتحدث بالإنابة عن الإله، وهذه المرة من قبل الرسول محمد عندما سأله جماعته عن المسائل الثلاث، فكانت إجابته مباشرة باني ساجيبكم غدا، فانقطع الوحي مدة اسبوعين أو أكثر كما تذكر كتب التاريخ والتفسير ولما لرجع الوحى كان التنبيه بان الرسالة خاصة بالإله ولذلك لا تقطع بامر فيها من عندك حتى تكون مشيئة الإله (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)). ولكن لقصور الرؤية النخبوية تم تعميم المشيئة الإلهية داخل الفعل الإنساني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.