رغم رتابة القنوات التلفزيونية السودانية، ورغم تدني مستوى الأداء الفني ظل العمل المسرحي جاذباً لقطاع عريض من السودانيين خاصة بالخارج، يتحسسون من وراء مشاهده أنفاس المواطن ونبضات الشارع وكنوع من الإحتفاظ بالحد الأدنى من التواصل مع الوطن المأزوم بالساسة الفشلون. بالصدفة شاهدت مؤخراً قناة النيل الأزرق تعرض مسرحية الحيطة القصيرة مباشرة من المسرح القومي بأمدرمان، فركت يديّ ومنيت نفسي بلحظات ممتعة، وقدرت أن العرض جاد لأنه جاء ضمن مهرجان البقعة الدولي للمسرح، وإرتفع سقف تطلعاتي لأن الأستاذ على مهدي كان حاضراً، ومما زاد من فضولي لأول مره اقف على أعمال الأستاذة ماجدة نصر الدين كمؤلفه ومخرجه مسرحية. لست ناقداً مسرحياً ولكن كمشاهد على قناعة أن الحوار المسرحي وكافة الإيحاءات الفنية ليست عفو الخاطر، وعليه دونت عدة ملاحظات، اولاً: اسماء بطلتيّ المسرحية غير موفق في تقديرنا نظرا لحالة الغليان التي تعيشها البلاد وحدة الإستقطاب التي تؤججها سموم الإنتباهه، فالممثلة الموهوبة نايلة اسمها في المسرحية حمرا، والممثلة القديرة إسراء اسمها في المسرحية زرقا، وكأن الأسماء مشتقة من لون بشرتيهن، وفي تقديرنا أن فاطمة واشول على سبيل المثال تفيان بالمدلول بصورة اكثر حيادية. ثانياً: أرادت الممثلة حمرا ان تعبّر عن قصر مدة استيطان اهلنا دينكا نقوق بمنطقة ابيي فتلفظت بعبارة مقززة يترفع الناس عنها حتى في مجالسهم الخاصة ( الأكلو ما ……) فما بال إن كان العرض دولي محضور من كافة قطاعات المجتمع السوداني والتمثيل الدولي!! صحيح المسرح منقول مباشرة ولكن ليس عملا إرتجاليا على الهواء، هذه احدى مؤشرات انحطاط العمل الدرامي في زمن التوجه الحضاري، مثل هذه الأخطاء محسوبة على الأستاذة ماجدة وعلى مهدي كذلك. ثالثاً: قالت البرمكية حمرا في نشوة إحتسائها للشاي ” شاهي حرام على الجنقي والنوبة الفلاتة” لو لم اخطي في الترتيب حسبما وردت في المسرحية، مثل هذا الكلام إن جاء في غير زماننا هذا قد يكون عادياً، اما الآن فلا، اللهم إلا إن كانت مؤلفة المسرحية عضوة بمنبر السلام العادل ومشاعر هذه الإثنيات لا تعنيها في شيء. رابعاً:الإيحاء بان الشماليون بالحركة “الذين يكتبون الجوابات” هم من حرّض الجنوبيين على الإنفصال إتهام ليس لديه ما يسنده، فالجنوبيون طردوا قبل ان يقرروا، وفرضية أن المسيرية والنقوق من جد واحد يعتبر “صلبطة” مضللة تقلل من جدية العرض. خامساً: طالما رأت المؤلفة ضرورة اقحام حلبة المصارعة ضمن العرض كان الأجدر بها الإيلاء من قيمة المصارعة الوطنية “مصارعة جبال النوبة” بدلاً من المصارعة الحرة العالمية وإيحاءات أجراس الحانوتي الاندرتيكر المحزونة. سادساً: ظهور الممثلة حمرا سافرة تماماً منكوشة الشعر خلافا لزرقا في تقديرها فيها تجني على بنات المسيرة الفضليات. رغم هذه السلبيات هنالك اكثر من دلالة إيجابية تضمنها العرض خلاصتها المصير المشترك لسكان المنطقة، والشي الجميل هنالك شباب مُصر على الإبداع “نايلة، إسراء وعبد الجليل” لكن المؤسف الناس على دين ملوكهم والطريق إلى الجمهور ومسيرة الشهرة في زمن الشمولية بالضرورة أن تتلوث بغبار مواكب الحكام، وعلى الجميع عدم الغفلة عن تحركات الإنتباهيين ومروجي الكراهية. [email protected]