د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    تحولات الحرب في السودان وفضيحة أمريكا    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جامعة كلفورنيا تدعم ترجمة أعمال حميد
نشر في الوطن يوم 05 - 04 - 2012

دعت اللجنة التحضيرية لتخليد ذكرى الشاعر الراحل محمد الحسن سالم حميد، كل من يود الانضمام للجنة تخليد ذكرى الشاعر الخالد (حميد) في كل أنحاء الوطن، فرداً كان أو هيئة، وقالت إن الباب مفتوح لكل من يريد المشاركة في هذه اللجنة.
وقال عضو اللجنة الشاعر؛ محمد طه القدال، خلال حديثه في اجتماع اللجنة التحضيرية، الذي عقد بمباني مركز الخرطوم للثقافة والعلوم بالخرطوم 2، قال إن اللجنة ستعمل على إبراز قيمة حميد الثقافية والإنسانية، وإنها ستهتم بجمع كل ما كتب عنه، بالإضافة للمواصلة في الأعمال الإنسانية التي كان يقوم بها الشاعر.
وكشف القدال عن احتفال ستنظمه مجموعة أصدقاء الراحل حميد بأستراليا بقيادة عفيف إسماعيل وعاطف خيري يوم 21 أبريل في أستراليا.
وقالت اللجنة التحضيرية «إن قيمة الراحل حميد الثقافية والإنسانية دعت مجموعة من أصدقائه ومحبيه للتنادي لإبراز هذه القيم بنشر وعمل دراسات وترجمة أشعاره إلى عدة لغات».
جدير بالذكر أن من أبرز الذين تنادوا والتفوا حول هذه اللجنة التمهيدية الشعراء (أحمد طه القدال – السر عثمان الطيب – عبدالقادر الكتيابي
جامعة كلفورنيا تدعم ترجمة أعمال حميد
هذا وقد كشف رئيس اللجنة التحضيرية لتخليد ذكرى الشاعر السوداني الراحل محمد الحسن حميد، أن البروفيسور عبداللطيف علي المحاضر بجامعة كالفورنيا سيقوم بترجمة أعمال حميد بدعم من الجامعة. وعقدت لجنة تخليد ذكرى حميد عدداً من الاجتماعات التحضيرية.
وناقشت اللجنة مهام واختصاصات اللجان التنفيذية التي ستنبثق من اللجنة القومية التي سيتم تشكيلها، وحصرتها في: «الأمانة العامة، السكرتارية، المالية، الإعلام والتوثيق، لجنة البرامج، لجنة الخدمات».
واستعرض الشاعر محمد طه القدال لدى ترؤسه اجتماع اللجنة الذي انعقد مساء الإثنين ببرج التضامن بالخرطوم، بعض الأعمال التحضيرية التي تسبق اجتماع اللجنة التحضيرية مع الشخصيات الاعتبارية والهيئات والمؤسسات العامة لاختيار اللجنة القومية، المزمع انعقاده بمباني رئاسة بنك التنمية التعاوني الإسلامي بالخرطوم جنوب السكة الحديد.
جدير بالذكر، أن اجتماع اللجنة التحضيرية وافق على تغيير مسمى اللجنة القومية إلى الهيئة القومية لتخليد ذكرى حميد.
--
سرد على الهواء مع المبدع عبد العزيز بركة ساكن
لن اشارك في أي جائزة علي الصعيد الشخصي مستقبلاً
كتب : صلاح الدين سرالختم علي
كانت مدينة بحري عروسا تزينت ولبست حلة أنيقة ببيت الفنون في تلك الاحتفائية الرائعة التي نظمتها مجموعة مشاهد وقصص قصيرة جدا علي شرف الكاتب والروائي عبد العزيز بركة ساكن وهو
من مواليد مدينة كسلا شرق السودان عام 1963م، وهو
صاحب رواية (الطواحين) ورواية (رماد الماء) وله مجموعة قصصية بعنوان (على
هامش الأرصفة) وأخرى بعنوان (امرأة من كمبو كديس)، حقق جائزة ال بي بي سي
أكثر من مرة عن قصته (دراما الأسير) ثم عن قصته (فيزياء اللون)، ترجمت بعض
أعماله إلى اللغة الإنجليزية والفرنسية
كتب أيضا عددا من النصوص المسرحية، صدر عن (مكتبة الشريف الأكاديمية) كتاب (البلاد
الكبيرة) في (552) صفحة من القطع المتوسط، متضمنا روايتيه: الطواحين و رماد
الماء، بالإضافة إلى روايته (زوج امرأة الرصاص) التي تنشر لأول مرة، ضمن
هذا الكتاب.روايته (الجنقو- مسامير الأرض) حققت جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي في دورتها
الأخيرة التي أعلنت ظهر الأربعاء ا 21أكتوبر2009 بمركز عبدالكريم ميرغني
الثقافي وسط حضور إبداعي وإعلامي حاشد» وتم حظرها فيما بعد بقرار هئية المصنفات
صودرت مجموعته القصصية«امرأة من كمبو كديس» في 2009 وجمعت من جناح مكتبة عزة في معرض الخرطوم
الدولي للكتاب، كما يقول في حديثه إلى «الحياة».وقبلها كانت أمانة الخرطوم عاصمة
للثقافة العربية 2005 أصدرت مجموعته القصصية «على هامش الأرصفة» إلا انها
سارعت إلى سحبها بعد اجتماع ساخن لمسؤولين نشرت وقائعه صحيفة «الحياة»
المحلية وقد استغرب بعضهم محتوى المجموعة القصصية ال «خادش للحياء
العام.
كانت الامسية جميلة تميزت بحديث شيق من الكاتب حول بعض ملامح السيرة الذاتية والمؤثرات علي ادبه، تميز الحديث بالبساطة والعفوية والمباشرة، فكان سردا رائعا علي الهواء مباشرة أستمتع به كل الحاضرين،حكي الكاتب عن النشأة الاولي وميلاده بكسلا وان والده كان شرطيا بسيطا كثير التنقل في مناطق شرق السودان وهو عامل كان له تأثيره علي الكاتب، وحكي الكاتب عن تفتح مداركه في منطقة خشم القربة التي كانت مصادر المعرفة فيها شحيحة في ذلك الزمن في وكان الحصول علي الكتاب أمرا عسيرا، وكانت قراءاته الاولي للكاتب الامريكي ادجار الان بو رائد القصة الامريكية الحديثة وكانت تلك صدفة فريدة أثرت تأثيرا كبيرا عليه واتيحت له قراءات لكتاب سودانيين متعددين فضلا عن انهار الحكايات في بئيته ومصائر بعض من يعرفهم والتي اثارت اسئلة ظلت بلا اجوبة فرفيق الصبا الذي قتل في حرب دائرة في مكان بعيد من الوطن واولئك العائدون بارجل مقطعة كانوا يثيرون الاسئلة دوما في ذهنه، أما النقلة الكبري في حياة ساكن فقد تمثلت في انتقاله الي مصر للدراسة الجامعية بجامعة اسيوط فقد كانت مصر مكتبة عامرة بكل صنوف الكتب والمعارف فاقبل صاحبنا علي مكتباتها العامة بنهم شديد وبطريقة منظمة لتطوير معارفه، فكان يخصص وقتا لقراءة في نوع معين من المعرفة دون سواه مثلا القصة فقط وبعد فترة ينتقل للقراءة في نوع آخر وهكذا تكونت لدي الكاتب مقومات نهر الابداع الذي جري بداخله ثم خرج في شكل مشروعه الثقافي المبهر الذي ولد متميزا منذ النشأة الاولي،وهذا قولي لاقوله، فروايته رماد الماء مثلا حاولت الاجابة علي بعض الاسئلة حول الحرب الاهلية في جنوب السودان ، تلك الحرب التي أثرت في طفولته وصباه ومصائر رفاق احبهم لم يكن لهم ناقة فيها ولاجمل لكنهم دفعوا ثمنها باهظا رغم بعدهم جغرافيا عنها، بعد العودة من الدراسة في مصر التحق الكاتب بعمل في منظمة بلان سودان التي تعمل في مساندة فئات ضعيفة ومسحوقة تعيش في هامش الحياة وكانت تلك تجربة انسانية شحذت ذاكرة الكاتب المتشظية بنماذج انسانية قوية تكافح ببسالة اقدارا صعبة، مكن الكاتب عمله من الاقتراب من تلك النماذج الانسانية التي حضرت فيما بعد حضورا طاغيا في كتاباته وكانت امرأة من كمبو كديس ومجموعته القصصية علي هامش الارصفة تعبيرا مكثفا عن حضور تلك الفئات المسحوقة الفقيرة في داخل الكاتب وفي ادبه، هكذا توافرت للكاتب شروط الابداع من تجربة ذاتية واقتراب من نماذجه الانسانية واسئلة موجعة بداخله بشأن مصائرها ووعي والمام بأدوات الكتابة وتجارب ابداعية متنوعة لغيره، وهكذا تكاملت ملامح تجربته القصصية والروائية.
قال الكاتب ردا علي سؤال حول طقوس الكتابة عنده انه يكتب في أي مكان واي زمان واي وضعية فطبيعة عمله وحياته المتنقلة لاتتيح له أفضل من ذلك، فهو يكتب في السيارة والبيت
في أي وضع متاح طالما كانت الرغبة حاضرة في الكتابة. وقال انه قد تخلص من رقيبه الداخلي منذ زمن بعيد ودفنه تماما فهو يكتب ولايهتم بردود الافعال، فمن يقرأه يقرأ وفق مفاهيمه ورؤاه هو لا وفقا لما كتبه الكاتب. وكانت تلك مناسبة للحديث عن تجربة الجنقو وحظرها عدد فيها الكاتب محاولاته التي بذلها للحصول علي قرار قضائي يحرر الرواية
من الحظر ولكن جهده اصطدم بقرار قضائي بعدم اختصاص القضاء بنظر الأمر. وتطرق الكاتب لمسألة جائزة الطيب صالح فشن هجوما علي الدولة لتخليها عن دورها في دعم الثقافة
وتحدث عن الكاتب يدخل الجوائز باحثا عن عرض منتوجه على الناس ونشره وليس عن الجائزة او المال وانه اضطر لذلك ونادم علي المشاركة في الجائزة مبينا ان هناك جائزتين بالمسمي نفسه كما هو معلوم الاولي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني والثانية تنظمها شركة تجارية تستهدف الاعلان والربح وهناك بعد سياسي للجائزة، وقال الكاتب انه كان يفضل ان تتولي الشركة المذكورة دعم الجائزة التي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني بدلا من ابتداع جائزة تنظمها هي، واعلن انه لن يشارك في أي جائزة علي الصعيد الشخصي مستقبلا، وقد اثار هذا الحديث نقاشا كبيرا بسبب تواجد عضو من اعضاء لجنة تحكيم جائزة الطيب صالح التي تنظمها شركة زين هي دكتورة عائشة التي دافعت عن الجائزة واكدت انه لايوجد تدخل سياسي فيها باي شكل وانها مستعدة للاستقالة ان ثبت ذلك، وتداخل دكتور محمد المهدي بشري عضو تحكيم الجائزة التي ينظمها مركز عبد الكريم ميرغني منتقدا موقف الروائي بركة ساكن وزميله ابوحازم من الجائزة خصوصا انهما سبقت مشاركتهما فيها وفازا. ثم اتصلت مداخلات وتعليقات عبد العزيز بركة ساكن حتي بلغت الامسية ختامها بتكريم جميل للكاتب. جدير بالذكر ان الامسية شهدت قراءات لنصوص اعضاء مجموعة مشاهد وقصص قصيرة جدا في الافتتاح وقراءات رائعة للشاعر مدني النخلي في الختام.
--
أمير تاج السر يحيل طين الواقع إلى ذهب من السرد
كتب - محمد الربيع
في نهاية الثمانينيات، سطعت في جبهة السرد في السودان، وفي الوطن العربي، شمس القاص والراوئي أمير تاج السر. التي تسللت أشعتها في هدوء وخفر، في عمل روائي حمل اسم مسقط رأسه في شمال السودان، قرية «كرمكوك»، ثم استوت ظهيرتها في سطوع باهر في مرايا ساحلية وسماء بلون الياقوت وصيد الحضرمية وعداء المهاجر ونار الزغاريد، ومهر الصباح، وأخيراً زحف النمل التي صدرت حديثاً عن دار ميريت في مصر.
أدهش أمير تاج السر قراء الرواية بقدرته الفذة على تحويل طين الواقع والوقائع إلى ذهب من السرد، بواسطة مخيلة باذقة تختزن أدق التفاصيل، وتعيد بناءها في مهب لغة تهدر مع زحامها وتصفو وتصبح في غاية العذوبة، في لحظات هدوئها ودعتها وسكونها.
فأمير تاج السر حكاء بامتياز، ينطبق عليه قول ماركيز، ان الاشياء والتفاصيل تأخذ معناها وتكتسب قيمتها فقط عندما تتحول إلى قصة أو حكاية، وذلك باستدعاء الاشياء والتفاصيل إلى نول القصة لاعادة نسجها بواسطة ادوات السرد ولغته الساحرة.وهو طبيب وثيق الصلة بالناس وبهواجسهم وهمومهم، ومشاكل أجسادهم وأرواحهم، مما وفر له قاعدة معلومات، ضبطت العلاقة بين الواقع والخيال في سرده، وجسرت المسافة بين الوقائع والمثال الجمالي الذي تخلقه لغة مكتنرة بجماليات الكتابة. فنصوصه ورواياته، رغم نزعتها الجمالية القاصدة إلى تحويل الواقع إلى فن، إلا انها مرتبطة بهذا الواقع بشكل لصيق وحميم، لأنها ضاربة الجذور في حياة شخوصه، الذي يلتقط ملامحهم بعين حاذقة، ويخرجهم من سياقهم العادي، ويقذف بهم في معمعة الحكايا، فتبرق احوالهم وتضيء في النصوص.
والذي يرصد تجليات «الطيب» في نصوصه، يستطيع ان يجد ذلك في النظرة الفاحصة والتفصيلية للشخصيات، وترك الشخصية تفصح عن ملامحها من خلال صوت المتحدث الأول الذي يجعلها تكشف عن هويتها في مسرحه، إلى جانب الوصفات الطبية التي لم يكتف بنقلها إلى النصوص، بل «شخصها» هي ذاتها وحولها إلى بطل من أبطال الرواية إلى جانب الشخصيات الانسانية الحية والفاعلة في النسيج الحكائي.
إن سحر كتابة أمير تاج السر، لم يتأت وفق ظني من استخدامه لما سماه بعض الكتاب والنقاد باستلهامه للواقعية السحرية، أو الواقعية الشعرية كتكنيك للروي والحكي، بل في قدرته على إبراز السحر والجمال والغموض والمدهش والغرائبي في مصائر وأحوال أناس، «ليسوا من أميركا اللاتينية» ولكن من قرى يهرب منها ضوء الشمس عند الخامسة، ويتركها غارقة في أثير من الحكايات الحزينة والسارة والشجية والفاجعة .. إلخ.
وأحيانا يبلغ تاج السر في الاهتمام بالكشف عن مكونات الشخصية، مدى يشعر فيه القارئ بالتماهي معها، ورواية «زحف النمل»، موضوع هذه الكتابة، تمثل نموذجا للانهماك في التبحر في ملامح وأحوال الشخصيات، وجعلها تعبر عن نفسها فيمسرح الحكي.
إلى جانب السرد، يكتب أمير تاج السر الشعر وله مجموعة شعرية صادرة، تؤكد هذا الانشغال، ولكن منذ أن اكتشف القاص الكبير الراحل عبد الحكيم قاسم طاقته السردية الهائلة، استسلم لغواية الحكي، وسرنم وراء مزمارها، إلا أنه ظل يستعحب «الشعرية» في رؤيته للشخوص، فأعطاه ذلك امتيازا إضافيا، بضخ وقود جمالي مضاف إلى جمال السرد.
ومن خصوصية المكان في الحكاية والملامح الحائزة لشخوصها، وجماليات الكتابة الشعرية، استطاع امير تاج السر أن يخرج بنصوصه من حدود المحل والمكان، لتدل وتوحي في أي زمان ومكان، تعبر حدود انتاجها وزمانها ومكانها لتحلق بجناحين من سرد وشعر، لذلك وضع الكاتب محمد الخولي نصوصه بأنها ذات مذاق خاص وايقاع فريد، لكنه ينشر أعماله في المغرب وتتحمس له القاهرة، وتصفه بغداد بالساحر، انطلاقا من تقييم الروائى الكبير جمال الغيطاني له، والناقد فاروق يوسف، إذ اعتبره الأول من الكتاب العالميين، واعتبره الثاني ساحر يعبئ قيعته بالوقائع، وسحره لا يخطى هدفه أبدا.
وكلمة الروائي المصري عزت القمحاوي، في تقديمه لفصول من «زحف النمل» في البستان جريدة أخبار الأدب، تشير بوضوح إلى تشابك علاقات السرد والشعر وسحر المناخات في أعمال تاج السر إذ يقول: أعماله السردية الأولى كانت مسكونة بلغة شعرية، ثم كان تقدم السرد الذي بدا بارزا في روايته السابقة مهر الصياح التي صدرت عن دار ورد بدمشق عام 2004، مهر الصياح رواية تنتمى بامتياز إلى روح الواقعية السحرية، ففي تلك المتاهة السردية يبني أمير تاج السر سلطنة انسابه التي يعتمد التفاهم فيها بين السلطان رغد الرشيد وبين رعيته علي الصياح، الرعية تصيح بشكاواها أمام القصر، وتنقل الصيحة إلى السلطان في مجلسه عبر سلسلة من سبعة صياح من خاصة السلطان، الذي يتأمل الشكاية أو المطلب ويطلق حكمه الذي ينتقل إلى صاحب الشكوى عبر الحلقة السباعية ذاتها، وعلى الصائح ان ينتظر يوما أو بعض يوم أو إلى الأبد، لكي يعود إليه الرد، وربما عاد الرد فورا ليأمره بالصياح في العام التالي!
الرواية لا يمكن تلخيصها، وعلى الرغم من التراتب الهرمي الظاهري، فإن الشخصيات المتعددة داخلها تتمتع بذات الاهمية التي للسلطان، في شبكة من تقاطعات المصائر تجعل منها متاهة لذيذة تقف على الحدود بين الواقعي والفانتازي.
وفي زحف النمل الرواية التي تنتشر في هذا البستان في فصليها الاول والثاني، لا يصطنع تاج السر مملكة قديمة، لكنه ينطلق من مملكة الغناء في الواقع، مقدما رحلة صعود مطرب من الحضيض إلى قمة المجد، ثم انحداره الذي جاء على يد متبرع بكلية زراع في خاصرة المطلوب وأحالت حياته إلى حجيم، من خلال حصار المتبرع الذي اعلن في البداية انه لا يريد إلا الثواب. وبعد ان رفض المقابل المادي لكليته نكتشف ان الثمن الذي يريده كان كل حياة المطرب التي استحالت إلى جحيم، عندما جاء المتبرع من كل أهل قريته ليقيموا في فيلا المطرب ويحيلوا هدوءها إلى فوضى رثة وصاخبة!
في هذه الرواية يعود أمير تاج السر إلى المجاورة بين السرد والشعر: فبين فقرات السرد المحموم والسريع الايقاع تأتي الوقفات الشعرية يقدمها الكاتب بوصفها اغنيات المطرب، ونلمح فيها روح السخرية العميقة، التي تحيلنا إلى ما يحدث في عالم الغناء عندما تأتي الشهرة دون سبب قوى.
تنبني هذه الرواية على مجموعة من المصادفات وكثير من المكر الفني يجعل الاحداث تتلاحق كما في لعبة مثيرة كما في الحياة.
--
في اليونسكو دور النماذج القبلي في السلم الإجتماعي
يقيم نادي أصدقاء الكتاب باليونسكو في إطار منتداه الاسبوعي ندوة بعنوان «دور النماذج القبلي في السلم الإجتماعي»، وذلك في 12 ظهر السبت 7 يناير 2102م بمقره شمال عمارة السلام.
وسيقدم خلالها البدري ابراهيم عبدالله ورقة، يناقشه خلالها، محمود أحمد داود، الشرتاي أحمد عمر وموسى فرج الله، الندوة يديرها مهدي آدم حسن.
--
ثنائية الحضور والغياب فى قصص الكاتبة نوال النورانى
خيط السرد الذى يقتفى أثر النفس البشرية فى عزلتها وتقلبات أحوالها
محمد حسن رابح المجمر
مابين النفس وآلامها الخاصة ، إنتصاراتها ومخازيها ، طموحاتها الكبيرة وخيباتها الأكبر ، ينفتح فضاء السرد فى قصص الكاتبة الشابة نوال النورانى (المولودة في مدينة الابيض, خريجة جامعة النيلين) ، فتكشف زوايا الرؤية الكثير من (المجهولات ، المسكوت عنه ) فى ثقاف(تنا ، تهم ) بتشكلات الوقائع فى لغة وصفية مجردة تستند كثيرا على البلاغى ، وللكتابة بنظام (التشطير ، التلغرافى ) هنا دوره الكبير وأثره الحاسم فى بناء القصة القصيرة جدا عند الكاتبة نوال النورانى ، وبالرغم من أن هذه القصص نشرت على مواقع إليكترونية إلا أنها جديرة بأن تقرأ على الورق لتستقر ولو لحين من نوازع (توتر أبطالها وبطلاتها ) الباحثين عن (السلام الإجتماعى والنفسى ) وإن جاء ذلك فى شكل (ترف مستفز ) أو رغبات يستحيل تحققها فى عالم متغير وسريع الحركة ، نداءات الحب والبوح الدافىء المغلفة بسولفان (البلاغى ) تثرى من خلال رؤية الكاتبة هذه النصوص القصصية متجهة نحو متلقى مختلف ، نطوف فى هذا المقال بين إحدى مجموعاتها القصصية القصيرة بحثا عن تلك (المجهولات ) فى لحظات مقتنصة ومنتقاة من (زمن النفس البشرية فى فاعليتها الخصبة مع المعاناة الداخلية فى اللامرئى فيها )
رغم رتابة القنوات التلفزيونية السودانية، ورغم تدني مستوى الأداء الفني ظل العمل المسرحي جاذباً لقطاع عريض من السودانيين خاصة بالخارج، يتحسسون من وراء مشاهده أنفاس المواطن ونبضات الشارع وكنوع من الإحتفاظ بالحد الأدنى من التواصل مع الوطن المأزوم بالساسة الفشلون.
بالصدفة شاهدت مؤخراً قناة النيل الأزرق تعرض مسرحية الحيطة القصيرة مباشرة من المسرح القومي بأمدرمان، فركت يديّ ومنيت نفسي بلحظات ممتعة، وقدرت أن العرض جاد لأنه جاء ضمن مهرجان البقعة الدولي للمسرح، وإرتفع سقف تطلعاتي لأن الأستاذ على مهدي كان حاضراً، ومما زاد من فضولي لأول مره اقف على أعمال الأستاذة ماجدة نصر الدين كمؤلفه ومخرجه مسرحية.
لست ناقداً مسرحياً ولكن كمشاهد على قناعة أن الحوار المسرحي وكافة الإيحاءات الفنية ليست عفو الخاطر، وعليه دونت عدة ملاحظات، اولاً: اسماء بطلتيّ المسرحية غير موفق في تقديرنا نظرا لحالة الغليان التي تعيشها البلاد وحدة الإستقطاب التي تؤججها سموم الإنتباهه، فالممثلة الموهوبة نايلة اسمها في المسرحية حمرا، والممثلة القديرة إسراء اسمها في المسرحية زرقا، وكأن الأسماء مشتقة من لون بشرتيهن، وفي تقديرنا أن فاطمة واشول على سبيل المثال تفيان بالمدلول بصورة اكثر حيادية.
ثانياً: أرادت الممثلة حمرا ان تعبّر عن قصر مدة استيطان اهلنا دينكا نقوق بمنطقة ابيي فتلفظت بعبارة مقززة يترفع الناس عنها حتى في مجالسهم الخاصة ( الأكلو ما ......) فما بال إن كان العرض دولي محضور من كافة قطاعات المجتمع السوداني والتمثيل الدولي!! صحيح المسرح منقول مباشرة ولكن ليس عملا إرتجاليا على الهواء، هذه احدى مؤشرات انحطاط العمل الدرامي في زمن التوجه الحضاري، مثل هذه الأخطاء محسوبة على الأستاذة ماجدة وعلى مهدي كذلك.
ثالثاً: قالت البرمكية حمرا في نشوة إحتسائها للشاي « شاهي حرام على الجنقي والنوبة الفلاتة» لو لم اخطي في الترتيب حسبما وردت في المسرحية، مثل هذا الكلام إن جاء في غير زماننا هذا قد يكون عادياً، اما الآن فلا، اللهم إلا إن كانت مؤلفة المسرحية عضوة بمنبر السلام العادل ومشاعر هذه الإثنيات لا تعنيها في شيء.
رابعاً:الإيحاء بان الشماليون بالحركة «الذين يكتبون الجوابات» هم من حرّض الجنوبيين على الإنفصال إتهام ليس لديه ما يسنده، فالجنوبيون طردوا قبل ان يقرروا، وفرضية أن المسيرية والنقوق من جد واحد يعتبر «صلبطة» مضللة تقلل من جدية العرض.
خامساً: طالما رأت المؤلفة ضرورة اقحام حلبة المصارعة ضمن العرض كان الأجدر بها الإيلاء من قيمة المصارعة الوطنية «مصارعة جبال النوبة» بدلاً من المصارعة الحرة العالمية وإيحاءات أجراس الحانوتي الاندرتيكر المحزونة.
سادساً: ظهور الممثلة حمرا سافرة تماماً منكوشة الشعر خلافا لزرقا في تقديرها فيها تجني على بنات المسيرة الفضليات.
رغم هذه السلبيات هنالك اكثر من دلالة إيجابية تضمنها العرض خلاصتها المصير المشترك لسكان المنطقة، والشي الجميل هنالك شباب مُصر على الإبداع «نايلة، إسراء وعبد الجليل» لكن المؤسف الناس على دين ملوكهم والطريق إلى الجمهور ومسيرة الشهرة في زمن الشمولية بالضرورة أن تتلوث بغبار مواكب الحكام، وعلى الجميع عدم الغفلة عن تحركات الإنتباهيين ومروجي الكراهية.
--
عروض مهرجان البقعة.. قراءة في مسرحية حيطة قصيرة
عبدالفتاح يعقوب عبدالله
امرأتان تصترعان تختلفان في المكان والماء.. ولكن ..!! الألم واحد والمصير له نفس المذاق.. نافذة للبحث عن حلول.. توحد الرؤى.. وتنير ضبابية الغد.. يقدم العرض قضية تؤرق فكر الجميع بقالب من العبس، والحوار الرمزي ثم تناوله بشكل كوميدي نابع من طبيعة اللغة التي تتحدثها شخصيات المسرحية التي تتحرك في جو من الكوميديا واللا معقولية.. هكذا تحرك وجهات النظر وتدير دفة الشوف..!!؟
بهذه الكلمات البسيطات لخصت لنا مخرجة العمل المسرحي الموسوم بحيطة قصيرة ماجدة نصر الدين كوكو كنده.. فكرة المسرحية التي شاركت بها في مهرجان البقعة الدولي للمسرح والذي هو من تأليفها.. وقد كانت ضربة البداية لإنطلاق فعاليات المهرجان التي راهن عليها إدارة المهرجان ليقدمها كنموذج أول أمام شركاء المهرجان..
مسرحية حيطة قصيرة تقوم بدءاً وتنبني على اللغة التي هي عظم الفكرة لتتحرك في جو أكثر خصوصية.. تميز من خلالها الصراع ما بين ضدين، كل منهما يرى أنه الأحق باستخدام الموارد والإستفادة منها والصراع حول الموارد في منطقة أبيي بإعتبارها نقطة تماس وتلاف وإحتكاك للغتين اللتين تتحدثها شخصيات المسرحية المتصارعة «المسيرية و«الدينكا».. وهذه القضية نبع الفكرة ترسم لنا حجم الصراع داخل وطن ينادي بالديمقراطية والعدل والمساواة والحرية والسلام.. من خلال تناول المسرحية لهذه القضية تحس أن المسرحية لم تحمل السياسي أية مسئولية حول النزاع.. والمعروف أن السياسة لعبت دوراً أساسياً في الصراعات في هذه المنطقة.. وهذا ليس غريباً فالأطراف المتنازعة التي أشارت إليها الكاتبة عبر لغة الحوار كانت تعيش آلاف السنين في سلام.. قبل أن يدخلها البوث «البلد الدخل فيها البوث أفتاها وفوث».. ودائماً أقول إنه في حال نشوب حرب بين دولتين أو كيانين سياسيين يدفع ثمنها دائماً الشعبين..
الفن يثرى بتعدد الآراء وأحياناً بتصادمها.. وللمخرج وجهة نظر في إخراج هذا العمل بهذه الطريقة.. تلاحظ في المسرحية تداخل المدارس أحياناً تقاطعها العبس.. الرمزي .. الواقعي.. الخ وتلتمس ذلك في كثير من الأشياء داخل العرض شكل الديكور ودلالاته حجم الثراء «شاي» الموسيقى التي تشكل خلفية لدخول رجال الشرطة.. الشجرة رمزيتها التي تمثل أيادي..
السؤال هو هل تداخل هذه المدارس أثرت العرض فنياً.. إيجابياً.. أم كانت على حساب العرض سلبياً..؟؟
رغم أن حركة الممثلين الجمالية كانت عادية جداً لم تلتفت المخرجة إلى صنع حركات تكوينية جمالية بالدرجة الأولى.. وأحسب هذا انه نابع من طبيعة اللغة وحرية حركة الشخصيات.. ولكن كان يمكن أن تكون الحركة أكثر جمالاً من ذلك..
التدويل السياسي للقضية لم يأخذ البعد الكافي.. فقد كان هناك تنوعاً في شكل الصراع.. الإنتقال من صراع عادي بين امرأتين إلى صراع داخل الحلبة «حلبة مغلقة».. ونحن نعلم أن هذه القضية تم تدويلها حتى أن الرأي العالمي تأثر بحيثياتها فهي من القضايا العالقة.. ولماذا لم تكن الحلبة مفتوحة.. على الأقل في إتجاه الجمهور وبقليل من الخيال يمكن مد الصراع عبر الحبل إلى الجمهور فالمجتمع ايضاً له يد في هذه القضية..
إشارات جميلة في العرض تلك التي تربط مصير الشخصيتين أطراف النزاع بحبل في وسطهم غير قابل للفكاك.. حبل يحدد مصيرهم.. وكذلك «الشعب» حول البير التي ترمز إلى أيادي بيضاء تتصل ببعضها رمزاً السلام من السلام الإجتماعي الحلم الذي لم يأت..
فإن عنوان المسرحية «حيطة قصيرة» تشير بصورة واضحة إلى أن هناك أسباب جانبية غير حقيقية هي التي تحتمل أسباب الصراع مع المراوغة من الأسباب الحقيقية.. والعنوان النكرة هذا يفتح مجالاً للتأويل..
فالحيط القصيرة كثيرة.. وأسباب الصراع كثيرة.. ليس فقط المكان والماء .. فهناك اللغة، التمييز العنصري، عبر اللون.. الجنس.. الدين.. عدم قبول الآخر لتتحرك الدماء في وريد التنوع الثقافي.. فالإختلاف أحياناً يمكن أن يكون سبباً مباشراً في ثراء الثقافة واحترام الآخر والتعايش السلمي بين أجناس متعددة ولكني.. أحمل السياسي أسباب فشل هذا الثراء..
موضوعياً جاءت مسرحية حيطة قصيرة لتلمس وتر المشكل.. ونحن أحوج ما نكون لمثل هذه التجارب التي تلامس قضايا الشعب.. المجتمع.. الرأي العام..
تجربة حيطة قصيرة لن تمر مرور الكرام.. هي تجربة لها قولها ولها دلالاتها ووجهت نظرها.. فإلى متى تظل القضايا عالقة.. إلى متى لن يعرف الانسان المصير الذي سيؤول إليه أمره.. فهل نظل نرهن مصيرنا على يد هذه السياسات التي تنظر دائماً إلى القضايا من زاوية المصلحة فقط.. النفط.. الموارد الحيوانية.. الماء.. دون النظر إلى الانسان.. الانسان الذي خلق حراً..
ماجدة نصر الدين كوكو .. كاتبة ومخرجة تحس بهمس الأشياء.. تعرف أين يكمن الداء فتضع له الدواء.. فهي مولعة بقضايا الانسان والانسانية.. هذه التجربة كانت قد قامت بها في ولاية جنوب كردفان.. كادوقلي وقامت بعرض هذه المسرحية بمسرحة كادوقلي القومي والتي تفاعل معها الجمهور بصورة ليس لها نظير تتحرك دائماً للبحث عن السلام الإجتماعي.. تفعل ضد التعنصر بصورة قوية.. تحلم بالأمن وقبول الآخر.. لها تجربة سابقة تنقل عبرها ثقافة وثراء منطقة جبال النوبة وهي من المناطق التي لم يناولها الفن المسرحي الجاد بصورة ملموسة.. فأكثرت إيقاظها من سباتها حيث قدمت مسرحية «أرو» وسبقتها مسرحية.. «البحث عن الشمس» والمتتبع لهذه التجارب يرى انها تسعى جاهدة لإبراز ثقافة جنوب كردفان.. جبال النوبة.. كادوقلي.. ابوكرشولة.. هذه الثقافات التي ظهرت بقوانين المناطق المقفولة وأحسبها جديرة بالإقتحام.. جريئة في التناول.. فهذه ثقافات بكرة تحتاج الغوص في عمقها للثلج إلى عوالم نستطيع من خلالها فهم ثقافة هذا البلد الكبير الثرى.. الذي بثقافاتنا فقط نستطيع أن نحقق معنى التنوع والتعدد الثقافي وقبول الآخر.. ليس عبر الأوراق المقدمة في المؤتمرات والاتفاقيات والبروتوكولات فقط.. نحتاج أن نتعايش عام الارض..!!؟؟
فريق عمل مسرحية «حيطة قصيرة»
تمثيل:
1- نايرة اسماعيل
2- إسراء عبدالعزيز
3- عبدالجليل اسماعيل
4- نادر عبدالله العوض
5- التجاني عمر
6- بهاء الدين الناجي
7- أبوبكر قارث
المؤثرات - محمد خالد
السنوغرافيا - صلاح مصطفى - سامر مصطفى - مخرج مساعد - عفراء سعد - إخراج ماجدة نصد الدين كوكو
٭ شذرات مسرحية
مسرح الشمول لم يولد بعد، فتصميمات المسارح المبنية حديثاً بتفاصيل جذابة، تمخضت عن أشكال جديدة محوطة بسمات المسرح التقليدي داخلياً وخارجياً..
لم أكن أعجب بهذا الجو المملوء بالمتناقضات، ولكنني كنت في الحقيقة أبحث عن كيفية تحويل المسرح إلى عمل درامي لخدمة العقل والقلب..!!
بسكاتور.
إذا نظرنا إلى معاهد وكليات المسرح رغم قلتها في وطن يعج بالثقافات العرب أفريقية سنرى أن الدراسات تعتمد بشكل مباشر على النهج الاوروبي أو قل منهج التاريخ المسرحي منذ أرسطو .. «فن الشعر» وتعمد جل الدراسات إن لم تكن كلها على منهج استانسلافسكي إ ونظرياته في التمثيل بمعايير تكبل أدمغة طلاب المسرح وتقولبهم داخل علب لا يستطيعون الفكاك من براثنها.. مع عدم وجود منهج سوداني خالص، او يعتمد على تاريخ المسرح في السودان.. ناهيك عن أشكال وجود الإختلاف الفعلي ما بين الدراسات النظرية والتطبيقية لذا يخرج إلينا هذا الكم الهائل من المخرجين والكتاب والفنيين والممثلين الضعاف.. ضعف فني يرخي يظله على الحركة المسرحية في السودان راهنها ومستقبلها.. كليات الدراما لا تتحرك للطلاب حرية البحث والتفكير والخيال لتجريب جديد مبتكر.. تجريب مبدع يساهم في خلق قضاء مسرحي يحمل جرأة هذا الفن وسؤاله بحرية تجعل منه أداة فعالة في نشر الوعي.. فالإعتماد على تاريخ المسرح يجب أن يكون لإستلهام الفكر ومن ثم الإنطلاق.
يقول الدكتور «أحمد سخسوخ» إن المخرج «يوناتان ميللر» قدم المسرحية «حلم ليلة صيف» عام 1979م على مسرح «البورج» وكان يعتمد في اخراجه على الميكنة الحديثة، فثلثي خشبه المسرح قد تحولت إلى أسطوانة دائرية تمثل غاية حقيقية بطريقة تحقق الطبيعية على المسرح.
وإن كان ازدحام المسرح بكتل الديكور لدى «ميللر».. قد جعل جمالية الحركة ودراميتها غير مدركة للجمهور حيث أثر ذلك في علاقة الممثل بالأحجام الموجودة على المسرح، كما انه قدم شكسبير كتراث دون تفسير حديث.
هذا التحليل يقود حتماً إلى السؤال البديهي لماذا تقدم الأعمال الكلاسيكية .. لأي جدوى ..؟؟
الإجابة هي لإسقاط التاريخ التجريبي لفن المسرح على التجريب الحديث والحاضر.. دون العصر عبر التجريب المرن لتوصيل إحساس بالجمال التاريخي لهذا الفن ممزوجاً بلغة أقرب لوجدان الجمهور.
فإذا قدر لي أن أخرج مسرحية «حلم ليلة صيف» فإن أول ما سأفعله أن أترجم العمل بلغة المكان والزمان التي ستخرج فيها.. ومن ثم إبراز عناصر القوة التي توافق وتوازي ما هو موجود في الحاضر «الواقع».. بل سأتحرر من اللغة الشكسبيرية تماماً وأخرجها باللغة «الدارجية السودانية» وقس على ذلك في جميع الفتيات وبالأخص «الديكور».. حتى يتوافق مع حرية حركة الممثل.. «وعين الجمهور» الشوف..
فقد قدم هاملت بين مشكلة الفعل واللا فعل كما في «قصة مأساة هاملت امير الدنمارك» حيث لا يمكن في الواقع للناقد الشكسبيري أو أي ناقد آخر أن يترك السؤال النقدي الجوهري في المسرحية والذي يحدد المشكلة الأساسية دون التعرض له والإدلاء برأي فيه من الناحية الدرامية والفلسفية والنفسية والفكرية.. حيث يلخص السؤال في لِم لَم يقدم هاملت على الفعل ..؟ يقول جوته إن هاملت مثالي ولا يقدر على القيام بفعل القتل .. ولكنه قام بها مضطراً.. وأن عين القدر هي التي كانت العليا.. وهو بذلك «يصف هاملت بتراجيديا القدر» .. و«أ. س. برادلي» يرى في هاملت كل الكفاءة للقيام بالفعل.. ولكن مواهبه تواطأت على شل حركته، فالحالة «السوداوية» حالة مرضية.. حالة عقلية شاذة هي التي سببت صدمة عنيفة لكيانه الأخلاقي والتي حالت بينه وبين القيام بالفعل.. والإختلاف في هاملت كثير..
عليه فإن تناول جميع الاعمال التاريخية اللاسيكية إن كانت مسرحيات شكسبير او غير يتم تناولها في الحاضر بإضفاء روح العصر عليها والباسها ثوب المكان الذي سيتم فيه انتاجه وتوعية جمهوره دون المس بالمضمون والموضوع مع الحفاظ على الهوية المحلية لشخوص المسرحية وخصوصيتها حتى نخلع عليها جماليات المسرح الكلاسيكي وجماليات التجريب الحديث..
جميع أعمال شكسبير تم التعامل معها بصور متفاوتة.. ولكن الرأي الأصوب والذي اتفق معه تماماً هو رأي المخرج بيترهول « Bitar holl» فلا يجب أن يقدم على أنه تراث وانها أعمال تاريخية مرتبطة فقط بالعصر التي خرجت منه وتنتمى إليه.. لأن للعمل الدرامي جدلية بين «الفن والعصر» الذي يتعاملون معه.. «على المخرج أن يوظف النص لخدمة عصره ومجتمعه وأن يوظف العصر والمجتمع في النص المسرحي.. ولكن إن لم يكن المخرج على اتصال حقيقي بالثقافة الانسانية عبر عصور التاريخ فلن يستطيع توظيف النص لخدمة العصر، او توظيف العصر في النص المسرحي .. فالثقافة الانسانية في رؤية المخرج على المسرح، والذي يحدد صحة هذه الرؤيا إنما هو قربها او بعدها عن العلم وهذه الثقافة هي التي تؤثر في المخرج وهي التي تميز مخرجاً عن آخر.. وما قاله الدكتور «احمد سخسوخ» هو أن الصراع الدرامي يشكل خطان أساسيان.. صراع داخلي وصراع خارجي.. يجب على المخرج أن يوظف هذين الخطين من الصراع في التحولات الدرامية.. من.. وإلى.. ما بين مشكلة العصر وصراع الشخصيات لخدمة المجتمع او من أجل الرؤية الجمالية بغرض بث روح الفن.. أو من أجل الإبداع والإمتاع..
شكل عام فإن قانون حركة الكون وإنسجام اختلاف التنوع فيها رغم تناقضها هو الذي يعطينا معنى التوازن.. التوازن الداخلي للاشياء والتوازن الخارجي لحركة الأشياء.. لذا كان المسرح «المسرحية» تدور في زمنين زمن العرض الداخلي وزمن مدة العرض كلها تؤثر في حركة الأحداث مداً وجزراً في بث روح الفكرة ونفث موضوعها في عقل المتفرج الذي حتماً يريد ويتشوق أن يخرج بشيء ولو كان الإمتاع البصري عبر الصياغة الجمالية.. فالمسرح أثبت انه فعل خلاق جمالي أدائي ممتع ويقدم شيئاً ذا قيمة خدمة للانسانية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.