اختلاط مال القيصر بمال الشعب في سودان الانقاذ احمد عمر خوجلي السودان شأنه شأن غالب الدول الفقيرة التي تتوحل في مظاهروآثار التخلف والجهل والحروب وكثرة النزاعات القبلية والجهوية يعاني من الفساد بانواعه المختلفة . فقد دخلت الدولة السودانية منذ استقلالها عن التاج البريطاني عام 1956م في صراعات متواصلة بين مكوناتها السياسية الحزبية والاجتماعية حول السلطة والحكم من اجل السيطرة على القرار وبالتالي مؤسسات البلاد العسكرية ومقدرات الشعب الاقتصادية ولاشك ان جو الصراع على السلطة في هذا البلد – وفي اي بلد – يساعد على تكاثر ذوي المطامع الشخصية وجامعي المغانم وتجار وسماسرة الشعارات من اصحاب الحلاقيم الكبيرة من اجل السرقة والثراء مستفدين من جو الضبابية الذي يطمس الفواصل الواضحة بين مال القيصر ومال الشعب . ولقد ظل هذا النهج سائدا مع استمرار ما اصطلح عليه في ادبيات السياسة السودانية بالدائرة الجهنمية في وصف دقيق لحالة توالي الحكم العسكري والمدني في سباق اشبه ب ( توم اند جيري ) . لكن وبرغم الاستعمار البريطاني خلّف مؤسسات وإجراءات تسعى للحفاظ على المال العام كتصميم انظمة مشتروات الدولة وإعمال نهج اقرارات الذمة بالاضافة الى دور المراجع العام الذي يناط به الحفاظ على المال العام زائدا دور المجالس التشريعية والى غير ذلك من المؤسسات التي يستحدثها كل نظام حكم ليقول انه يسعى بها للمحافظة على المال العام لكنها جابهت صعوبات جمة سببها شيوع المحسوبية والجهوية وحالة عدم الاستقرار في بلد فقير يعاني ضعفا في التربية الوطنية بين آله وذويه الشي الذي قلل من فاعلية تلكم المؤسسات ولعبها دورا ملموسا يحقق اهدافهاويحافظ على اموال الشعب . لكن بمجي حكومة الحركة الاسلامية السودانية الى الحكم عبر ماعرف بثورة الانقاذ الوطني قبل اكثر من عشرين عاما اختلف الامر وتوسع فقد نهضت للفساد دولة داخل الدولة بسبب اشكالات مفاهيمية ارجعها دكتور التجاني عبد القادر- الاسلامي القيادي الغاضب على (اخوانه) الحاكمين الذي ظل يلهب ظهر تجربة الحركة الاسلامية السودانية في الحكم بقوي النقد من وجهة نظر اقتصادية – ارجعها الى الراي السائد وسط قيادة الاسلاميين قبل الدولة بأن التمكين السلطوي والجماهيري يحتاج الى القدرات الاقتصادية والى رؤوس الاموال منذ بواكير اسيس الحركة الاسلامية لكن استمر الحال في والنهج التمكيني الاقتصادي بعد الوصول الى الحكم والسلطة ليجد تجار الحزب والحركة – وغير التجار من الاسلاميين – الابواب مشرعة والطريق ممهدا للاستثمار والغني الى حد الثراء الفاحش مستغلين الميزات الاستثمارية والمرابحات والفرص والمعلومات لإكتساح السوق والمضاربة في السلع المهمة . وسأل كاتب المقال عراب الخصخصة ووزير المالية الاسبق في عهد الانقاذ الدكتور عبد الرحيم حمدي إذا ما كان قد ملأ اقرارا بالذمة قبل ان يلج العمل العام وزيرا في عهد الانقاذ فردّ( لم يطلب مني احدا أن املأ هكذا اقرار ولو طلب مني لملأته ) لكنه عندما بدا انه شعر ببعض الحرج – وهو صاحب استثمارات ضخمة في البلاد الآن زاد- ( عليك ان تعلم انني كنت استثمر في المملكة المتحدة ومديرا لمجموعة البركة بلندن منقبل الانقاذ ) . لكن المتتبع يعلم ان الفرص التي اتيحت لحمدي وامثاله من التجار الاسلاميين- وغير التجار - لم تتح لآخرين – يحترفون التجارة والعمل القتصادي بالوراثة - على الاطلاق في عهد الحكومة التي تقول انها اسلامية في السودان . كما تعتبرالآف الشركات التي تتبع للقوات النظامية ( الأمن والجيش والشرطة ) ايضا محاضنا اخرى من محاضن الفساد بسبب انها بعيدة عن رقابة مؤسسات محاربة الفساد في الدولة وايضا بسبب ما تتمتع به من امتيازات جمركية وضريبية وحماية جعلها تحتكر السلع والخدمات وجعل القائمون عليها من اصحاب الملايين . ويرى كثير من المراقبين ان ضعف مؤسسات البلاد الرقابية الرسمية سببه انتشار الكوادر الحزبية التابعة للحركة الاسلامية في جميع مفاصل الدولة بما فيها المؤسسات التي يناط بها الحفاظ على المال العام .فضلا عن ارتباط العمل السياسي التعبوي الغوغائي للانقاذ بعنصر المال فقد انفق حزب الحاكم مئات الملايين من الدولارات في حملة الانتخابات الاخيرة قال الحزب في رده على تساؤلات الاحزاب ( انها من تبرعات تجار الحزب) واتجهت الحكومة الى التعامل مع تهم الفساد ومظاهره بتبريره باعتبار انه كيد سياسي من المعارضة وغيرة حزبية تسعى الى هدم ثقة الشعب في تجربة الحكم التي تنتسب شكلا الى الاسلام وجوهرا الى الشيطان ، بالاضافة الى أن التكتم الشديد واخفاء المعلومات عن الصحافة الاستقصائية وعن الراي العام من بعد ذلك يصعّب نشر تحقيقات عن المفسدين وتكمييم افواهها من خلال القضايا التي تطالب فيها مؤسات مشبوهة بتعويضات خرافية من صحف حرة حاولت نشر قضايا فساد بدون اتمام حصولها على الوثائق الكاملة ومرد ذلك الى رأي الكثير من النافذين الاسلاميين يقوم على ان كشف الفساد الموجود يعري تجربة الحكم ويهزمها بتحوّل تجرييم المفسدين ومحاكمتهم الى محاكمة النظام ككل . كل ذلك يجعلنا اشد حاجة من كل من اي وقت مضى الى انسان – اسلامي السلوك والقيم – (كأسانج )لينشر لنا حكايات السودانية (wiki leaks) .