بسم الله الرحمن الرحيم… كتبت في المقال الماضي ناقلة ما جاء في دراسة هامة حول مشاكل الحدود بين دولتي السودان وجنوب السودان بعنوان (أكثر من خط)، ناتجة عن مجهود بحثي ميداني قام به فريق من خبراء سودانيين وأجانب بحسب ما أوردت منظمة كونكرديس العالمية التي أصدرته عام 2010م، وقد أوردت الدراسة تسع نقاط اختلاف حول الحدود، وكان دوري هو القيام بترجمة بعض فقراتها ومناولتها للقراء الكرام، أي أجر المناولة. وأكدت في المقال، باعتباري لست خبيرة من قريب أو بعيد في مسألة الحدود، إن هناك جهات بحثية مرموقة، كفريق كونكرديس، وسياسية رصينة، نادت منذ مدة بعدم ترك مناطق الاشتعال الحدودي بدون مخاطبة، وأكدت أن إنكار وجود الخلاف لن يجدينا. ولا أكتم القراء الكرام إنني مثلما انزعجت لاتخاذ إستراتيجية النعامة كخط رسمي للتعامل مع خلافات الحدود، فقد استغربت لاتخاذ إستراتيجية التغابن من بعض المعلقين على مقالي في بعض المواقع الإسفيرية، مثلا، تعليق الأستاذ عمر جابر الحميدي من بكين، الصين، في صحيفة (حريات). أورد الحميدي فقرة ترجمتها عن الدراسة ولا يمكن بحال نسبتها إلى عقلي (القاصر عن حدود السودان) بتعبيره، قال الحميدي وهو يقدح في الفقرة المترجمة ومنقولة من تقرير منظمة كونكرديس: (سأوضح جهل رباح أولاً وبعدها نورد رأينا: 1- كاكا التجارية ليست بقرب النيل ولكنها تقع على شاطئ النيل الأبيض وهي كأم درمان تقع على شاطئ النيل الأبيض ونهر النيل وليس بالقرب منهما. ولا أظن أن رباح تعرف شيئاً عن جغرافية المنطقة ولا سكانها ولا من هي القبائل التي تعيش وترعى حول كاكا التجارية منذ زمن المهدية! 2- لم أسمع بمحافظة النوبة في تاريخ وجغرافية السودان. فكلمة محافظة أتى بها نظام النميري. كانت المنطقة تعرف بمديرية جبال النوبة وعاصمتها تلودي. وتغيرت لمديرية كردفان وعاصمتها الأبيض. وكانت كاكا التجارية تتبع لمجلس ريفي تقلي مركز رشاد. تغيّرت التسمية الآن إلى محلية أبو جبيهة ولاية جنوب كردفان. 3- قدّم الأمير عبد الرحمن كمبال أمير قبيلة أولاد حميد الذي تتبع له كاكا التجارية 47 مستنداً للبروفيسور عبد الله الصادق رئيس مفوضية الحدود، تؤكد تبعية كاكا التجارية لمحلية أبو جبيهة حتى العام 1967، لم يكن من بين المستندات مستند واحد من المستندات التي قرأتها ما يفيد بما أوردت من معلومة نقلها لمحافظة النوبة العام 1928، لا أعرف قصدك من إيراد هذه المعلومة المغلوطة؟). وبعد ذلك انتقل الحميدي للإشارة لما فعله والدي (الصادق المهدي) بصفته رئيسا للوزراء وكيف منحت على عهده كاكا التجارية لمديرية أعالي النيل، وكانت الإشارة مليئة بغمز ولمز وتهديد قصر عقلي (القاصر حتى على حدود حي الملازمين) عن إدراك مراميه. لا شك أن في ذلك التعليق إضافة للحوار من ناحية إيراد معلومات وأخذ ورد حول ما جاء في التقرير الذي يناقش قضايا حساسة وساخنة يصعب تناولها بموضوعية للمتماسكين الحزز من مجتمعات الحدود، وفي النهاية فإني لست مبشرة بالتقرير بقدر ما كنت أهدف لإثارة حوار حوله. ولكن ضرني من تعليق الأستاذ الحميدي، ليس فقط الإساءات المباشرة، مقرونة بما قاله أحد معضديه من أني أنقل معلوماتي (المشطوبة) من أعداء الوطن وأقلب الحقائق أكاذيب والعكس (حسب مخي النسائي البدائي) بحسبه، فمثل هذه المشاعر السلبية المعلقة على وجه التاريخ من كثيرين، مقرونة بالمشاعر الإيجابية الممتدة في جذور التاريخ من كثيرين آخرين والتي أقابلها بسبب اسمي، لا كسبي ولا ما أجهله أو أحسنه، صارت جزءا من تركيبة الحياة التي سأقضيها مثل علقة ساخنة وأذهب إلى حال سبيلي وأدعو الله أن تكون الآخرة خيرا لنا من هذه الأولى. أقول لم يكن هذا ما ساءني فكله (في شان الله، والوطن) ولكن ما أضارنا بحق هو مواجهة الدعوة لنفي إستراتيجية النعامة بإستراتيجية التغابن. وقبل أن أعضد رفضي لهذه الإستراتيجية، التي تحول محاورك إلى خائن أو جاهل أو تقلّب له ملفات ماضية من باب الهمز، فإنني أؤكد التالي: . المقال يشير بوضوح في بدايته ونهايته إلى أن تلك المعلومات منقولة من تقرير كونكرديس، وحينما كانت ترد فقرات خارج ما جاء فيه كنت أوردها غالبا بين قوسين حتى يفرق القارئ بين ما بالتقرير وما أوردته من مصادر أخرى. وصف المعلق ما أوردته عن تبعية المنطقة إداريا وضمها لجبال النوبة في 1928م بأنه معلومة مغلوطة، وفي الحقيقة فإني بالرجوع لنص التقرير وجدت هناك خلط في التواريخ أعتذر عنه، فالتقرير يورد أن أجزاء بالمنطقة حولت لجبال النوبة في العشرينات ثم أعيدت لأعالي النيل في 1928م حينما صارت جبال النوبة جزء من كردفان، يورد التقرير في ص 95 التالي: Parts of the area were transferred to Nuba province in the 1920s to facilitate access to the Nile for the Nuba from northern Sudan. It reverted back to Upper Nile in 1928 when the Nuba Mountains became a part of Kordofan. يمكن لأي خبير أو معايش كالمعلق أن يغالط هذه المعلومة، هذا من حقه، ولكني أؤكد أن غرضي الأول والأخير من محاولة تلخيص التقرير وعرضه للقراء هو إدارة حوار، والتعرف على واحد من أهم الأدبيات في قضايا الحدود التي فجرت أمن بلادنا مؤخرا، وقد هالني انصراف كثيرين من اللاعبين الأساسيين عن متابعة ما يكتب ويبحث في دوائر صارت تتولى رسم مستقبلنا، ويلعب حاجز اللغة دورا أساسيا في ذلك، ثم حواجز النعاميزم، بتعبير الإمام. فالدراسة إذن تريد أن تقول إن المنطقة لم تتبع لجبال النوبة، أو جنوب كردفان، إلا لبضع سنوات في عشرينيات القرن الماضي. وهذا بالطبع أمر خطير وحوله خلاف كبير، وليس لي ولا لأي وطني مصلحة في التفريط في أراضينا، ولكن النقطة الهامة هي أنه يجب أن نعي تفاصيل ما يرد في الدراسات التي تدبجها جهات بحثية مرموقة عالميا، وتشكل رأس الرمح في التدخل الأجنبي في بلادنا، وهو تدخل يجري ويتم برضا حكومتنا والدليل على ذلك أنها هي نفسها اشتكت جارتها الجنوبية لمجلس الأمن ثلاث مرات مؤخرا، ولا يجدي بالتالي حديثها عن رفض تدخل المجلس فيما يخص الحرب الدائرة بين السودان وجنوب السودان. وحينما يقول أحد كتابنا أو كاتباتنا إن هناك دراسة هامة قالت كذا وكذا فينبغي فعلا إلقاء الأضواء على ما ورد وإيضاح الحقائق إذا تم تغييرها، ولكن من غير المقبول تخيل معركة مع ذلك الكاتب/ة الناقل/ة وسن حرابها. نواصل بإذن الله وليبق ما بيننا