سيف الحق حسن… كنت باسط ذراعى بالوصيد ولم أدرى ما السبب!. وأردت أن أكتب عن هذا الموضوع الجديد فبطل العجب عندما ألقيت نظرة على عظم خبر لحوم الكلاب. ففغرت فاهي حتى بدا نابي المُصفران. ثم فجأة لاحظت أنني ألهث ولساني يخرج من بين شفتى على غير طوله الطبيعي ويتسارع شهيقي وزفيري بعد تأكيد سيادة المستشار البيئي لمجلس الوزراء بان مياه الشرب التي نرتشفها في عدد من أحياء العاصمة تختلط بالصرف الصحي، أي ب (الغائط). وذلك من دون أن تمتعض أنفه أو يطرف له منخر. وازداد سَعري للكتابة فورا بعد قراءة خبر: وفاة (25) طفلاً على الأقل بمرض الحصبة خلال أربعة أيام في معسكرات النازحين بقريضة جنوب دارفور. وعمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: والله لو تعثرت بقلة فى العراق لكنت مسئول عنها؛ ناهيك عن الكلاب. فيا للأسف، لأن أرخص شيء لدينا هو الإنسان الذي رأس ماله عندنا الله يرحمه أو يومه تم. ونعم بالله ولكن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. ستكتب سبعين مقالة وتحليل عن كرم الله كما كتبت من قبل عن حسب الله. وعن هذه الكارثة القليل. فلم تشدني استقالة كرم الله بقدر ما شدتنى تصريحاته التى تصب مع الكوارث بأن ولايته تعانى من تدهور كبير في الخدمات وينتشر فيها الفقر وسوء التغذية والسل والكلازار. وأضاف ان وزارة المالية الاتحادية تفتقر للمؤسسية والمهنية، وان بعض وزراء الحكومة الاتحادية جاءوا إلى السلطة وهم ( بلا تاريخ) . فكوارث البيئة والصحة والإهمال الإدارى هما الأخطر وذلك ليس لتأثيرهما على إنسان البلاد فحسب ولكن أيضا لتأثيرهما على الإقتصاد سلبا في المدى البعيد. إن سلم من مصيبة الموت فستنشأ أجيال عليلة وراء أجيال تعيسة. أجيال لن تقدر أن تبنى الوطن لأنها مريضة. وسيكون الصرف على علاجها أكثر من تلافى مصيبتها. تخيلوا حجم الكارثة التى تحيط بنا: كم بئر محفورة فقط في الحي الذي تقطن فيه؟، إذا كان هناك مربع واحد به حوالي ألف منزل، وكل منزل من هذه المنازل له بئرا لصرفه الصحي؟. لا تقل لى انك تشرب من مياه النهر، فهناك الكثير يشرب من مياه الأبار. وهنا يجب علينا أن نذكر السيد المستشار بأن هذا التلوث ليس في العاصمة فقط بل في كل أرجاء السودان. إنها يا أعزائى ليست جريمة الإنقاذ وحدها بل جريمة سياسيينا من لدن ويسطر التاريخ مولد شعبنا. جريمة علماؤنا ومثقفينا الذين تركوا العلوم والصحة والبيئة والتعليم والإدارة على غارب السياسيين. فى أمريكا وأوربا والغرب والدول المتقدمة لا يمكن أن يتدخل السياسيون إعتباطا في قضايا الصحة والتعليم والبيئة وكل القضايا المصيرية المتعلقة بالمواطنين. فقد وضع علماءهم ومفكريهم منذ زمن خططهم الإستراتيجية والتنفيذية على المدى البعيد في شتى المجالات بعد أن قاموا بعدة بحوث وتجارب ودراسات تصب كلها فى مصلحة إنشاء إنسان دولة سليم معافى ليساعد بذلك فى نهضة وبناء وإرتقاء الوطن. بحوث ودراسات وخطط ثابتة قاموا بحمايتها من السياسيين بسلطة القانون والقضاء. رأينا كيف احتاج أوباما لعدة سنوات لكى يمرر قانونه لإصلاح الضمان الصحي للمحكمة العليا الأمريكية لإجازته. فدولهم دول مؤسسات مدنية فصلت مختلف السلطات بشفافية فتفرغ العلماء والمفكرون والفنانون للبحوث والدراسات والإبداع. وتدخل سياستهم فقط فى محاولة تسييس خيول هذه الخطط. أما عندنا فكلما جاءت حكومة ولا سيما إنقلابية تغولت على كل المؤسسات. فمهما كانت الخطط موضوعة بواسطة أخصائيين وأكفاء نجد أنهم يخربون كل ما بنى. فقد رأيتم كيف كان يقوم الرائد يوسف عبد الفتاح بتنفيذ مشاريع مرورية وأغلبها صوانى بمجرد حلوله على المكان و أومأ بعصاه. مشاريع عفا عليها علم المرور!. وكلما قاموا بتنفيذ مشروع مثل تلك المشاريع الفورية كالكبارى والمبانى (بأضعاف ميزانياتها بالتأكيد) ليبرزوا هذه الإنجازات السطحية قصيرة المدى هلل وكبر وراءهم العلماء والمثقفين والمفكرين الذين إنجروا وراء هذه الرجرجة والدهماء، والناس تموت على مرمى حجر من بصرهم. فهؤلاء العلماء والمثقفين فما بالكم بالبسطاء. فالدول الحضارية تقاس أول ما تقاس بنظام صرفها الصحى. فالمشاريع بعيدة المدى وللأجيال القادمة كالبيئة والصحة والتعليم وغيرها مهملة تماما لأن الصرف فيها يحتاج لرأس مال وثمرتها لا تظهر إلا فى الأجيال القادمة. ولقد كانت الإنقاذ هى الأخطر من بين الحكومات بتنفيذها مبدأ التمكين اليهودي التلمودى والذي أتى بفساد المؤسسات والفساد السياسي حتى تطبع معه الناس. والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا لم يقم سياسيينا وزعماءنا منذ الإستقلال بفصل العلوم والمؤسسات المدنية عن السياسية وحمايتها بموجب القانون من تقلبات الحكومات المختلفة؟. والسؤال الذى يطرح نفسه بإلحاح حاليا: لماذا لا يقوم علمائنا ومفكرينا فى شتى أنحاء العالم وبمختلف تخصصاتهم بتكوين جمعيات ومراكز أبحاث لإجراء الدراسات اللازمة لوضع الإستراتيجيات والخطط التى يرونها مناسبة لتنهض بالوطن. إذا كانوا لديهم إنتماءت حزبية فالينسوها. عليهم بإستغلال الدراسات فى برامج بحوث التخريج الجامعية من بكالريوس وماجستير ودكتوراة. ولكن للأسف معظم البحوث التى تقدم لا ترقى للمستوى لأنها لم تات بجديد وفى بعض الأحيان ربما منقولة بالنص أو بالوادى أو حتى بالشنقيطى من البحوث الأخرى. الأمر قد يكون مستحيلا ولكن هى خطوة مهمة. فإتحاد العلماء والمفكرين والمثقفين وتوحدهم مع مختلف إنتماءتهم السياسية في مصلحة الوطن هى الخطوة الأولى، هى الثورة الأولى التى ستجبر السياسين على عدم التدخل لكسر شوك العقارب وتحطيم قرون الخراتيت السياسيين. فمهما بلغت الصعوبات وثقلت الإعتراضات ففى النهاية الغلبة للعقل والفوز للمنطق والعلم سينتصر. فهذه دعوة لعلمائنا ومثقفينا ومفكرينا للقيام بثورة لخلع الجهلاء والدخلاء وإستلام عجينهم من أيدى السياسيين. دعوة لفصل المؤسسات المدنية عن السياسة. و دعوة للسياسيين أنفسهم أن يرفعوا أيديهم عن المؤسسات المدنية. وهذه دعوة لنا جميعا للوقف وتنفيذ هذا الفصل وحماية أطفالنا ومستقبلهم، فالأخطار البيئية تحيط بنا مثل الصرف غير الصحى النفايات الإلكترونية والتلوث البيئى بعوادم السيارات والركشات على وجه الخصوص وغيرها. دعوة لتطوير الأداء والجودة للمساهمة في بناء إنسان صحيح العقل والبنية. فهذه هى الوطنية الحقة يا عقولنا والتى تختفى وتفنى فيها مصلحة الحزب والذات أمام مصلحة المواطن و الوطن. فأفتحوا أعينكم لترسموا صورة حسنة عن المستقبل وقولوا كلمتكم لتكتب لكم فى التاريخ وشدوا سواعدكم لنصرة العلم. فإذا أفلحتم فسيلتفت كل مواطن لعمله ويتفرغ الجميع لبناء الدولة، وفى السياسة سيكتفي الناس دوما بالحرفين الذين كان يقولهما سيف الإسلام القذافى ولا يضيرهم شيئا إنا كان الرئيس يرقص بالعصا او “يطقع” بالحجار.