بصفتى عضواً بالعديد من الجمعيات والتجمعات والمنظمات والهيئات والمرافق والشبكات المحلية والاقليمية والدولية ،أجدنى مهموما بالشأن البيئي ببلادي، ودائماً ما أقوم بالمقارنة بين موقفنا الراهن من «المواضيع البيئية» التى نناقشها فى المؤتمرات وورش العمل والتجمعات، وما يجب أن نكون عليه. فنحن أعضاء بالأممالمتحدة، وبالتالي برامج الأممالمتحدة للبيئة والتجمعات التابعة لها مثل روتردام وبازل وستوكهولم وقرطاجنة..الخ. ولنا علاقات بالمرفق العالمي للبيئة، وشخصي الضعيف تم اختياره في مجموعة خبراء المجلس العلمي لهذا المرفق قبل خمس سنوات، كما لنا علاقات بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التى تعتبرني عضواً إفريقياً فاعلاً بها، وكثيراً ما تستشيرنى في احتياجات قارتنا البائسة، وسأغادر اليهم في الأسبوع الأخير من هذا الشهر بدعوة منهم لتكملة المشاورات. في العام الماضى نظمت المنظمة مؤتمراً ضخماً بمقرها بلاهاى، وقامت بدعوتى واربعة من الأفارقة للمشاركة بصفتنا الشخصية، وحضرته حوالى 70% من دول العالم، بعضها ممثل بوزير والبعض الآخر بسفراء. وللأسف الشديد فإن السودان لم يكن من بين هذه الدول رغم توجيه الدعوة اليه. وترأس الجلسات سفراء وسفيرات. وناقش المؤتمر موضوعاً مهماً جداً مع أمثلة حية قدمها الوزراء من دولهم مثل الصين والهند وبعض الدول الأوروبية. والمواضيع كانت عن تقييم المخاطر والأزمات والكوارث وادارة كل منها. وكان لوجودى أثر مهم فى «تضمين القارة الإفريقية فى كل الأنشطة» بما فى ذلك التدريب، مع مراعاة «خصوصية» إفريقيا ومشكلاتها ومشكلات ومتطلبات إنسانها. وفى مارس من هذا العام قمت بتلبية دعوة تجمع بازل بغرض التعرف على رأى الأفارقة فى «كيفية التخلص من النفايات الالكترونية» وكان ذلك برئاسة برنامج الأممالمتحدة بنيروبى. وفى اجتماع سابق لهذا الاجتماع في العام الماضى أيضاً بنيروبى ناقشنا موقفنا بوصفنا افارقة من «النانوتكنولوجى والمواد المصنعة منه». وبهذه المناسبة نلفت نظر رئاسة الجمهورية والوزير الهمام حسن عبد القادر هلال والمجلس الأعلى للبيئة إلى أن السودان لم يصادق على «تعديلات بازل» حتى الآن. لعل المانع خير؟ أما عن «التلوث» عالمياً وإفريقياً، فنحن فى الفرق الأساسية التى تناقشه وترفع التوصيات لمؤتمر الدول الأعضاء «الوزراء» لاتخاذ القرارات، وفى اللجان الفنية التي تحدد طرق التتبع والمتابعة والبحوث المطلوبة وكيفية تقييم وتقدير وتحديد الملوثات فى كل التجمعات السابقة منذ عام 2001م. ذكرت كل ما جاء أعلاه حتى يأخذ كل من يقرأ هذه المادة «مأخذ الجد»، ولا يظنن أن الأمر عبارة عن «فض مجالس وكلام جرائد فقط وونسة ناس ما عندهم شغلة». شعار البيئة هذا العام هو: الاقتصاد الأخضر: هل أنت جزء منه؟ أو كما يقولون هل يعنيك؟ وبصفة عامة وباختصار شديد جداً نقول «إننا فى وضع صعب» في ما يختص بصحة البيئة، وصحة بيئة العمل، والتصحر، والتنوع الإحيائى، وتراكم المواد الخطرة من كيمائيات وأدوية ومبيدات ونفايات الكترونية وتلوث التربة وبعض مواقع الأنهار والترع والحفائر، اضافة الى تلوث الأغذية والأعلاف الحيوانية ومدخلاتها، ولا ننسى الهم الأكبر وهو «الغطاء النباتي» مع تغير واضح فى المناخ. وكل نقطة من النقاط التى ذكرتها فى هذه الفقرة تشكل «مشكلة وأزمة» تحتاج إلى «التقييم والادارة» والا ستتحول الى كارثة. وخوفى يتضاعف عندما أتساءل: هل لدينا براج لتقييم المخاطر وادارتها؟ ومن هو المسؤول عنها؟ هل لدينا برامج لادارة الأزمات والكوارث؟ لمن تتبع؟ وهل هى فعالة أم لا؟ ومن الذى سيؤكد لنا فاعليتها؟ ما حدث في «هجليج» كمثال هو كارثة اقتصادية وبيئية، وهى فى الأصل سياسية ويجب ألا تمر مرور الكرام. وما يهمنى هنا الشقان الأولان. و«اقتصاديا» استطاع السيد الوزير ادارة الأزمة بطريقة قد تكون مقبولة أو مثالية. لكن، من «ناحية بيئية» هل قيمنا ما حدث؟ إن كانت «الاجابة نعم»، من قام بذلك؟ وما هى النتيجة؟ وأين هو التقرير؟ وان كانت الاجابة «بلا»، نرجو الإسراع فى ذلك يا سيادة الوزير الهمام، فمثل هذا الأمر يجب أن تتوفر له بيانات بالكامل ويصبح سابقة عملية ينطلق منها الآخرون فيما بعد. وما هى المخاطر البيئية التى نجمت عنها؟ وكيف نتخلص مما حدث من آثار بيئية فى المنطقة؟ وكيف نتجنب حدوثها مرة أخرى. هذه «دراسة حالة» جاهزة للبيئيين والوزارة وجمعية حماية البيئة بفروعها المختلفة. ومن المخاطر الأخرى التى سبق أن كتبنا عنها بالتفصيل عند استلام والى الخرطوم الحالى لولاية الخرطوم مشكلة «الصرف الصحى»، وأن الخرطوم الآن تجلس على قنبلة موقوتة وهى التخلص غير الصحى من النفايات الآدمية فى دورات مياه الحفر وخزانات التخمير «سيبتك تانكس» والآبار بالمنازل وغيرها. ونتيجة هذه الممارسات ستكون تلوث مياه الشرب وظهور أمراض جديدة ووبائيات لا يمكن التحكم فيها، ولا نعرف كيف نتعامل معها. وطالبنا السيد الوالى بالبدء فوراً فى الصرف الصحى حتى وان أوقف كل الأنشطة الأخرى من باب الأهم فالمهم. والنشاط المهم الآخر هو «التخلص من النفايات المنزلية» بطرق علمية معروفة، وضربنا المثل بباريس عاصمة فرنسا، حيث أن 75% من الاضاءة تستخلص من النفايات. ويمكننا فرز النفايات واعادة تدويرها، وتنشيط الصناعات الصغيرة الناتجة عن هذه المخلفات من بلاستيك وورق وكرتون وزجاج ومواد عضوية قد تنتج للخرطوم وحدها اسمدة من الكومبوست لا تقل عن 100 الف طن فى العام بخلاف انتاج الغاز «الوقود» الإحيائى، وتوفير نسبة ضخمة من التلوث «خاصة ثاني أوكسيد الكربون» بالنسبة للهواء والتربة، وسينعكس هذا بالضرورة على صحة الإنسان والحيوان والبيئة. ومن الأنشطة الضرورية التي خاطبنا بها المسؤولين والجماهير، أن يتبنى كل بيت على الأقل «6» شجرات بالشارع وشجرتين داخل المنزل «ليمون ونخل أو جوافة أو مانجو». وإن قلنا إن الخرطوم يسكنها حوالى «7» ملايين شخص، وكل سبعة منهم يسكنون بمنزل واحد، فالنتيجة هى مليون منزل بالعاصمة. وهذا يوفر لنا «8» ملايين شجرة بالعاصمة فقط. أما عاصمة الجزيرة التى يسكنها نصف مليون شخص، أي حوالى «65» ألف منزل ستوفر لنا بجهد بسيط حوالى أكثر من نصف مليون شجرة. سادتى فلنعمم ذلك فى كل مدن السودان، مع تأكيدى باستعداد ادارة الغابات لتقديم كل العون الممكن، خاصة أن مديرها هو المتجرد العالم المثقف والوطنى الغيور الدكتور عبد العظيم ميرغني. هل أدلكم على أهمية التشجير؟ لا أظن أن هنالك حاجة لذلك. وأهم الأنشطة قاطبة هو التخلص من المبيدات الفاسدة ومدافنها وعبواتها وتربتها الملوثة. وتقدمنا منذ عدة سنوات بنتيجة الحصر، ووضعنا لمصلحة المجلس الأعلى للبيئة الخطة القومية ووافق عليها مجلس الوزراء والمجلس الوطنى، وحكومتنا ليس من الصعب عليها توفير المال اللازم للتخلص منها، وسينعكس عليها ذلك فى السنوات القادمة بنسبة توفير عالية جداً فى تكاليف الصحة يمكنها أن تستغلها فى الارتقاء بالعمل الصحى مستقبلاً. كما نود أن نلفت نظر الجميع لمشكلة تتنامى بسرعة شديدة وهى تراكم النفايات الالكترونية بالبلاد مع عدم توفر المعرفة والوسائل للتخلص منها. ومثال ذلك الأجهزة الكهربائية القديمة من أجهزة راديو وتلفزيون وتليفونات وأجهزة موبايت وكمبيوترات..الخ. ويمكنكم تصفح صفحات الانترنيت لمعرفة خطورة هذا الأمر محلياً واقليمياً وعالمياً. أما تقانة النانو والمواد المصنوعة منها، فنحذر الجميع من السماح لها بالدخول، حيث أنها تقنية يصعب التخلص منها حتى بدول العالم المتقدم، ناهيك عما سيحدث لنا نحن. وأرجو ألا ننخدع بها ونجعل منتجاتها تدخل بلادنا، وكان هذا هو قرارنا إفريقياً أيضاً. ونعود إلى ما يحدث داخلياً، خاصة بالمدن. فمن أهم المشكلات عدم توفر دورات المياه العامة، فيلجأ عدد لا يستهان به الى التبول بمناطق نعرفها جميعاً، ويتبرزون بالقرب من الترع والجداول والنتائج معروفة لكم جميعاً. والمشكلة التى تليها أو تعادلها فى الأهمية بيع المواد الغذائية من خضروات وفاكهة وأسماك بالأسواق بأنواعها على سطح الأرض أو يفصلها عنها جوال متهرئ متسخ ويحيط بها الذباب من كل جانب، ونسأل أنفسنا عن أسباب انتشار التايفويد والدوسنتاريا والقارديا وغيرها من أمراض التخلف. أما في القرى والبوادي فهنالك العديد من الأمراض الناتجة عن تلوث المياه «ترع وحفائر». والأمراض المنقولة بواسطة المياه لا تحصى ولا تعد. فكم من مواطني هذا الوطن يعانون من أبسط شيء وهو ماء نظيف للشرب والاستحمام، علماً بأن مرض البلهارسيا في تزايد مع مد القنوات والترع، حيث لا نتخذ الاحتياطات ولا نتعلم من الماضي ولا من أخطائنا. وما يؤرقنى في أغلب الأوقات البيئة المنزلية التى يتعرض فيها أعز ما نملك فى دنيانا من زوجات وأطفال. فالمنازل ملوثة بالدخاخين «بأنواعها» والغبار. فالفحم وحطب الحريق والحطب إياه «يا سيدات»، واستخدام الورق وأكياس البلاستيك فى اشعال فحم الكانون والصاج، من أهم الملوثات البيئية والضارة بهم. * جامعة الجزيرة