(مليون و600 ألف جلدة ألهبت ظهور أكثر من 40 ألف امرأة سودانية خلال عام واحد، وفقا لقوانين النظام العام، والقانون الجنائي لسنة 1991، وهو ما يصور حجم العنف الذي يتعرضن له من قبل الحكومة) ، هذا ما قالته الدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية في حزب الأمة السوداني المعارض . وتعتبر السلطات السودانية ما يجري تنفيذ لقوانين الشريعة الإسلامية، وضبط الشارع ومحاربة (المظاهر السالبة). وكان بث مقاطع من شريط فيديو على مواقع «يوتيوب» نهاية الأسبوع الماضي قد أثار غضب كثير من السودانيين، وجهات عالمية أخرى. ويظهر الشريط فتاة سودانية تتعرض للجلد بواسطة اثنين من الشرطة بالخرطوم، فيما كانت الفتاة تتلوى وتسقط على الأرض وتصرخ طالبة منهم الكف عن ضربها. وتعرضت الفتاة لعقوبة الجلد وفقا للقانون الجنائي السوداني لسنة 1991، الذي ينص على الجلد في عدد كبير من المخالفات و«الجرائم»، والتي أشهرها المادة (152) التي تنص على الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، وهي كل من يأتي في مكان عام فعلا أو سلوكا فاضحا أو مخلا بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام، وهي المادة التي تم بموجبها تقديم الصحافية المعروفة لبنى أحمد حسين إلى المحاكمة؛ إلا أن القاضي حكم عليها بالغرامة المالية، والتي رفضت دفعها ليقوم اتحاد الصحافيين السودانيين بدفع الغرامة نيابة عن الصحافية، ثم كانت قضية الفتاة سيلفيا وهي شابة مسيحية من جنوب السودان تم إلقاء القبض عليها العام الماضي بتهم ارتداء «زي فاضح»، ويقصد به في تفسير السلطات «البنطلون، أو اللبس القصير، أو الشفاف». ويرى القانوني نبيل أديب المحامي أن «الجلد موجود في قانون النظام العام الذي ينظم الحفلات العامة، وموعد انتهائها» وقال: «لا تقف العقوبة على تلك المفصلة في القانون الجنائي لسنة 1991، والتي تشمل الزي الفاضح، أو الأعمال الفاضحة وشرب الخمر، والمتاجرة فيه، وكذلك الميسر، وإدارة المحلات العاملة في هذه الأنشطة، إلا أن الجلد يشمل كذلك غسيل سيارة في مكان غير مخصص لها؛ مع العلم أن بالسودان لا توجد مواقف للسيارات في معظم الأماكن، ولا لغسيلها». ويرى أديب أن الجلد أصلا عقوبة مهينة ولا يجوز التذرع بالشريعة لأن الجلد لم يذكر في القرآن إلا في موضعين من سورة واحدة ويتصل بعقاب جريمتي الزنا والقذف. ويواصل «القصد من العقوبة إذلال الجاني ولا يجوز التوسع في هذه العقوبة في جرائم أخرى وإلصاقها بالشريعة الإسلامية». وحول قصة فتاة الفيديو يقول أديب «ما رأيناه في الفيديو مخالف لكل ما هو متفق عليه بالنسبة لتنفيذ الحدود». وتابع «الفتاة ضربت بقسوة وفي أماكن خطرة من الجسم كالرأس والوجه، وبشدة، وتبادل على ضربها أكثر من شخص». وقال إن «مقطع الفيديو أثار كثيرا من الاستهجان لمخالفته للقانون». ولفت النظر لما في القانون من أحكام يجب إلغاؤها. وتقوم شرطة أمن المجتمع، وهي المعروفة في السابق باسم «النظام العام» بحملات روتينية في العاصمة والمدن الأخرى تتم خلالها عمليات قبض على من يشتبه في زيه، أو فعله، ليقدم إلى محاكم «إيجازية» وصفها أديب بأنها مثل (التيك أواي – وجبات سريعة ) اي من دون محام ويكون رجل الشرطة هو الشاكي والشاهد، وربما المنفذ، فيما يمكن تحويل القضايا إلى المحاكم الجنائية في حالة مقاومة المتهم، ووعيه بالقانون، وفي الغالب تكون النساء هن المستهدفات في القوانين السودانية المرتبطة بالجلد، وهو ما دفع الدكتورة مريم لتقول: «هناك أكثر من 40 ألف امرأة قدمن لمحاكم في سياق حملات النظام العام خلال عام واحد، وإذا ما جلدت أي واحدة من هؤلاء النسوة 40 جلدة فسيكون الناتج هو مليون و600 ألف جلدة ألهبت ظهور النساء خلال عام واحد». وتعتبر «أن هذا بقصد الإذلال ولا علاقة له بالشريعة الإسلامية، التي تنص على الجلد في 3 جرائم حدية، يصعب إثبات إحداها» في إشارة إلى جريمة «الزنا». وأضافت مريم «الجلد هو العقوبة المفضلة لحكومة الإنقاذ»، حيث كان يمكن أن تجلد النسوة اللائي خرجن في مسيرة سلمية يوم الثلاثاء وتم القبض عليهن، حسب القانون الجنائي، ويفترض أن تتم المحاكمات وفقا للمواد: التجمهر غير المشروع – الإخلال بالسلامة العامة – الإزعاج العام، من القانون الجنائي. ونوهت إلى «أن الطريقة التي تنفذ بها العقوبات ضد النساء بها استهتار بالنساء وكرامتهن وجارحة للدين والإنسانية والسودان»، لكن السلطات السودانية ترى أن كل ما أثير هو استهداف لسمعة السودان. ويقول والي ولاية الخرطوم عبد الرحمن الخضر في تصريحات إن التناول الإعلامي للقضية كان سياسيا، وإحراجا للوضع القائم، ولم يقصد منه الأمر الأخلاقي. وأكد والي الخرطوم أن شرطة النظام العام وشرطة ولاية الخرطوم ليستا طرفا في القضية، ونفذتها شرطة المحاكم، وقال إن القضية إذا خرجت من إطارها القانوني إلى المظاهرات فإن الولاية لن تسمح بذلك وحذر كل من يحاول تدويل هذه القضية. لكن قضية فتاة الفيديو هي حلقة من حلقات قانون النظام العام والقانون الجنائي وفق وجهة نظر الناشطة هادية حسب الله، وهي أستاذة جامعية بجامعة الأحفاد، وتنشط ضمن مئات الناشطات في منبر أطلقن عليه «لا لقهر النساء»، تم تكوينه على خلفية قضية الصحافية لبنى، وتقول : «هناك الآلاف من الفقيرات والمهمشات والمستضعفات اللائي تتم محاكمتهن في الظلام، ولا يعرف أحد كيف جلدن؟ ولماذا جلدن؟ لأنهن إما لا يمتلكن الوعي الذي يشجعهن على كشف الحقائق، أو لا يعرفن طريق الإعلام، أو يتخوفن من الفضيحة».