ظلت الجبهة السودانية للتغيير منذ تاسيسها، تدعو الشعب السوداني ممثلا في أحزابه، ومنظماته المدنية، وكل حركات المقاومة التي تحمل السلاح، وقطاعاته الشبابية والطلابية، وتنظيماته النسوية عبر بياناتها، وأدبياتها، وتحالفاتها، ووثيقتها للفترة الإنتقالية إلي الالتفاف حول برنامج وطني شامل وواضح يعالج كل قضايا الوطن السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وذلك بعد إسقاط هذا النظام. وتأسيسا علي ذلك جاء ترحيب الجبهة السودانية للتغيير لوثيقة قوى تجمع الأحزاب التي دعت فيها بعبارات واضحة إلي إسقاط نظام الإنقاذ الديكتاتوري الشمولي وإحلال برنامج بديل ديمقراطي علي أنقاضه. جاءت هذه الخطوة الهامة من قوى تجمع الأحزاب عبر وثيقتها (البديل الديمقراطي) في وقت يشهد فيه السودان أزمات خطيرة تهدد وجوده ككيان ودولة. وفي ذات الوقت تشهد فيه البلاد حراكا جماهيريا ثوريا انتظم كافة فئاتها، وقطاعاتها، ومدنها، وقراها. ومما لاشك فيه أن توحيد الصف، والكلمة، والوسائل، والهدف في هذا الظرف السياسي الدقيق يصب في اتجاه إسقاط هذا النظام المتجبر وتدشين عهدا ديمقراطيا جديدا. تري الجبهة السودانية للتغيير بكل مكوناتها، وقواعدها، ومؤيديها إن ما جاء بهذه الوثيقة من الدعوة إلي إسقاط النظام وإقامة البديل الديمقراطي يعتبر خطوة هامة تصب في الاتجاه الصيحيح، وتزيد من قوة الدفع الثوري، والاجماع الجماهيري لللإسراع في إسقاط هذا النظام الذي يُعتبر العقبة الكأداة في سبيل التغيير. ومع ذلك تري الجبهة السودانية للتغيير أنه من الأهمية بمكان تناول البنود المرسلة التي ينقصها التحديد، وتفتقد الدقة والشفافية، ويلفها الغموض، فضلا عن عدم التعرض في الوثيقة إلي بعض البنود الجوهرية التي تتعارض مع المفهوم الديمقراطي نفسه. وبالتالي إن هذه الوثيقة بشكلها الحالي تتعارض تماما مع تضحيات الشعوب السودانية التي ظلت تقدمها لأكثر من عقدين من الزمن في سبيل التخلص من هذا النظام الدموي البغيض. وتتعارض في الوقت نفسه مع طموحاته، وآماله، وأشواقه في إقامة نظام ديمقراطي حقيقي. فعليه إن النقاط التالية تحدد موقفنا في الجبهة السودانية للتغيير من مسالب جاءت بها هذه الوثيقة. أولا: خلت هذه الوثيقة من الاشارة إلي القوى الحديثة ولم تتطرق إلي دعوتها للانضمام إلي مكوناتها والاستماع إلي رؤآها ورؤيتها في شأن وطني يهم الجميع. ثانيا: لم تتعرض الوثيقة إلي القوى المعارضة والمقاومة التي لها إرث تاريخي في مقاومة هذا النظام، ولم تتم دعوتها إلي التوقيع علي الوثيقة، ولم تتم حتى مناقشتها في شأن مستقبل الدولة السودانية ما بعد إسقاط النظام الحالي. كما نصت الوثيقة علي ان المشاركة في السلطة السياسية اثناء الفترة الانتقالية تقتصر فقط علي القوي الموقعة علي الوثيقة.! ثالثا: ورد بالوثيقة بأن “الدولة السودانية هي دولة مدنية ديمقراطية تتأسس علي المساواة بين المواطنين”، دون التطرق إلي مرجعية مدنية هذه الدولة، ومن المعلوم أن هذا المصطلح حمال أوجه يلفه كثير من الغموض. ولم توضح هذه الفقرة المعايير التي تستند إليها هذه المساواة بين المواطنين؟. رابعا: تطرقت الوثيقة في أحدى فقراتها يافرارها “إلغاء نظام الحكم الاتحادي الراهن” وتجاوزت عن ذكر البديل، وواقع الأمر في سودان اليوم والغد لا يمكن أن يتم حكمه إلا بأحد أشكال النظام اللامركزي. خامسا: لا خلاف علي محاكمة منتهكي حقوق الإنسان والفاسدين، إنما يأتي الخلاف في إغفال ذكر محاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية وتجاهل ذكر المحكمة الجنائية الدولية التي تولت بالفعل اختصاص محاكمة هذه الجرائم المذكورة الأمر الذي يجعل النظام القادم الجديد في مواجهة مع المجتمع الدولي. سادسا: كرست هذه الوثيقة في بعض بنودها أخطاء الماضي التي أفرزت ثنائية تعاقب ديمقراطية/ عسكر وأصبغت علي نفسها صفة الوصاية والأبوية وذلك باحتكارها حق المنح والمنع لمواطني المناطق المهمشة مثل دارفور، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأرزق، وشرق السودان، والشمال الأقصي، وغيرها من المناطق المهمشة. ولم تذكر ولو علي سبيل الاشارة العرضية إلي أن الدستور القادم المجمع عليه من كل أهل السودان هو صاحب الحق في توزيع الحقوق والالتزامات بين كل أهل السودان. سابعا: لم يرد ذكر تحديد الفترة الانتقالية في الوثيقة وتركت الأمر مفتوحا يحتمل كل التأويلات. ثامنا: فيما يتعلق بالمرأة جاء البند الخاص بها مبهما لينتقص من مكتسباتها التاريخية التي استحقتها بتضحياتها ونضالاتها المشهودة. تاسعا: لم تشر الوثيقة إلي السلاح الناري الذي بأيدي المواطنين، وتحديد كيفية علاج هذه القضية الهامة بما لها من تأثير سالب علي الاستقرار والسلام الاجتماعي. عاشرا: لم يتم التوقيع علي إعلان الدستور الانتقالي ولم يرد في الوثيقة ذكر أو إشارة له الأمر الذي يؤكد أن الاتفاق بين قوى الأحزاب جاء في حده الأدني. عطفا علي كل تلك الأسباب التي تم ذكرها آنفا، تري الجبهة السودانية للتغيير أن وثيقة قوى الأحزاب قد شابها القصور المخل في تناول قضايا الفترة الانتقالية والتي بلا شك تحتاج إلي تضافر كل جهود الشعب السوداني دون إقصاء أو عزل أو إلحاق لفئة، لأن الدمار والخراب الذي سيتركه هذا النظام عند سقوطه معلوم للجميع بالضرورة. د. أحمد عباس أبو شام رئيس الجبهة السودانية للتغيير يوافق يوم الثاني عشر من يوليو 2012م. لندن