[email protected] يكتب الصحفي إسحق أحمد فضل الله , في مسلسل طويل و متعدد الحلقات. و تبدأ كل حلقة بحرف الواو . و… و… و. و تنتهي باللازمة ( إبقوا معنا ). و هي بداية و نهاية بهدف الإثارة. و هو مسلسل لا إعتقد أنه سينتهي قريباً , ما دام أن نظرية المؤامرة, تعشعش في رأس هذا الكاتب وهو ما ينفك يكتب في ( آخر الليل ) من وحي قصص ( ألف ليلة و ليلة ) . يعزي إسحق كل مشكلات هذا البلد , إلي نظرية المؤامرة , أي لا يكاد يخرج بلدنا من مؤامرة, إلا و يدخل في أخري, و كأنه يدار بواسطة شخصيات ( أرسين لوبين ). يدعي إسحق, أن هناك شبكة إجرامية, تقف أمام مصلحة هذا البلد و تقدمه. ذلك أنه ما أن يبدأ العمل في مشروع ما, إلا و تقف له هذه الشبكة بالمرصاد و تعيقه و تفشله, إذ يأتي الرد جاهزاً : حقنا وين ؟ … حقنا النص بالنص إن عجبكم … لا … يمين البلد دي ما تمشي لي قدام و أنحنا حيين … ألخ مما يستخلصه القارئ من إشارات, يرسلها هذا الكاتب. و هي إشارات تشير إلي أن الكاتب وحده عليم ببواطن الأمور و ما يجري من أحداث في البلد, و أن الآخرين ( غشيمين ) أي لا يعرفون شيئاً, و هم مغيبين عن دائرة الفعل. و أن مثل هذا الكاتب, وحده هو من يعرف الحقيقة. إذن علي الآخرين أن يصدقوا كل ما يقال لهم. لكن هل سيصدق القارئ كل ما يقال ؟. و من المعلوم, أن العلاقات الدولية, تقوم علي قاعدة المصالح المشتركة. و في هذا يكون التنافس بين الدول, لجني ثمار هذه المصالح و لتحقيق المصلحة العليا للدولة من وراء هذه الجهود التي تبذل في مجال العلاقات الدولية. هذا شئي عادي. و إضافة إلي هذا, فقد تتبع الدول في سعيها لتحقيق مصالحها, بعض الأساليب التي قد تبدو غير مقبولة, و ذلك بهدف تحقيق هدف ما. هذا أيضاً معلوم في هذا الإطار. لكن أن يأتي كاتب و يدعي , أن كل ما يحدث حولنا هو تآمر, فهذا شئي لا يعقل و لا يقبل. أن الفتن و المشكلات من طبائع الزمان, و هي تسعي بين الناس, إذ لايخلو زمان و مكان من هذه الفتن , التي تثور هنا و هناك. هذا من المكابدة التي ينبغي أن يكابدها الإنسان و هو يسعي في سبيل رزقه. قال تعالي في محكم تنزيله ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) . أي لابد للإنسان من أن يسعي و أن يكابد في سبيل هذا الرزق. يدخل ضمن هذه المكابدة, ما يلاقيه الإنسان من فتن و عناء. لكن ليس له أن يقف مكتوف اليدين, أمام ما يحدث أمامه , بحيث يقول , إنه تآمر وقع علي و علي بلدي و لا قبل لي به. هذا من العجز و يدخل ضمن ما يسمونه , الحيل العقلية اللاشعورية, و تهدف إلي الهروب من الواقع, بدل من مواجهته, بما يستحق من مواجهة. لكن , نشأت لدينا في السنين الأخير, ثقافة من نوع آخر, و هو ما يسمونه ( ثقافة القنابير ). و تعني هذه الثقافة, أن يصحو الكاتب في آخر الليل و يكتب ما يعن له من أفكار, حتي و إن لم يكن لديه موضوع, يهم القارئ. المهم أن يكتب و يسود الصحائف. هذا ما يلاحظه القارئ في بعض الصحف. و هي صحف هبط مستواها إلي الحضيض من حيث المستوي, لدرجة أن القارئ لم يعد يجد فيها ما يفيد , اللهم إلا من شذرات هنا و هناك. سادت ثقافة القنابير, في بلدنا في السنين الأخيرة, و أورثت البعض منا عجزاً مكتسباً Learned helplessness كما يقولون في مجال علم النفس. و يعني العجز المكتسب, أن الجهة المشرفة علي أمر التعليم والثقافة, تلقي في روع الآخرين, أن ليس في الإمكان , أحسن مما هو كائن. و أن علي الآخرين, أن يرضوا بما يعيشونه من وضع, حتي و إن لم يكن كريماً. يعني كلوا و أشربوا و خلوا الباقي علينا. ثم يأتي مثل هؤلاء الكتاب , و يعملون علي تغييب ما بقي من وعي, بإعتبار, أن ليس للمواطن حيلة في أمره , و أنه أصبح خارجي السيطرة Externaliser , أي تتم السيطرة و التحكم فيه من الخارج, بمثل هذه الكتابات و الحكاوي, عن نظرية المؤامرة و غيره. و منذ أيام خلت , قرأت عن لقاء تم مع أحد الأكاديميين و هو مدير لإحدي الجامعات داخل الخرطوم. إنقلب هذا الأستاذ الجامعي و المفكر و الخبير الإستيرتيجي, كما سموه, إنقلب إلي ( فكي ) و أخذ يتحدث عن اللطف الإلهي و جر السبحة , أي Wait and see strategy كما نقول في مجال الإستيراتيجيا. يهدف هذا المفكر إلي حل مشكلات البلد عن طريق هذا التفكير الغيبي , فتأمل. يا أخي , أن وظيفة الصحافة, هي تقديم المعلومة الصحيحة للقارئ و الإرتفاع بمستوي وعيه, و المشاركة في رقابة هذا المجتمع, لذا سميت الصحافة بالسلطة الرابعة. ثم أن أوجب واجبات الصحافة, هي إحترام عقل القارئ, و ليس الرجوع به إلي عصر التفكير الخرافي , حين كان يعزي الناس مشكلاتهم للقوي الغيبية و الجنوح إلي التفكير الخرافي و من هذا نظرية المؤامرة , بدل التفكير العلمي. لكن يبدو أن بعض كتابنا, يودون أن يعودوا بنا إلي ذلك الزمان. و ما دام أن صحافتنا بهذا المستوي من التخريف, إذن لا مانع أن تذهب في إجازة مفتوحة, إلي أن ينصلح حالها. و بالذات في هذا الوقت الذي تعاني فيه من الضغوط الإقتصادية. نأمل في أن يكشف لنا إسحق فضل الله, عن هذه الشبكة المدعاة و هذا المارد الذي يقف حجر عثرة, في سبيل تقدم بلدنا.