عرمان محمد احمد لقد انفصل جنوب السودان عن شماله، منذ التوقيع علي اتفاقية نيفاشا عام 2005 بناء علي رغبة اليمين الأمريكي، وعملاً بأحكام قانون (سلام السودان) الذي اصدره الكونغرس الأمريكي عام 2002 ، و بناء علي اوامر ادارة الرئيس الأمريكي الاسبق، جورج دبليو بوش. ولم تك (نيفاشا) اتفاقية سلام حقيقي، وانما هي (صفقة إنفصال) لجنوب السودان، رعتها الولاياتالمتحدة،من الألف الي الياء، لدرجة ان الأمريكان، دفعوا مصاريف إقامة، الممثلين و الكمبارس، الذين شاركوا في اخراج، مسرحية (السلام) في فنادق المنتجعات الكينية. الصفقة كانت ببساطة (انفصال الجنوب) مقابل عدم اسقاط نظام البشير، علي طريقة اسقاط نظام صدام في العراق، و الطالبان في افغانستان، لاسيما وان البشير وجماعته كانوا يستضيفون يوماً، زعيم تنظيم القاعدة، اسامة بن لادن. ولم تكن الفترة الإنتقالية، سوي فترة تمهيد،و اعداد لحكومة وجيش الجنوب، للقيام بمهام إدارة الدولة الوليدة. اما الإستفتاء ونتيجته،فيجئ من قبيل تحصيل الحاصل. ولم يكتف الامريكان بعد نيفاشا بفصل الجنوب، وانما طالبوا بالمزيد، وهو انفصال اقليمي دارفور وشرق السودان!! ومن المضحك الأن، ان يردد (د. نافع علي نافع) القيادي ب(المؤتمر الوطني) في أجهزة الإعلام (ان جهود الابقاء على وحدة البلاد فشلت)!! أي جهود هذه؟ نفط .. وحدة.. أم شريعة؟ والمضحك اكثر ان (المشير) البشير ، عرض اخيراً علي الجنوبيين، كل حصة الشمال، من النفط، اذا هم قبلوا الوحدة مع الشمال. و الأغرب ان المتهم عمر البشير، المطلوب بواسطة المحكمة الجنائية الدولية، في جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية،في دارفور، توعد اهل السودان الطيبين في الشمال، بالجلد بالسوط و بالقطع والتنكيل،بعدانفصال الجنوب، و قال في لقاء جماهيري، بالقضارف يوم امس الأحد20/12/2010 الحدود في الشريعة الإسلامية تأمر بالجلد والقطع والقتل)!! حديث البشير عن الشريعة والحدود والجلد والقطع والقتل، في هذا الوقت بالذات، يكشف عن نواياه الإرهابية المبيتة، وهو بطبيعة الحال، حديث بائس، ويأئس، يهدف الي تسيس الشريعة والحدود، واستخدامهما، في إرهاب الشعب السوداني واذلاله، مثلما استخدمها الرئيس المخلوع بأنتفاضة عام1985 ( المشير) جعفر نميري، بهدف تغطية فضائح وجرائم وفساد نظامه الديكتاتوري، خاصة بعد تسرب صفقة تهريب اليهود الفلاشا الي اسرائيل، التي كانت وقتها مجرد اتهامات تتسرب، مثلما تتسرب الآخبار الآن بأختلاس (المشير) عمر البشير، لتسع مليار دولار، من اموال البترول التي لا يعرف احد شيئاً، عن تعاقداتها، واسرارها المغطاة. تصدي وقتها لذلك العبث بأسم الشريعة والإسلام،عملاق الفكر السوداني، الأستاذ الشهيد محمود محمد طه، بكلمة ضافية، امام محاكم الظلم والجور، التي سميت بمحاكم العدالة الناجزة، ودفع حياته ثمناً لقول الحق. وجاء في كلمة الأستاذ الشهيد، التي ستبقي نبراساً مضيئاً، في تاريخ الشعب السوداني، ابد الدهر،ان تلك القوانين: (( مخالفة للشريعة وللإسلام .. أكثر من ذلك ، فإنها شوهت الشريعة ، وشوهت الإسلام ، ونفرت عنه .. يضاف إلي ذلك أنها وضعت ، واستغلت ، لإرهاب الشعب ، وسوقه إلي الاستكانة ، عن طريق إذلاله .. ثم إنها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير .. و أما من حيث التطبيق ، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها ، غير مؤهلين فنيا ، وضعفوا أخلاقيا ، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية ، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب ، وتشويه الإسلام ، وإهانة الفكر والمفكرين ، وإذلال المعارضين السياسيين .. ومن أجل ذلك ، فإني غير مستعد للتعاون ، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر ، والتنكيل بالمعارضين السياسيين)). اذا قبل الجنوبيون عرض (المشير) البشير بالوحدة، مقابل (كل النفط ) فسيقبل هو ب” التعدد الثقافي والاثني”.. ! ولن تكون (الشريعة) بطبيعة الحال، هي (المصدر الرئيسي للدستور)! اما في حال انفصال الجنوب، فيقول المشير البشير: (سنقوم بتعديل الدستور لذلك لا مجال لحديث عن التعدد الثقافي والاثني).. و (ستكون الشريعة والاسلام هي المصدر الرئيسي للدستور.. وسيكون الاسلام هو الدين الرسمي للدولة وستكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.)! يناقض البشير نفسه، و يؤكد بأقواله هذه، ان (جماعة الإنقاذ) في السودان لم تكن تحكم طيلة العقدين الماضيين بالشريعة!! وان الاسلام لم يكن (دين الدولة الرسمي) بالرغم من كل شعارات المزايدة بالدين، المرفوعة، في الميدان السياسي السوداني، منذ اكثر من عشرين عاماً هي عمر حكومة (الإنقاذ) !! ولذلك (سيكون) الاسلام في المستقبل، هو الدين الرسمي للدولة، اذا انفصل الجنوب! فتاة الفديو وجهل البشير بالشريعة والقانون وتتجلي تناقضات البشير، بصورةاكبر، في تعليقه علي حادثة (فتاة الفديو) التي اثار جلدها استياء واسعاً، داخل وخارج السودان، فيقول، في كلمته التي ألقاها يوم الاحد 20 /12/2010 بمدينة القضارف، ان فتاة الفديو (جلدت وفق حد من حدود الله)! فهل حقاً جلدت تلك الفتاة، في جريمة (حدية) وفقاً لأحكام الشريعة؟ ام انها جلدت، في جريمة غير (حدية)؟ وهل حوكمت تلك الفتاة وفقاً لأحكام الشريعة؟ ام انها حوكمت وفقاً لأحكام قانون (النظام العام) الجائر، الذي لا علاقة له ب(حدود الله) و وضع أساسأً لإرهاب المواطنين وإذلالهم ؟ وهل من بين ( الحدود) جريمة يحاكم مرتكبها اومرتكبتها ب الجلد (50) سوطاً،كما هي الحال في قضية فتاة الفديو؟ معلوم ان جرائم الحدود هي من اشد الجرائم انضباطاً ودقة في الإسلام، حيث قيدت الشريعة القاضي،تقييداً تاماً، والزمته بالحكم بمقتضى طرق محددة في الإثبات، وفي تنفيذ العقوبة، فمثلاً في جريمة الزني،حددت الآية 15 من سورة النساء،طريقة الإثبات بقوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم)، اما اذ فشل الشهود الاربعة في اثبات رؤيتهم لحدوث فعل الزني كالمرواد في المكحلة، فيكونوا قد ارتكبوا جريمة القذف، بنص الاية 4 من سورة النور،و يطبق عليهم هم حد القذف، بمقتضي قوله تعالى ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون)!! من الواضح ان (المشير) البشير لايفقه شيئاً عن االشريعة والحدود، وكيفية اثبات الجرائم الحدية، و تطبيق العقوبات المقررة عليها في الشريعة،وانما هو ديكتاور اشر، يحاول المزايدة بالشريعة،واستغلال (الحدود) في ارهاب الشعب، وتغطية جرائم ومفاسد نظامه، المصنف دولياً، كأضعف وأقل انظمة الحكم، شفافية في العالم .اكثر من ذلك فأن رئيس نظام(الإنقاذ) الديكتاتوري، تدخل في كلمته تلك بصورة سافرة، ومهينة، في اعمال القضاء الخاضع لسيطرة جماعته الديكتاتورية، فقال (في ماذا سيحققون؟)وذلك عندما شُكلت لجنة تحقيق في قضية حادثة جلد الفتاة المخجلة. الحق ان ما حدث لتلك الفتاة، من مخالفة للقانون وللشريعة والإسلام، امر لا يقبله رجل به مسكة دين او انسانية، او مروءة وشهامة. لكن البشير يري ان ( الذين يقولون إنهم خجلوا من هذا، عليهم أن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا للإسلام) ! وهكذا جاءت تصريحات هذا (الرئيس) البائس –كالعادة- غير مسؤولة، جاهلة، بعيد عن الحق، والعدالة و الانسانية، والنخوة والشهامة السودانية!! القضية ببساطة ليست هي ( حدود الله) وإنما هي في تجاوز(المشير) البشير وجماعته لمبادئ العدالة، ومحاولتهم الباس الظلم الفادح المفضوح، ثياب(الشريعة وحدود الله)! البشير الذي لم يعهده اهل السودان صادقاً في يوم من الأيام، قال: (لن نجامل في حدود الله والشريعة الإسلامية) حسناً ماذا فعلت يا (امير المؤمنين) بشأن المسؤولين السارقين، ومختلسي المليارات، بحسب تقارير اجهزة حكمك الرسمية ؟ ماذ فعلت بشأن القتلة و منتهكي الحقوق، و مغتصبي النساء المسلمات، في اقليم دارفور؟ ماذا فعلت بشأن المفاسد المشهودة في نظامك الفاسد؟ ام ا ن شريعتك تقوم علي (مجاملة الأقوياء) مع إقامة (الحدود) زوراً وبهتاناً، علي الفتيات المستضعفات؟ البشير الذي ركع للأمريكان، واحضر القوات الأجنبية للسودان، وسلم إخوانه (المجاهدين) لأجهزة الاستخبارات الأجنبية ، يتحدث بلسان، ويفعل غير ما يقول. فبعد ان اعلن (الجهاد)علي الكفار في الجنوب، وزوج اخوانه (الشهداء المجاهدين) لبنات الحور، وبعد ان امتثل لأوامر الأمريكان، وسلم الجنوب ل(كفار) الحركة الشعبية، قال في اللقاء المشار اليه، إن حزبه (المؤتمر الوطني) الحاكم (سيسعى إلى إقامة علاقة سلسة وتواصل وود وتكامل على الأصعدة كافة مع دولة الجنوب احتراماً للوشائج التي تربطنا).. ما هي الوشائج التي يمكن ان تربط دولة (الشريعة الإسلامية) بدولة (الكفار) الذين كانت تجاهدهم، لأنهم (يحادون الله ورسوله) في الجنوب؟ وكيف يكون التواصل والود، مع دولة الجنوب التي ستصبح( دار حرب) بمقتضي الشريعة التي ستتطبقها (الدولة الإسلامية) في الشمال؟ ثم هل رأي الناس مثل التخبط والإلتواء والتناقض؟ لئن كان هناك من يستحق الجلد و القطع في السودان ، فهو عمر البشير، واخوانه من الإرهابيين الذين مزقوا وحدة البلاد، وعاثوا ظلماً و فساداً في ارض السودان .. اما آن الأوان، لاقتلاع جذور هؤلاء، من علي هذه الأرض الطيبة؟ عرمان محمد احمد 21/12/2010